"شغلانتي تدخل الجنة".. الحاجة أمل تُكافح لتعليم بناتها بـ"عمايل إيديها" (فيديو)
في حي هادئ لا تمر به الكثير من الأقدام، ينبعث الدخان من ركن بعيد، فينشر رائحة مميزة في أرجاء المنطقة، تسوق أقدام المارة خلف مصدرها على الفور، لتظهر بقعة يحتشد حولها العشرات في انتظار دورهم.
ومع الاقتراب قليلًا من هذه البقعة، تجد يد سيدة غطتها تجاعيد الزمن، تقف خلف هذا الازدحام، فتقلب اللحوم والدجاج وصنوف الطعام الأخرى على "الجريل" فتخترق الرائحة الأنوف، لتزداد الأيدي المتلهفة على شطائر الحاجة "أمل" المفعمة بروح الأمومة، والتي تحولت إلى وجبتهم الأساسية التي تشبع بطونهم قبل التوجه إلى أعمالهم وعند عودتهم إلى منازلهم.
"عمايل الأكل دي شغلانة تدخل الجنة".. تردد السيدة ذات الاثنين وخمسون عامًا هذه العبارة بنبرة يخالطها الرضا والقناعة، وهو ما دفعها لفتح مطعمها الصغير الذي أطلقت عليه اسم "هدية" لتصبح شطائرها الشهية بمثابة الهدية التي تمنحها إلى زبائنها باستمرار.
فمع التئام خيوط الشمس، تبدأ رحلتها اليومية إلى العمل، فتنتقل من منزلها بالجيزة برفقة زوجها الذي يساعدها في العمل، إلى مطعمها الصغير كل صباح، لتعلن بدء بيع السندويتشات مع حلول الثامنة وتودع آخر زبون لها مع تمام الثانية عشر من منتصف الليل في مواعيد ثابتة تحرص على الالتزام بها لتمنح كل وقت حقه.
وبالرغم من حصولها على بكالوريوس التجارة، إلا أن "أمل" رفضت العمل بمجالها، واختارت أن تمنح طاقتها للمهنة التي ورثاها هي وزوجها عن والديهما منذ الصغر، فتحول مطعمها الصغير المخصص لبيع الفول والفلافل مع مرور الوقت إلى مطعم لبيع مختلف أنواع السندويتشات التي تنوعت بين "الكفتة" و"البانيه" و"البطاطس" و"المربى بالقشطة" و"الحلاوة بالجبن"، بالإضافة إلى عدة أصناف متنوعة لا حصر لها.
وفي الوقت الذي تشهد الحاجة "أمل" فيه إقبالًا ملحوظًا على مطعمها المتواضع، إلا أنها لا تبذل جهدها كثيرًا في البحث عن وصفات جديدة للطعام أو التطوير من وجباتها، ففطرة الأمومة التي تغلب على شخصيتها، جعلتها أكثر حرصًا على تقديم شطائر تقليدية منزلية لا تختلف تمامًا عن تلك التي يتناولها أفراد الأسرة في كل منزل.
هذا المطعم الصغير كان البذرة التي حصدت السيدة الخمسينية ثمارها بعد سنوات من الكفاح، حينما نجحت أن تجعل منه مصدر رزقها الوحيد الذي أنفقت منه على تعليم بناتها الثلاث، حيث استطاعت ابنتها الكبرى أن تحصل على ليسانس الحقوق، فيما حصلت ابنتها الوسطى على درجة الماجستير في الحقوق وتمكنت من امتهان المحاماة، بينما تدرس ابنتها الصغرى في المرحلة الثانوية بإحدى المدارس التجريبية.
روح المثابرة والتحدي التي تمتلكها "أمل"، دفعتها لمشاركة نجلتيها في دراستهم الجامعية، فقررت الالتحاق بكلية الحقوق في الجامعة المفتوحة، لتتمكن من السير على نفس خطاهم في المرحلة الأكاديمية من حياتهم.
وكما كانت السيدة الخمسينية حريصة على مستقبل بناتها التعليمي، كان حرصها أكبر على تربيتهم على روح العمل وحب كسب الرزق الحلال دون خجل:"عشان كده بناتي بيحبوا شغلي أوي وفخورين بيه.. وبيجوا ساعات يساعدوني كمان لما يكونوا فاضيين".
تتسم الحاجة "أمل" بوقار ممزوج بالحكمة والذكاء في التعامل مع الزبائن، وهو ما يحميها من المضايقات المعتادة التي تتعرض لها كل امرأة عاملة في الشارع:"أنا مؤمنة إن الذوق والاحترام بيجبروا اللي قدامي يتعاملوا معايا بنفس الطريقة فمحدش يقدر ييجي عليا"، هذه هي كلمة السر التي تدفع الجميع للإقبال على مطعمها البسيط من كل حدب وصوب خصيصًا ليستمدوا الطاقة الإيجابية التي تمنحها لكل من يمر أمامها ببشاشة وجهها.