بعد مرور 41 عاما.. كواليس زيارة "السادات" التاريخية إلى إسرائيل
فاجأ الرئيس الراحل محمد أنور السادات، في 9 نوفمبر 1977، العرب والغرب أيضًا حين كان يخطب في مجلس الشعب وقال حينها: "ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم"، وذلك بحضور ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الذي أصيب بذهول آنذاك، ولم تتأخر بعدها دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك مناحم بيجن، وفي 19 نوفمبر هبطت طائرة السادات في إسرائيل، وفي اليوم التالي ألقى خطابه هذا في الكنيست.
أسباب
الزيارة
ورأى "السادات"،
إن زيارته التاريخية لإسرائيل وإلقاء خطاب أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر
1977 سوف تعمل على الدفع بعملية السلام بين مصر وإسرائيل وسوف تساهم في إنهاء صراع
أزلي بين العرب وإسرائيل، ولكنه لم يتوقع حينها القطيعة العربية لمصر التي أسفرت عن
نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس، ويقول البعض أيضًا أن ذلك الخطاب هو المتسبب في
نهايته المأساوية، ولكن بصورة عامة يعتبر خطاب "السادات" من أشجع الخطب في
التاريخ.
وجاءت تلك الزيارة
بعد مرور 4 سنوات على حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، بسبب عدم التطبيق الكامل لبنود
القرار رقم (338 )، وجاء تفكير "السادات" في الزيارة ودفع عملية السلام،
لعدم ثقته في ضغط الولايات المتحدة على إسرائيل لتنفيذ القرارات المتفق عليها أولًا،
وتدهور الاقتصاد المصري آنذاك ثانيًا.
إصرار
على استكمال الهدف
وتحدد موعد هذه الزيارة
بعد غروب يوم السبت الموافق 19 نوفمبر
1977، وعشية الزيارة أعلن بيجن سياسة حكومته وهي أن إسرائيل لا يمكن أن تعود إلى حدود
عام 1967، كما أنها لن تعترف بالدولة الفلسطينية، ولن تقبل بإجراء اتصالات مع منظمة
التحرير الفلسطينية.
ولم يثن هذا الإعلان السادات عن القيام برحلته، وقد اتخذ السادات قرار
ذهابه إلى القدس بصورة انفرادية، واعترف كثير من المسؤولين المصريين بعدم معرفتهم بالقرار
قبل إعلانه وأدى هذا القرار إلى انقسام الرأي العام العربي، بين مؤيد للزيارة ومعارض
لها.
الخطاب
التاريخي
ووصل السادات القدس
في 19 نوفمبر 1977م ، ووقف في اليوم التالي أمام الكنيست الإسرائيلي وألقى خطابًا تاريخيًا:
"السلام عليكم ورحمة الله، والسلام لنا جميعا،
بإذن الله، السلام لنا جميعا، على الأرض العربية وفي إسرائيل، وفي كل مكان من أرض هذا
العالم الكبير، المعقَّد بصراعاته الدامية، المضطرب بتناقضاته الحادَّة، المهدَّد بين
الحين والحين بالحروب المدمِّرة، تلك التي يصنعها الإنسان، ليقضي بها على أخيه الإنسان .
واستطرد حديثه قائلا:
"وقد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتَتَيْن، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم
السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا
نشرك به أحدا وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام، املأوا الأرض والفضاء
بتراتيل السلام، إملأوا الصدور والقلوب بآمال السلام، اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر،
اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال".
نتائج
الزيارة
وبعد نجاح نتائج
زيارة السادات للقدس تم توقيع اتفاقية " كامب ديفيد " بين الرئيس الراحل
أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي "مناحيم بيجن " في 17 سبتمبر عام
1978 م، وذلك بعد 12 يومًا من المفاوضات في المنتجع الرئاسي "كامب ديفيد"
في ولاية ميريلاند القريب من واشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية .
مواقف
قادة إسرائيل من الخطاب
ونشرت وزارة الدفاع
الإسرائيلية في 25 فبراير 2018، عددًا من الوثائق السرية الخاصة بزيارة الرئيس المصري
أنور السادات إلى القدس في عام 1977.
وجاء في الوثائق،
التي رفعت إسرائيل السرية عنها اليوم، أن زيارة السادات إلى الكنيسيت الإسرائيلي أحدثت
انقسامًا في صفوف قادة الجيش.
وأوضحت صحيفة
"هآرتس" الإسرائيلية أن الوثائق المفرج عنها هي عبارة عن محاضر اجتماعات
قادة الجيش الإسرائيلي.
