"العهدة النبوية" من الرسول لرهبان سانت كاترين.. والنسخة الأصلية في تركيا (صورة)
مفاجآت علم الآثار لا تنتهي، ومن يبحث كثيرًا يجد مالا يتوقعه وما لم يكن يخطر له على بال، حيث تحوي المخطوطات سواء العربية أو الإسلامية آلاف من الحقائق التي قد لا نكون على دراية أو علم بها.
يقول الدكتور محمد حمزة الحداد أستاذ علم الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة، إن عدد المخطوطات الإسلامية والعربية والموجودة في مكتبات العالم بالملايين، ولم نعرف ولم ندرس منها سوى النذر اليسير، وتعتبر مكتبة دير سانت كاترين والتي تحوي مجموعة نادرة من المخطوطات المسيحية من أهم المكتبات الدينية في العالم، وبها مخطوط عربي نادر ألا وهو العهدة النبوية.
ومن جانبها كشفت الدكتورة آمال العمري أستاذة الآثار الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة، أن مكتبة دير سانت كاترين تضم مخطوطة نادرة للغاية وهي العهدة النبوية، والتي تم إرسالها من محمد صلى الله عليه وسلم إلى رهبان وقساوسة دير سانت كاترين، وهي محفوظة في مكتبة الدير، وهو الدير المنسوب للقديسة كاترين السكندرية الأصل والتي تم تعذيبها ثم استشهادها بأوامر الإمبراطور مكسيمانيوس عام 307هـ.
وعن تفاصيل هذا المخطوط يكشف لنا الدكتور عبد الرحيم ريحان أحد أبرز متخصصي آثار سيناء، أن المخطوط هو صورة من المخطوط الأصلي، بعد أن أخذ السلطان سليم الأول النسخة الأصلية عام 1517م وحملها إلى الأستانة، وترك لرهبان الدير صورة معتمدة من هذا العهد مع ترجمتها للتركية.
وأوضح ريحان أنه تقدم منذ عام 2012 بمذكرة علمية وافية للمجلس الأعلى للآثار للمطالبة بعودة المخطوط من تركيا، والوثيقة من أول الوثائق العالمية التي أرست مبادئ احترام الأديان وحماية المقدسات وأماكن العبادة ودعت المسلمين للمحافظة عليها والمساهمة فى ترميمها وصيانتها، حيث حددت الوثيقة أنواع دور العبادة المسيحية نصًا (لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا حبيس من صومعته) ويقصد بالأسقفية أو الكاتدرائية الكنيسة الكبرى التي تشرف على مجموعة كنائس، والمطرانية الخاصة هي الأديرة، والصومعة الخاصة والتي تساوي القلاية التي ينقطع فيها الراهب وحيدًا للعبادة.
وقد وضعت الوثيقة أسس لحماية المقدسات المسيحية والمساعدة فى ترميمها، بمنع التعدي عليها أو هدمها أو الاقتراب من سلامتها بأى شكل من الأشكال، بل يحظر على المسلمين استخدام أحجارها فى بناء مساجد أو منازل، مما يعنى ترك الأحجار لإعادة استخدامها فى أعمال الترميم (ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ولا يدخل شئ من بناء كنائسهم فى بناء مسجد ولا فى منازل المسلمين) وقد أشارت العهدة لسبب ذلك فى جملة أخرى (ويعاونوا على مرمة بيعهم وصوامعهم ويكون ذلك معونة لهم على دينهم)، وقد كتبت بخط على بن أبى طالب رضى الله عنه فى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
وسبب كتابة العهدة النبوية لرهبان دير سانت كاترين كما أوضح ريحان هو أن النبي محمد صلّى الله عليه وسلم حين أرسل كتبه إلى الملوك والأمراء ومنهم المقوقس نائب الرومان فى مصر، يدعوهم إلى الإسلام، أكرم المقوقس مندوب الرسول صلى الله عليه وسلم، وزوده بالهدايا، وقد عاد المندوب إلى المدينة المنورة عن طريق سيناء، وهنا قابله رهبان دير سانت كاترين فى الطريق، وأرسلوا معه وفدًا يُطلع النبي صلى الله عليه وسلم على حال ديرهم، ويطلب منه العهد تأمينًا للطريق وصيانة لديرهم ومصالحهم.
وأشار ريحان إلى أن هذه ليست العهدة الأولى فقد سبقها عهد النبي لأهل آيلة، وقد أقر سلاطين المسلمين هذه الامتيازات المبينة فى العهدة النبوية، وذكروها فى فرماناتهم ومنشوراتهم لمطارنة الدير، وذكروا إنما أعطوهم هذه الامتيازات بناءً على العهد الذى أخذوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأيده الخلفاء الراشدون.