بطرس دانيال يكتب: قلباً نقياً.. اُخلُق فىّ يا الله
«صُن قلبك أكثر من كُلِّ ما تحفظ فإن منه تنبثق الحياة» «أمثال 23:4». نستطيع أن نعرف حالة قلب الإنسان من الكلمات التى تخرج من فيه، لأن ما فى داخل القلب يظهر فى أعمال الإنسان وسلوكه ويطفو على السطح عن طريق الشفتين، وكما يُعلّمنا السيد المسيح قائلاً: «من فَضْلَة القلب يتكلّم اللسان» «متى 34:12»، نكتشف قلب الإنسان عن طريق اختباره فى كلماته التى ينطق بها. كم من مرةٍ جعلنا فيها قلبنا كالحجارة فى علاقتنا بالآخرين؟ هذا القلب من الممكن أن يحمل الحُب والحنان والدفء تجاه الغير؛ أو الحقد والقسوة والتبلّد. يحكى أحد المعلّمين المتصوفين خبرته قائلاً: «عندما كنتُ شاباً ثورياً صليتُ لله هكذا: «يارب، امنحنى القوة لأغيّر العالم، وعندما بلغتُ منتصف العمر اكتشفت أننى لم أستطع تغيير شخص واحد، لذلك صليتُ بطريقةٍ أخرى قائلاً: «يا رب أعطنى النعمة لأغيّر عائلتى وأصدقائى فقط»، الآن، صرتُ شيخاً، لذا أصلى هكذا: «يا رب، امنحنى القدّرة لأغيّر ذاتى فقط، ويا ليتنى كنتُ صليت هذه الصلاة منذ البدء». هذا حال الجميع، كلُّنا نريد أن نغيّر العالم كله، ولكن قليلين الذين يغيّرون أنفسهم، لذلك يجب أن نبدأ أولاً بتغيير قلوبنا ونفوسنا وحياتنا، هذه العملية ليست بالسهولة كما نتخيّلها، لأن تصحيح فكرنا والسيطرة على كبريائنا وأنانيتنا، أمرٌ يكوى ويدمى الإنسان ولكنه يساعده على تغيير ذاته وتنقية قلبه الذى يستطيع به أن يؤثّر على الآخرين بكل تواضع ومحبة. وعلينا أن نترك مهمة تغيير الغير لله القادر على كل شيء ليعمل فى قلوب الجميع ويبدّل حياة الناس إلى الأفضل. إن قلب الإنسان يتشوّق إلى أشياءٍ كثيرة، منها ما هو نافع وما هو ضار، لذلك عليه أن يميّز بين هذه وتلك، نجد أشخاصاً متعطّشين لله ولسماع كلمته والعمل بوصاياه، ومن هم يحترقون من رغباتٍ أخرى، والرغبة تعنى عطش القلب، وتعذّبهم لأنهم يتعلّقون بها، كالغنى وحُب التملّك والأمور الدنيوية ويصيرون عبيداً لها، لكن يجب عليهم أن يشتاقوا إلى الله الذى يروى قلوبهم كما يردد داود النبى فى المزمور: «اللهم أنت إلهى، إياك ألتمسُ سَحَرَاً، إليك ظَمِئَت نفسى وإليك اشتاق جسدى، فى أرض جدباء يابسة بلا ماء» «مزمور 2:62-3». هذا هو ظمأ القلب، فالنور الإلهى هو الذى يرويه، كما أن المياه تروى العطشان. وبهذه الطريقة يستطيع الإنسان أن يحيا فى نعيمٍ طوال حياته مهما كانت الصعوبات والضيقات التى تواجهه، وكان الكاتب الروسى العظيم Dostoevskij يصلّى هكذا: «يارب، اجعلنى أفهم ذلك، بأن الفردوس متخفّى داخل قلب كل واحد منّا، فهو موجود الآن وهنا بداخلى، وإن أردتُ، سيبدأ حقاً وسيظل معى طوال حياتي». إن قطرة واحدة من الحُب، كفيلة بأن تخصب بحراً من البراكين والرماد والصحراء، وتساعد الإنسان على تحمّل أعواماً من المرارة، ويستطيع أن يستكمل مسيرة حياته فى الآلام. وهنا يستطرد الإنسان فى تمجيد الله وتسبيحه، وكما يقول الكاتب الألمانى Peretz: «إن لحنَ القلب الحقيقى يُنشَد فى صمت، لأنه يعزف داخل الإنسان فى قلبه، فى جميع أعضائه وكما يردد داود النبى فى المزمور الخامس والثلاثين: «وتقول عِظامى كلّها مَنْ مثلُك، ياربي». إذاً... يُنشد الإنسان لله بكل حواسه ووجوده، بالروح والجسد، بالقلب والعقل. والقلب النقى يحمل الدفء والحُب والعطاء والرجاء ويمنح البشرية المحبة التى فُقِدَت. ونقرأ فى سفر يشوع ابن سيراخ: «سرور القلب حياة الإنسان، وابتهاج الرجل يُطيل أيامه» «22:30». فالسلام الداخلى يساعد الإنسان على تخطّى تجارب عديدة ومريرة كانت تمزّق القلب، لأن الغمّ الذى يسيطر على العديد من البشر فى زماننا الحاضر، لا يحمل ثماراً مفيدة، لأنه مبنى على التوتر وعدم الرضا، ويصل الحال بالكثيرين إلى اليأس وتتحوّل حياتهم إلى جحيم، لذلك يجب علينا أن نتحلّى بالقلب الصافى والنقى أى الضمير الهادئ والسلام الداخلى، لأن أوجاع القلب ومتاعب الحياة وهمومها وآلامها تحمل الكثيرين إلى الاكتئاب النفسى والذى يترتب عليه عواقب وخيمة. لذا يجب علينا أن نتحلّى بقلبٍ يُحِب الناس ولا يحقد على أحد ولا ينغلق على ذاته حتى لا تعشش العناكب بداخله. ونطلب من الله أن يمنحنا قلباً نقياً لنعاينه، وقلباً متواضعاً لنسمعه، وقلباً مُحبّاً لنخدمه، وقلباً مؤمناً لنحيا له. ونختم بكلمات الفيلسوف كانط: «شيئان يُهدياننى إلى الله: السماء المرصّعة بالنجوم والشريعة الأخلاقية فى قلبى».