عامان على التعويم.. مؤشرات الاقتصاد تتعافى "على الورق" ولا نتائج ملموسة
تراجع كبير في معدلات الاستثمارات الأجنبية، انهيار كامل لمؤشرات البورصة، معدلات تضخم مضطربة، حالة من الفوضى تعم الأسواق وتواجه المواطن في شتى مجالات حياته، صورة تفصيلية مختصرة لحال الاقتصاد المصري بعد ثورة 25 يناير، دخل بعدها الاقتصاد المصري في نفق مظلم لم تكن الحلول التقليدية تجدي نفعًا معه، فتعالت الأصوات مطالبة بسرعة اتخاذ الاجراءات الخاصة بتحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات، الأمر الذي بدأ في وقته وكأنه الحل الأمثل للخروج من الأزمة، ومابين التبشيرات والتحذيرات اتخذ البنك المركزي المصري قراره في الثالث من نوفمبر عام 2016 بتعويم الجنيه مقابل العملات الأجنبية تعويمًا مطلقًا غير خاضع لأى سيطرة من قِبله.
اليوم وبحلول الذكرى الثانية لتطبيق قرار تحرير سعر الصرف، والذي كان حلقة في سلسلة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الحكومة تحت إشراف صندوق النقد الدولي إلى الوقت الحالي، نستعرض نظرة عامة لـتأثير القرار إيجابيًا وسلبيًا على مختلف القطاعات العاملة في مصر فالبعض يرى أنه أضر ببعض القطاعات، بينما رأى البعض الآخر أنه كان ضرورة تحتمها الظروف، ولكن الجميع أجمع على أن المواطن هو من تحمل قسوة تبعات القرار.
وفقًا لبيانات البنك المركزى فإن أرصدة الاحتياطى من النقد الأجنبى لمصر بنحو 25.46 مليار دولار في خلال عامين من نهاية أكتوبر 2016، وحتى نهاية سبتمبر 2018، ليسجل أرصدة تقدر بـ44.46 مليار دولار، مقارنة بمستوى 19 مليار دولار فى نهاية أكتوبر 2016، و هو الأكبر على الإطلاق في تاريخ احتياطي البنك المركزي المصري.
يعتبر الارتفاع في الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية هو الثامن على التوالي، بقيمة بلغت نحو 105 مليون دولار.
ليس ذلك وحسب، إنما يكفى الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بالبنك المركزي المصري، احتياجات مصر من السلع الغذائية الأساسية لمدة تتجاوز الـ 8.5 شهر، من المتوقع أن يكفي الاحتياطى الأجنبى لمصر، كان يغطى نحو 4 شهور فقط من الواردات السلعية لمصر، فى أكتوبر 2016، ليصبح حاليًا، نحو 8.5 شهر، وهو أعلى من المتوسط العالمى البالغ 3 شهور، وفقًا لاحصائيات "المركزي".
"قرار تحرير سعر الصرف أدي إلى انخفاض عجز الميزان التجاري نتيجة انخفاض حجم الاعتمادات المفتوحة لاستيراد سلع غير أساسية مع تحسين التصدير"، كلمات استخدمها محمد الأتربي رئيس بنك مصر مشيدًا بنتائج قرار تعويم الجنيه بعد عامين من تطبيقه.
وتابع "الإتربي" في تصريحات خاصة، "لقت إيرادات السياحة تحسناً ملحوظ نتيجة للانخفاض العجز في ميزان المدفوعات وانخفاض السحب بالعملة الأجنبية علي الكروت بالنسبة للمسافرين بالخارج مما يخفف الضغط علي مواردنا بالعملة الأجنبية".
لم يغفل "الإتربي" تحسن التصنيف الائتماني لمصر، واصفًا إياه بأنه أحد أبرز النتائج الإيجابية لهذا القرار، فضلًا عن ارتفاع النقد الأجنبي لأعلي مستوياته كاسراً حاجز 44 مليار دولار.
فخري الفقي، مستشار صندوق النقد الدولي الأسبق، يقول أن قرار تحرير سعر الصرف كان ضرورة ملحة، موضحًا أن أي قرار له سلبيات وإيجابيات، حيث أدى اتخاذ القرار إلى استقرار سعر الصرف، ووجود سعر موحد دون مضاربات، واختفاء السوق السوداء، بالإضافة إلى تعافي الاقتصاد المصري، وزيادة حصيلة مصر من الدخل الأجنبي.
