إيران تجنّد أكثر من 70 موقعًا للتضليل الإعلامي في العالم
قالت وكالة "رويترز"، إن إيران تدير أكثر من 70 موقعًا على الإنترنت، تعمل على نشر الدعاية الإيرانية في 15 دولة، في عملية بدأ خبراء الأمن السيبراني وشركات التواصل الاجتماعي وصحفيون لتوهم في كشف النقاب عنها.
وأشارت إلى أن من بينها، موقع نايل نت أونلاين على الإنترنت
الذي يعد المصريين بتزويدهم "بأخبار حقيقية" من مكتبه في قلب ميدان التحرير
بالقاهرة، من أجل توسيع أفق حرية التعبير في العالم العربي.
ويقول الناس في منطقة ميدان التحرير بمن فيهم صاحب كشك لبيع
الصحف ورجل شرطة، إنهم لم يسمعوا بهذا الموقع من قبل، والسبب في ذلك أن موقع نايل نت
أونلاين، جزءٌ من حملة للتأثير في الرأي العامّ المصري تدار من مقرها طهران.
والمواقع التي اكتشفتها "رويترز" يزورها أكثر من
نصف مليون شخص في الشهر، ويتم الترويج لها بحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي يتجاوز
عدد متابعيها المليون.
وتبرز المواقع الأساليب التي يتزايد لجوء أطراف سياسية في
مختلف أنحاء العالم إليها لنشر معلومات مضللة أو كاذبة على الانترنت للتأثير في الرأي
العامّ. وتجيء هذه الاكتشافات في أعقاب اتهامات بأن حملات إعلامية روسية مضللة استطاعت
التأثير في آراء الناخبين في الولايات المتحدة وأوروبا.
وقال جون برينان مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية
السابق لرويترز، إن "دولًا في كل أنحاء العالم تستخدم في الوقت الحالي أساليب
حرب المعلومات من هذا النوع".
وقال عن الحملة الإيرانية "الإيرانيون خبراء محنكون
في الإنترنت. ثمة عناصر في أجهزة المخابرات الإيرانية تتميز بالبراعة من حيث العمل"
على الإنترنت.
وقد تم اكتشاف المواقع بالاستفادة من أبحاث أجرتها شركتا
فاير آي وكلير سكاي للأمن السيبراني. ونشطت هذه المواقع في فترات مختلفة منذ عام
2012. وهي تبدو مثل أي مواقع إخبارية وإعلامية عادية، لكن لا يكشف سوى اثنين منها عن
صلاتها بإيران.
غير أن كل المواقع ترتبط بإيران بإحدى طريقتين. فبعضها ينشر
أخبارًا ومقاطع فيديو ورسومًا كرتونية تزودها بها مؤسسة اسمها الاتحاد الدولي للإعلام
الافتراضي (آي يو في إم) تقول على موقعها إن مقرها الرئيسي في طهران.
وبعض المواقع يشترك في نفس تفاصيل التسجيل مع (آي يو في إم)
مثل العناوين وأرقام الهواتف. ويشترك 21 موقعا في العناوين وأرقام الهواتف معًا.
وتفيد وثائق منشورة على الموقع الرئيسي للمؤسسة أن من أهدافها
”التصدي للغطرسة... والحكومات الغربية وأنشطة الواجهة للحركة الصهيونية“.
الحقيقة غير المعلنة
افتضح أمر بعض المواقع في الحملة الإيرانية في شهر أغسطس
عندما كشفت عنها شركات منها فيسبوك وتويتر وألفابت، الشركة الأم لشركة جوجل، بعد أن
توصلت إليها شركة فاير آي.
وقد أغلقت شركات التواصل الاجتماعي مئات الحسابات التي روجت
لهذه المواقع أو نشرت رسائل إيرانية موجهة. وقالت فيسبوك الشهر الماضي إنها أغلقت
82 صفحة ومجموعة وحسابا ترتبط بالحملة الإيرانية. وكانت تلك الصفحات والحسابات قد اجتذبت
أكثر من مليون متابع في الولايات المتحدة وبريطانيا.
غير أن المواقع التي كشفتها رويترز لها مجال أوسع. فقد نشرت
محتواها بست عشرة لغة مختلفة من الأذربيجانية إلى الأردية مستهدفة مستخدمي الإنترنت
في الدول الأقل تطورا. ووصولها إلى قراء في مجتمعات تخضع لرقابة محكمة مثل مصر، التي
حجبت مئات المواقع الإخبارية منذ 2017، يسلط الضوء على نطاق هذه الحملة.
ومن هذه المواقع الإيرانية:
- موقع إخباري اسمه (فجر غربي آخر) يقول إنه يركز على ”الحقيقة
غير المعلنة“. وقد خدع وزير الدفاع الباكستاني فأطلق تهديدا نوويا لإسرائيل.
- عشرة مواقع تستهدف القراء في اليمن
- منفذ إعلامي يقدم أخبارا يومية ورسوما كرتونية ساخرة في
السودان.
- موقع اسمه (ريلني نوفوستي) أي ”الأخبار الحقيقية“ موجه
للقراء الروس. ويتيح هذا الموقع تطبيقا يمكن تنزيله على الهواتف المحمولة لكن لم يتسن
التوصل إلى المسؤولين عن إدارته.
وليست كل الأخبار على المواقع زائفة. فثمة أخبار حقيقية منشورة
مع رسوم كرتونية مسروقة جنبا إلى جنب مع خطب للزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي.
