من هنا يبدأ طريق الانتحار.. شباب يواجهون قسوة الحياة بموضة "الكاتينج" (تحقيق)
ليسوا مجرمين ممن اعتادوا حمل السكاكين أو الأدوات الحادة لإلحاق ضرر بالآخرين، ولم يكونوا قتلة يتلذذون من رؤية الدماء، لكنهم أشخاص لديهم كره للذات ينتقمون منه بتقطيع أجسادهم، في محاولة منهم لصرف الانتباه عن الأذى النفسي لهم والتركيز على الأذى الجسدي، ليختاروا بذلك الشعور بالألم كنوع من رفض الواقع الذي يعيشون فيه.
الـ"كاتينج" أو تقطيع الجسد ظاهرة جديدة تفشت مؤخرًا بشكل كبير بين المراهقين بكثرة وبعض الراشدين، وهي حالة من التمرد يتلذذ أصحابها بإحساس إيذاء النفس والشعور بالألم الجسدي بدلا من النفسي، من خلال إحداث قطع وجروح في أجسامهم للتخلص من ضغوط ما في حياتهم والهرب من الوصول إلى مرحلة الانتحار، حيث أنهم لا يشعرون بالراحة إلا بعد رؤية الدم وهو يسيل من الجروح.
"الفجر" تواصلت مع بعض الحالات التي تمارس تلك العادة الغريبة لمعرفة سببها والطريقة التي يمارسونها بها.
طريق "الكاتينج" يبدأ بمشاهدة أفلام "السادية"
"أشعر بأن حياتي دُمرت بعد أن انقلب حالي من حافظة لكتاب الله إلى عاصية له.. أهلي أصبحوا يكرهوني ويسيئون معاملتي"، بهذه الكلمات أوجزت "صفية إسلام" "اسم مستعار- 15 عام"، شعورها عن مجمل حياتها وظروفها التي تمر بها.
روت "إسلام"، تلك الفتاة ذات الملامح الهادئة والتي وجدت من عادة تقطيع الجسد التي مارستها منذ عام متنفسًا لحل مشكلاتها النفسية التي لم تجد من يعينها عليها ويشاركها في حلها، أنها قامت بها رغبة منها في إلهاء نفسها عن التفكير فيما وصل إليها حالها، بعد أن أدمنت مشاهدة الأفلام الجنسية وخاصة الأفلام التي تحتوي على مشاهد لممارسات جنسية بها عنف وتعذيب "سادية"، وذلك بعد أن رأت شقيقها الأكبر يشاهد تلك الأفلام ففضولها دفعها لتقليده.
لم تعاقب نفسها لهذا السبب فقط، ولكن قيام شقيقها بالاعتداء الجنسي عليها ترك أثرًا نفسيًا سلبيًا عليها، خاصة بعد أن صارحت والدتها التي كان رد فعلها سلبيًا أيضًا، فتقول بحسرة: "أمي اكتفت بإنها تهددني إني مقولش لحد".
ومن هنا بدأت رغبتها في أذية نفسها، قائلة: "مشاهد التعذيب في أفلام السادية ثبتت في دماغي وبقيت بحبها.. وأحيانًا كنت بتخيل نفسي وأنا بأتعذب"، لتضيف بأنها شرعت في أذيتها لجسدها بدافع جلدها لذاتها عقابًا على أفعالها التي عبرت عن عدم رضاها عنها، بالإضافة إلى الابتعاد عن فكرة الإقبال على الانتحار والهروب منها.
لم تكن "إسلام" في وعيها حينما تقدم على تلك الممارسات بحسب ما أوضحت، فلم تشعر بحجم الجروح التي تحدثها بمختلف أنحاء جسدها، مؤكدة: "بقيت مدمنة كاتينج ومش بألاقي نفسي غير لما بأعمله".
على الرغم من إدراكها للجرم الذي تقوم به في حق جسدها، إلى أنها لم تستطع التوقف عن تلك العادة التي تقوم بها في سرية، مختتمة: "حاولت أبطل كذا مرة ومبقدرش، منظر الدم بيريحني وبينسيني إني موجودة مع أخويا اللي اعتدا عليا في بيت واحد".
شاب ينجو من الموت بعد أن شوه جسده ذاتيًا
بالإضافة إلى جلد الذات وعقابها على الخطيئة، هناك من شعر بمرارة الظلم كـ"أمير" "اسم مستعار- 23 عام" والذي أدمن عادة تشويه جسده في محاولة للانتحار والتخلص من حياته، بعد أن تعرض والده إلى حادث أثناء أداء عمله أفقده الرؤية وبتر ساقه، متحدثًا في حزن شديد: "أنا بقيت كاره النفس اللي بيخرج مني.. حق أبويا مش عارف أجيبه"، متخذًا من تلك الواقعة مبررًا لتلك الممارسة.
حالة "أمير" وصلت إلى مرحلة أكثر خطورة، فلم يكتفي برؤية الدماء تتدفق من جروحه فقط لكنه في كثير من المرات شرفت حياته على الانتهاء، إلا أنه كان يتم إنقاذه بإلحاقه بالمستشفى وتلقي العلاج الذي كان ينتهي منه ويعود مرة أخرى لممارسة نفس العادة.