وأوضح "الفقي"، خلال تصريحات خاصة، أن تحرير سعر الصرف أسفر عن وجود سعر واقعي للدولار أمام الجنيه وفقا لقوى العرض والطلب، لافتا إلى أن القرار خلق مناخ استثماري جاذب للمستثمرين، وعمل على زيادة الصادرات السلعية، حيث أصبح المنتج المصري رخيص الثمن، وأكثر تنافسية في الأسواق العالمية، فقد ارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال عامين من 21 إلى 25 مليار دولار.
وعن السلبيات، أشار "الفقي"، إلى أن تحرير سعر الصرف أدى إلى ارتفاع الأسعار، فتأثرت الطبقة المتوسطة من المصريين والتي تشكل 70% من المجتمع المصري، كما ارتفع بند دعم الطافة في الموازنة العامة، حيث تستورد مصر 50% من احتياجاتها من الخارج، فزاد عجز الموازنة.
واستطرد أن فوائد الدين العام لخارجي قفزت بعد تحرير سعر الصرف، مما تتطلب فرض مزيد من الضرائب لنعادل الزيادة في الإنفاق الناتجة عن ارتفاع بند دعم الطاقة، وزيادة فؤائد الدين، والذي بدوره القى مزيد من الأعباء على كاهل المواطن.
ورأى بشر الحسيني، خبير أسواق مال وعضو الجمعية المصرية للاستثمار، أن قرار تحرير سعر الصرف لم يحقق الآمال لقطاع البورصة، حيث يعاني السوق من قلة السيولة، وخروج بعض المستثمرين.
ولفت "الحسيني"، خلال تصريحات خاصة، إلى أنه لا يوجد خطة واضحة لطرح الطروحات الحكومية التي تم الإعلان عنها في 2017، موضحًا أن مؤشر البورصة انخفض بشكل عام، فقد وصل حجم الخسارة في السوق خلال العامين الماضيين حوالي 40 مليار جنيه.
ونوه بأن القرار كان له آثار سلبية على الاستثمار غير مباشر، ولكنه حقق المرجو منه على مستوى الاستثمار المباشر حيث افتتح العديد من المشروعات الجديدة وخاصة في مجال الإسكان، معتبرًا أن توجه الدولة لقطاع معين بصورة أكبر أحدث اختلال، وتسبب في زيادة نسبة التضخم، ومن ثم ارتفاع الأسعار.
ومن ناحيته قال محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، إن قرار تحرير سعر الصرف في هذا التوقيت كان لابد منه، حتى يكون هناك آليات جديدة للإصلاح الاقتصادي لمصر تساعد في نقلها نقلة محورية.
ولفت "العسقلاني"، خلال تصريحات خاصة، إلى أن تحرير سعر الصرف ساهم في تقليل الفجوة الاسترادية، فكنا على سبيل المثال نستورد الزجاج من تركيا والصين، فأصبحنا نجده في مدينة بسوس.
ونوه بأنه لا يوجد قرار إيجابي في المطلق، أو سلبي على المطلق، معتبرًا أن إيجابيات وسلبيات القرار متساوية، ولكن المواطن تحمل الفاتورة الأكبر للقرار حيث ارتفعت قيمة الغذاء والخدمات التي يحصل عليها نتيجة أن مدخلات تلك الخدمات نحصل عليها من الخارج بالدولار.
وأكد "العسقلاني"، أن الحل لتقليل الآثار السلبية للقرار يتمثل في الإنتاج من خلال فتح المصانع المغلقة، والتوجه لإنشاء مشروعات جديدة التي تركز على الإنتاج، لافتًا إلى أن الدولة وفرت الحماية الاجتماعية للطبقات الفقيرة من خلال برنامج تكافل وكرامة.
وطالب بتدخل الدولة لتوفير شبكة أمان اجتماعي للطبقة المتوسطة التي تعرضت لأزمات طاحنة، فجزء كبير منهم بعد أن كانوا يمتلكون السيارات، أصبحوا يعملون في "أوبر وكريم"، مقترحًا أن توفر لهم الدولة أراضي يزرعونها.
مواد البناء ارتفعت 150%.