وبعض المواقع تتسم بالتسرع في النشر. إذ يخطئ موقع باسم وكالة
الصحافة اليمنية في كتابة الاسم باللغة الانجليزية.
ولم تجد رسائل أرسلت بالبريد الالكتروني إلى الشخص الذي يمكن
الاتصال به في الوكالة واسمه عرفات شروح طريقها إليه فارتدت. وقاد عنوان الوكالة ورقم
هاتفها إلى فندق في العاصمة اليمنية صنعاء قال العاملون فيه إنهم لم يسمعوا من قبل
عن شخص اسمه شروح.
وتتضح هوية أصحاب بعض المواقع السابقين وعناوينهم في سجلات
التسجيل التاريخية على الإنترنت. فقد سبق أن أوضح 17 من بين 71 موقعا أن مقره إيران
أو طهران أو كشف عن رقم هاتف أو رقم فاكس إيراني، غير أن أصحاب المواقع الحاليين لا
يظهرون ولم يتسن التوصل إلى الشركات التي تديرها مما تربطها صلات بإيران.
ويستخدم أكثر من 50 موقعا شركتين أمريكيتين لخدمات الإنترنت
هما (كلاودفلير) و(أونلاين إن.آي.ٍسي) وهما من الشركات التي تزود أصحاب المواقع بأدوات
لحماية أنفسهم من الرسائل غير المرغوبة والمتسللين.
وفي كثير من الأحيان تخفي الخدمات التي تقدمها هذه الشركات
فعليا هوية من يملك المواقع أو الأماكن التي تستضيفها. وامتنعت الشركتان عن إخطار رويترز
بمن يتولى إدارة المواقع.
وقال إيريك جولدمان المدير المشارك بمعهد قوانين التكنولوجيا
المتطورة بجامعة سانتا كلارا إن شركات استضافة المواقع أو خدمات الانترنت لا تتحمل
بمقتضى القانون الأمريكي بصفة عامة المسؤولية عن المحتوى الذي تنشره هذه المواقع.
ومع ذلك فمنذ عام 2014 منعت العقوبات الأمريكية المفروضة
على إيران ”تصدير أو إعادة تصدير، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، خدمات الاستضافة
على الإنترنت المخصصة للأغراض التجارية أو خدمات تسجيل أسماء نطاقات الإنترنت“.
وقال دوجلاس كريمر المستشار القانوني العام لشركة كلاودفلير
إن الخدمات التي تقدمها الشركة لا تشمل خدمات الاستضافة على الإنترنت. وقال لرويترز
”لقد درسنا نظم العقوبات المختلفة ونحن واثقون أننا لا نخالفها“.
وقال متحدث باسم شركة (أونلاين إن.آي.سي) إن أيا من المواقع
لم يكشف عن صلة بإيران في تفاصيل التسجيل الخاصة به وإن الشركة ملتزمة تمام الالتزام
بالعقوبات الأمريكية وقرارات الحظر التجاري.
فجر غربي آخر
يعتبر الكرملين على نطاق واسع القوة العظمى في الحرب الإعلامية
الحديثة. ومما تكشف حتى الآن يتضح أن حملة التأثير الروسية في الرأي العام التي تنفيها
موسكو أكبر بكثير من الحملة الإيرانية.
وتقول شركة تويتر إن ما يقرب من 4000 حساب لها صلة بالحملة
الروسية نشرت أكثر من تسعة ملايين تغريدة بين عامي 2013 و2018 بالمقارنة مع أكثر من
مليون تغريدة من أقل من ألف حساب يعتقد أن أصلها في إيران.
ورغم أن الحملة الإيرانية أصغر حجما فإن لها تأثيرا في موضوعات
ساخنة. فقد نشر موقع (ايه.دبليو.دي نيوز) الذي يركز على ”الحقيقة غير المعلنة“ خبرا
كاذبا في عام 2016 دفع وزير الدفاع الباكستاني إلى التأكيد على تويتر أن بلاده تملك
الأسلحة التي تمكنها من شن هجوم نووي على إسرائيل. ثم اكتشف أن الخبر الزائف ما هو
إلا جزء من حملة إيرانية عندما اتصلت به رويترز.
وقال الوزير المخدوع خواجة آصف (69 عاما) الذي خرج من الحكومة
الباكستانية في وقت سابق من العام الحالي ”كانت تجربة تعليمية“.
وأضاف: ”لكن يمكن للمرء أن يفهم أن مثل هذه الأمور تحدث لأن
الأخبار الزائفة أصبحت شيئا مهولا. وهو أمر بمقدور أي إنسان أن يفعله الآن وهذا في
غاية الخطورة“.
وممن ساهموا في مشاركة تقارير نشرها موقع (ايه دبليو دي نيوز)
والمواقع الأخرى التي تعرفت عليها رويترز ساسة في بريطانيا والأردن والهند وهولندا
ونشطاء لحقوق الانسان ومؤلف موسيقي هندي ونجم ياباني لأغاني الراب.
وقالت أناليزا بورو سكرتيرة مكتب الاستثمار للصحة والتنمية
في أوروبا التابع لمنظمة الصحة العالمية إن الشخص الذي كان يدير حساب المكتب على تويتر
في ذلك الوقت لم يكن يعلم أن الموقع جزء من الحملة الإيرانية.
وأضافت أن التغريدة نشرت في وقت كان عدد متابعي الحساب فيه
منخفضا نسبيا الأمر الذي حد من الضرر ”لكني من ناحية أخرى أشعر بقلق شديد لأننا علينا
مسؤولية هائلة باعتبارنا من وكالات الأمم المتحدة“.