مي سمير تكتب: "السترات الصفراء".. انتفاضة حواجز المرور تهز قصر الإليزيه
تصدرت حركة "السترات الصفراء" الغاضبة فى فرنسا عناوين الصحف، مطلع هذا الأسبوع عندما اجتاحت الاحتجاجات العنيفة الشانزليزيه، وردت عليها الداخلية الفرنسية بالغاز المسيل للدموع، فى مشهد مشتعل لم يكن متوقعاً أن تشهده فرنسا التى تتوالى فيها الأحداث وسط دهشة المراقبين.
حسب موقع "تايمزنيوز" الذى حاول تحليل المشهد الفرنسى المشتعل، نشأت حركة "السترات الصفراء" بشكل عفوى فى أكتوبر الماضى ضد ارتفاع الضرائب على وقود السيارات.
وحرص أنصار هذه الحركة على ارتداء سترات السلامة المضيئة التى تحملها جميع السيارات الفرنسية. وبدعم من الفرنسيين فى البلدات الصغيرة والريف حيث يتنقل معظمهم بالسيارة اكتسبت الحركة زخماً أوسع ضد ما اعتبروه تحيزاً من الرئيس إيمانويل ماكرون للمدن الغنية والكبيرة.
وبعد إغلاق الطرق على مستوى فرنسا الأمر الذى تسبب فى مقتل شخصين فى حوادث، ترمز مظاهر العنف فى باريس فى عطلة نهاية الأسبوع الماضى، لوجود فجوة بين النخب الحضرية والمناطق الريفية والبسيطة فى فرنسا، فأهداف المحتجين غير متبلورة، ويشكو كثيرون منهم من أنهم يكادون يحصلون على الخدمات العامة الضئيلة مقابل أعلى نسبة ضرائب فى أوروبا، ويريد البعض أن يقوم ماكرون بفرض ضرائب أكبر على الأغنياء، بينما يريد آخرون مزيداً من الإجراءات لمساعدة الفئات الأفقر ودعا كثيرون الرئيس الذى يتم وصفه بصديق رجال الأعمال، وهو مصرفى استثمارى سابق، إلى الاستقالة.
فرنسا لديها تاريخ طويل من الحركات الاحتجاجية التى اشتعلت لمعارضة كل شيء من ضرائب الوقود لإصلاح قوانين الزواج، ويقول المحللون إن ما يجعل السترات الصفراء غير عادية هو الطريقة التى تجمعت بها حركتهم بدون قادة، حيث يتم تنظيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعى، كما ينحدر أعضاء الحركة من خلفيات اجتماعية وسياسية متنوعة.
ورغم أن الحكومة ألقت باللوم على أنصار اليمين المتطرف فى أعمال العنف فى الشانزليزيه، لكن السترات الصفراء بالتأكيد حركة عفوية وغير منظمة من قبل تيار أو توجه بعينه، ولكنها نجحت فى جمع كثير من الأنصار وخلقت تأثيراً واسع النفوذ فى الشارع الفرنسى.
وساهم عنف الشرطة الفرنسية فى التعامل مع المظاهرات فى إكساب الحركة زخماً واسعاً وتعاطفاً بين قطاعات عريضة فى المجتمع، وفى مقابل نشر فيديوهات لعملية سرقة فى باريس أثناء مظاهرات السبت، انتشر أيضاً فيديو شهير لاعتداء الشرطة على سيدة عجوز تشارك فى هذه المظاهرات على نحو أشعل مشاعر كثير من الفرنسيين.
وحالياً تتمتع السترات الصفراء بدعم عام واسع، حيث أظهر استطلاع للرأى الأسبوع الماضى أن حوالى 70٪ ممن شملهم الاستطلاع يرون أن الاحتجاجات لها مبرر.
شهد اليوم الأول من احتجاجات الحركة فى 17 نوفمبر حوالى 300 ألف شخص يتجهون فى جميع أنحاء البلاد إلى حواجز الطرق، مع استمرار الاحتجاجات المتفرقة خلال الأسبوع.
لكن فى السبت الماضى، شارك حوالى 100 ألف فقط، ما دعا البعض لتصور أن الاحتجاجات فى طريقها إلى الزوال، وقال جيروم سانت مارى رئيس وكالة بولينجفوكس للأبحاث: «الحركة يمكن أن تختفى من خلال الاستنزاف.. وإذا كان يوم السبت المقبل لا يوجد سوى 50 ألف شخص فإن هذا يعنى أن الحركة فى طريقها للتراجع».
ولكن فيما يبدو أن الحركة التى بدأت كتيار عفوى وغير منظم تسعى إلى أن تصبح أكثر تنظيماً حيث أعلنت الاثنين الماضى أنها ترشح وفداً يضم 8 أشخاص للتفاوض مع الحكومة.
ولكن ما هو موقف الرئيس الفرنسى؟ وصل ماكرون إلى السلطة متعهداً باستعادة الثقة فى السياسة، لكن الاحتجاجات أثارت غضباً واسع النطاق بسبب سياساته المؤيدة للأعمال التجارية والنخبوية المتصورة فى الشوارع، ومع انخفاض معدلات التأييد لماكرون عند نحو 30 % من المواطنين، يعتبر كثير من المتظاهرين أن رئيسهم متعجرف وغير متصل بالناس الذين يعيشون حياة متواضعة فى المناطق الإقليمية فى فرنسا، وحاولت حكومته وقف الاحتجاجات هذا الشهر بإعلانها سلسلة من الإجراءات لمساعدة العائلات الفقيرة على سداد فواتيرها، ولكن دون جدوى.
من غير المستبعد أن يتراجع ماكرون عن الخطوات التى اتخذها، والدفع باتجاه جعل الاقتصاد الفرنسى أكثر اخضراراً، ولكنه وعد بأن يجعل الانتقال أقل إيلاماً للفقراء، ويقول محللون إن الرئيس الفرنسى يواجه صعوبة فى تحقيق التوازن فى الاستماع إلى غضب الناس بينما يضع حداً لحصار الطرق الذى يضرب الشركات فى الفترة التى تسبق عيد الميلاد.