بين التأجيل والتعتيم.. استراتيجية صناعة السيارات في مصر تدخل نفق مظلم
أنهى القرار النهائي الذي أعلنه الاتحاد الأوروبي خلال نوفمبر الجاري حالة الجدل التي استمرت عدة أشهر بشأن إلغاء الجمارك بشكل نهائي عن السيارات الواردة من الاتحاد الأوروبي وفقًا لاتفاقية التجارة المشتركة الموقعة بين مصر والاتحاد الأوروبي، ليعلنها الاتحاد واضحة "السيارات ذات المنشأ الأوروبي معفاة من الجمارك نهائيًا مطلع 2019".
سبق هذا القرار حالة من التخبط عاشها السوق المصري والعاملون في قطاع السيارات أثرت بشكل واضح على أسعار السيارات في الأسواق واستراتيجية العرض والطلب وما بين مؤيد ومعارض واحتمالات وتلميحات كان السوق هو الخاسر الوحيد.
لعل هذا القرار في صالح المستهلك المصري فمن المتوقع أن تتراجع أسعار السيارات في مصر بشكل كبير مع بداية العام المقبل، فضلاً عن كون السيارات ذات المنشأ الأوروبي ستكون معفاة من الجمارك كليًا مما يجعل أسعارها في السوق في متناول الكثيرين، ولكن هناك حصان خاسر في ذلك السباق، فقد يذكر البعض استراتيجية صناعة السيارات المصرية التي حدثثنا عنها الحكومة متملثة في وزارة الصناعة مرارًا وتكرارًا وكيف كانت ومازالت هذه الاستراتيجية حبيسة أدارج الحكومة دون إجراءات واضحة في هذا الشأن على الرغم من إعلان وزير الصناعة عمرو نصار الانتهاء من هذه الاستراتيجية وتفعليها في أكتوبر 2018، وزاد الأمر سوءًا قرار الإعفاء الجمركي للسيارات مما يصعب الأمر على الحكومة وعلى الصناعة المصرية ويجعل المنافسة في غير صالحها على الإطلاق.
طارق قابيل وزير الصناعة السابق أكد أنه تم تسليم الاستراتيجية كاملة للوزير الحالي عمرو نصار قبل التعديلات الوزارية التي شملت منصب الوزير السابق، ولكن بعد مرور هذه الفترة لم تخرج هذه الاستراتيجية إلى النور حتى الآن.
وعن احتمالية إلغاء الاستراتيجية التي تحدثت عنها الكثير من المواقع والصحف العالمية أكد وزير الصناعة أنه لا أساس لها من الصحة وأن الوزارة عاكفة على إعداد الاستراتيجية، ولكن السؤال كيف سستعامل الوزارة مع هذه الاستراتيجة بعد تطبيق قرار "صفر جمارك" على السيارات الأوروبية، وما الإجراءات التي من المتوقع اتخاذها للتغلب على هذا الأمر؟
كانت الحكومة المصرية قد تقدمت بطلب إلى الاتحاد الأوروبي في ديسمبر 2017 بتأجيل تفعيل هذه الاتفاقية بناء على طلب الوزير السابق طارق قابيل لحين توفيق أوضاع مصنعي السيارات في مصر ووافق الاتحاد على طلبها، كررت الحكومة هذا الطلب خلال العام الجاري ولكنه قوبل بالرفض من قبل القائمين على الاتحاد وأصدر قرارًا نهائيًا بتطبيقه في يناير المقبل.
الخبراء أكدوا أنه في حال تفعيل الاستراتيجية في الوقت الحالي دون اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة "صفر جمارك" ستكون المنافسة بين السيارات المحلية والأوروبية غير عادلة بالمرة وليست في صالح المنتج المحلي، مشيرين إلى أن عام 2018 شهد ارتفاع كبير في مبيعات السيارات المستوردة سواء كانت أوروبية أو آسيوية المنشأ مقابل السيارات المحلية، مرجعين ذلك إلى استقرار أسعار الدولار الجمركى لنحو 7 أشهر على التوالي، الأمر الذي كان في صالح السيارات المستوردة.
قال محمد البهى، رئيس لجنة الجمارك والضرائب باتحاد الصناعات، إن كل الاتفاقيات الدولية لها جوانب إيجابية وجوانب سلبية ولكن في النهاية لابد من الإلتزام بتنفيذ الاتفاقيات، مشيرًا إلى أن المغرب وتونس كانتا من أكثر الدول التي استفادت من هذه الاتفاقية.
أكد "البهي" في تصريحات خاصة، أنه كان لابد من تفعيل استراتيجية صناعة السيارات منذ التفعيل الأول للاتفاقية في عام 2004.
وتابع البهي": "القرار الوزاري أمهل المصنعين حتى مايو 2019 لتوفيق أوضاعهم، ومن بعد انتهاء المدة سيتم احتساب المنتج محليًا وفقًا للنسب الجديدة"، لافتًا إلى أن النسب الجديدة ستمكن المنتج المحلي على المنافسة داخليًا والتصدير للخارج، حيث ستتحقق نسبة الـ 40% مكون محلي شرط التصدير.
وأكد رئيس لجنة الجمارك أن السيارات الأكثر تأثرًا بتطبيق الشريحة الأخيرة من التخفيضات الجمركية على الواردات الأوروبية، ستكون المزودة بمحركات سعاتها اللترية أكبر من لترين.
من جانبه قال حسين مصطفى، الخبير والمدير التنفيذي السابق لرابطة مصنعى السيارات، إن مطابقة نسبة المكون المحلي في السيارات التي يتم تجميعها في مصر للمواصفات العالمية سيساهم بقوة في الحصول على أكبر نسبة من التخفيضات على الأجزاء الأخرى التي يتم استيرادها، مؤكداً ضرورة تخفيض الرسوم على السيارات المصنعة محليًا؛ لتشجيعها والمساعدة على المنافسة العادلة مع نظيرتها الأوروبية.
وأشار "مصطفى" إلى أن الضرائب التي تُفرض على السيارات المحلية يجعل منافستها مع السيارات الأوروبية أمرًا صعبًا، خاصة بعد الإعفاء النهائي للجمارك فالصناعة في مصر تواجه العديد من الصعوبات بوجه عام.