على الرغم من أنه يعيش حياة طبيعية كأي شاب من عمره، لديه أصدقاء وعمله كمحاسب في إحدى الشركات، إلا أن "أمير" حينما يتذكر ما حدث لوالده يتجه إلى العزلة ليقوم بتقطيع جسده مستخدمًا السكين، لتصبح تلك الممارسة عادة ينتظر بعدها موته في أي وقت، معللًا بأنه يكره المجتمع الذي أضر بوالده ولم يمنحه حقه.
"الإيمو" بداية طريق "ميرنا" في التلذذ من تقطيع جسدها
تفريغ الطاقة السلبية والضغوط التي يمر بها المراهقين بسبب الأزمات النفسية والأسرية، قد تدفعهم إلى اللجوء لممارسة "الكاتينج" مثلما فعلت "ميرنا" "اسم مستعار- 16 عام"، والتي تسببت حياتها الغير مستقرة إلى لجوئها لممارسة الكاتينج، فتقول: "حياتي كانت شبه ضايعة تماماً ومفيش أي حاجة تهون عليا كم المصايب اللي حصلتلي آخر سنتين ده بجانب الأفكار الكتيرة.. فقدت الإحساس بأي حاجة".
الابتعاد عن الإقدام على الانتحار كان سببًا أيضًا لممارستها تلك العادة، مستخدمة شفرات الأمواس أو السكين في جرح يدها التي دائما ما تخفيها عن أسرتها بسبب الجروح التي شوهتها، خاصة وأنها تشكوا من سوء معاملتهم لها وممارستهم العنف ضدها بضربها وسبها بالشتائم.
واكتسبت "ميرنا" التي اعتادت ارتداء ملابس ذات أكمام تتدلى حتى أطراف أصابعها، لتخبئ أسفلها الندوب، تلك العادة من أصدقائها الذين يطلقون على أنفسهم "إيمو"، والتي انضمت لهم في فترة من فترات حياتها بعد أن وجدت أنهم يتشابهون معها كثيرًا في ظروفها، فتقول إنها أول مرة قامت بجرح يدها مستخدمة شفرات الأمواس مثلهم، وعلى الرغم من شعورها بالألم إثر الجرح إلا أنها شعرت براحة نفسية لم تشعر بها من قبل، ما جعلها تكرر ذلك حتى أدمنته.
تقليد أفلام العنف
سيف سيف الدين، شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يعاني من العصبية الشديدة وعدم تحمل أي ضغوط من المحيطين به، ولذلك مارس عادة إيذاء جسده بشكل دائم، والتي بدأها منذ ما يقرب من ثلاث سنوات بعد أن شاهدها في أحد الأفلام الأجنبية وقام بتقليدها، إذ كلما شعر بضغط عصبي يجلس بمفرده في أحد الأماكن ويقوم بتقطيع يده بهدف التخفيف عن الضغط الذي يشعر به.
بداية ممارسة تلك العادة كانت محاولة من "سيف" للانتحار، حيث قام بقطع يده ما أدى إلى حدوث نسبة من العجز بها، ما جعله منطويًا على نفسه كاره للمجتمع الذي يتسبب له في ضغوط، ليقضي أغلب وقته وحيدًا
الفتيات الأكثر ممارسة
وفي هذا الصدد تؤكد الدكتورة إلهام محمود، أخصائي العلاج النفسي، أن إيذاء النفس ظاهرة خطيرة يمر بها المراهقون، ولا بد أن تخضع لدراسة، مشيرة إلى أن عددًا كبيرًا من الحالات التي تمارس ذلك تتردد عليها لتلقي العلاج، وأن أغلبهم من الفتيات، وأن جميعهم يعانون من اضطراب في شخصياتهم.
وأضافت "محمود"، لـ"الفجر"، أن من يمارسون تلك الأفعال تتراوح أعمارهم السنية بين 12 حتى 30 عام، وأن الفئة الأكثر شيوعًا بينهم لمن هم في المرحلة الثانوية، موضحة أنهم يقومون بفعل ذلك بهدف التقليد، وأن البعض أيضًا يشجعون أنفسهم على ذلك بشكل جماعي، بعد الاعتياد على رؤية الصور الدموية على بعض جروبات مواقع التواصل الاجتماعي.
وأرجعت السبب وراء تلك الحالة إلى تعرض الفرد إلى الإصابة بحالة اكتئاب شديد وعدم الاعتراف بها، ما يجعله لديه دافع ورغبة في الموت والتخلص من حياته، موضحة أن حالة الاكتئاب هذه تنتج عن الشعور بالفشل أو وجود خلل عائلي.
وعن سبب انتشار تلك الممارسات بين الفتيات بشكل أكبر عن الشباب، توضح أن الفتيات أكثر عرضة لبعض الأمراض من بينها هذا المرض، لافتة إلى أن هذا المرض يعد بداية للانتحار، وأن الشباب أكثر وصولًا لتلك المرحلة التي تكون بعد أسبوع واحد من تكرار عملية إيذاء النفس، لأنهم أسرع في اتخاذ قرار إنهاء حياتهم.
وأشارت إلى بعض الحالات التي تعرضت لذلك، من بينها إحدى الفتيات التي تدرس في كلية الطب، والتي اعتادت على حمل "سكين" في حقيبتها حتى تكون جاهزة لإيذاء نفسها في أي وقت، لافتة إلى أن تلك الفتاة ترغب في إنهاء حياتها بعد أن حققت كل شيء فيها، وتماثلت إلى الشفاء من تلك الحالة عقب بعض جلسات المساندة والدعم.