بينما أكد ناصر شنب، تاجر مواد بناء، أن قرار تحرير سعر الصرف كان له تأثير سيىء للغاية على سوق مواد البناء، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة تصل إلى 150%، أي بنسبة أكبر من ارتفاع سعر الدولار.
واعتبر "شنب"، خلال تصريحات خاصة، أن القرار قد ساعد في حل مشكلة مصر الاقتصادية ولكن من جيوب المصريين، لافتًا إلى أن قيمة الدولار في مصر أعلى من قيمته الحقيقية، منوهًا بأن حركة البيع والشراء في سوق العقارات شبه متوقفة، والحكومة فقط هى من تعمل في مجال العقارات.
بينما انتقد وائل النحاس، مستشار اقتصادي، وخبير أسواق مال،توقيت قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف واصفًا إياه بأنه لم يكن مناسبًا، موضحًا أنه كان يجب تهيئة مؤسسات الدولة، والمصانع، والشركات أولًا، لتقليل المخاطر الناتجة عن تنفيذ القرار.
وأشار "النحاس"، إلى أن هناك قطاعات استفادت من تطبيق القرار، ولكن الضرر كان أكبر على المستوى العام حيث ارتفعت قيمة الدين العام، وزاد عجز الموازنة، وارتفعت الأسعار.
واعتبر أن تطبيق القرار بصورة مفاجئة أدى إلى أن تكون الخسائر أكبر، مستبعدًا أن تشهد الفترة المقبلة انخفاضًا في سعر الدولار، معقبًا: "الدولار غير قابل للانخفاض أو الهبوط"، منوهًا بأن طريقة تعامل الدولة مع الدولار هو من سيحدد سعره.
وبشأن قطاع الاستيراد والتصدير قال أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين، أن قرار تحرير سعر الصرف لم يكن له أي إيجابيات على قطاع الاستيراد، بل على العكس آثر عليه سلبيًا بصورة كبيرة، حيث زادت أسعار المواد الخام التي يتم استيرادها حوالي 300% وفي مختلف المجالات.
وقال "شيحة"، في تصريحات خاصة، إن القرار لم يشجع الإنتاج المحلي كما يروج البعض، موضحًا أن مصر تستورد المواد الخام لأي منتج تصنعه من الخارج بنسبة 100%، فمصر ليس لديها مكون محلي تعتمد عليه، وفي ظل ارتفاع تكلفة استيراد المواد الخام، انخفض معدل الاستيراد من الخارج لارتفاع تكلفة التصنيع.
ولفت إلى أن القرار آثر أيضًا على حركة التصدير، حيث كانت مصر تصدر قبل قرار التعويم بـ 30 مليار دولار، وبعد التعويم نصدر بـ 22 مليار دولار، بالإضافة إلى أن عمليات التهريب زادت، وإجراءات الاستيراد أصبحت عقيمة جدًا.
فيما قالت الدكتورة بسنت فهمي، الخبيرة الاقتصادية، إن قرار تحرير سعر الصرف تأخر 20 عام، موضحة أنه لا توجد دولة في العالم تدعم العملة، حيث أن دعم العملة بمثابة دعم كل الدول على حسابنا، فالآن مصر تدعم الإنتاج.
وأشارت "فهمي"، خلال تصريحات خاصة لـ "الفجر"، إلى أنه من الصعب توقع مستقبل سعر الدولار هل سينخفض أم يرتفع، حيث يتحكم فيه عدة أمور منها داخلي وخارجي، لافتة إلى أنه لو قررت أمريكا رفع سعر الفائدة على الدولار، فأن ذلك سيؤثر على سعره، بالإضافة إلى أنه لو انخفضت إيرادات مصر بالدولار، وزاد الطلب عليه، فذلك سيرفع أيضًا من سعره.
وأضافت أن الشكل العام خاصة بعد زيارات الرئيس السيسي إلى عدة دول، أن الاستثمارات ستتدفق على مصر، والذي بدوره سيؤدي إلى استقرار سعره، مؤكدة أن أسوء ما قامت به مصر أنها كانت تدعم عملتها، معتبرة أن ذلك كان لصالح فئات معينة، معقبة: "كنا بنضحك على نفسنا، ونقعد على القهاوي، ونشتري كل حاجة من الخارج".