وكان الرئيس السادات
قد ألقى خطابًا تاريخيًا، في 20 نوفمبر 1977، أمام الكنيست الإسرائيلي تحدث فيه عن
قراره بالذهاب إلى "أرض العدو بينما لا تزال الحرب دائرة"، وعن رغبته في
هدم العداء والشك بين الإسرائيليين والمصريين.
وكشفت الوثائق أنه
بعد يومين، لم يكن جميع قادة الجيش الإسرائيلي متفائلين بشأن آفاق السلام مع مصر. كما
أنه بعد أربع سنوات فقط من حرب 1973، كان جنرالات الجيش، الذين شاركوا في الحرب، يتشككون
في نوايا السادات.
واتخذ رئيس الأركان
موردخاي غور موقفا حذرا، قائلا إنه تلقى تعليمات من وزارة الدفاع لإعداد إمدادات طارئة
للحرب. وقال رئيس القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي هرتزل شافير "سؤالي الأول
هو هل بإمكاننا معرفة ما يريد السادات تحقيقه حقا؟" والإجابة هي لا".
ومن ناحية أخرى،
أظهر الجنرال أفيغدور بن غال تفهما أكبر للزيارة التاريخية، التي مهدت في نهاية المطاف
الطريق لإبرام معاهدة سلام بين البلدين.
وقال إن زيارة الرئيس
المصري إلى أرض إسرائيل والتحدث إلى الكنيست هو حدث تاريخي، مشيرًا إلى أنها
"ليست خطوة دعائية بل خطوة صادقة وحقيقية تتعلق بشخصية الرئيس المصري السياسية
المعقدة".
ووصف بن غال الخطابات
التي ألقيت في الكنيست، بشأن الزيارة، بأنها "حوارا للصم"، متهما الحكومة
الإسرائيلية بأنها تظهر "افتقارا إلى الفهم والمرونة ولم تفهم الفرصة الكبرى التي
توفرها زيارة السادات إلى إسرائيل".
كما اتفق أيضا على
نفس الرأي الجنرال شلومو غازيت، رئيس المخابرات العسكرية، معربا عن رفضه لخطاب الكنيست
الذي أدلى به رئيس الوزراء آنذاك، مناحيم بيغن، الذي اعتبره أكثر خطورة من السادات.
من جانبه، أعرب نائب
رئيس الأركان رافائيل إيتان عن تفاؤله قائلا "أعتقد أن المواقف المتباينة التي
يبديها الجانبان طبيعية وأن هذا المفاوضات غير عادية"، مضيفا "الزيارة تعتبر
إنجازا لأنها مفاوضات مباشرة للمرة الاولى".
وذكر إيتان أيضا
أن زيارة الزعيم المصري يمكن أن تكون سابقة لقادة عرب آخرين، مضيفا أنه ربما يحضر إلى
إسرائيل رؤساء عرب آخرين.
وتابع "لدينا
مفاوضات مباشرة وعلنية لأول مرة في التاريخ، اسمحوا لنا بالعمل بهذه الطريقة وسنرى
ما سيسفر عنه ذلك. إذا كان الملوك والحكام العرب يملكون عقلا، فإنهم سيرسلون إلى هنا
أحدهم مرة كل شهر، وهنا سيتوقفون عن العمل، وبذلك سوف يكسبون الكثير من الأرباح".
كما تم طرح موضوع
الفلسطينيين مع مطالبة السادات بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة بما فيها القدس
الشرقية وإقامة دولة فلسطينية.
وقال بن غال
"أعترف بأن هناك قضية فلسطينية وسيثبت التاريخ ذلك في نهاية المطاف، يجب أن تحصل
الذريعة الفلسطينية على دولة، يمكن لنا تأجيل ذلك بإجراءات كهذه أو تلك، ولكن هناك
حركة وطنية قائمة ونشطة، وتستند في نهاية الأمر ليس على السياسيين، وإنما على رغبة
العرب الصادقة في الوصول إلى دولة مستقلة". في حين قال غازيت إنه "يجب أن
يكون هناك حلا للمشكلة الفلسطينية".
وتحدث رئيس الأركان
غور عن اجتماعات سابقة لقادة هيئة الأركان مع غولدا مائير، رئيسة للوزراء، ووزير دفاع
موشيه دايان، ذكر فيها أنه "لا يمكن تجاهل المشكلة الفلسطينية".
كما اعترف الجنرال،
يوري سيمتشوني، بضرورة الاعتراف بوجود الفلسطينيين، مضيفا "حتى قتل الفلسطينيين
يتطلب الاعتراف بأنهم موجودون. لا يهم ما تعتقد أنه يجب القيام به معهم، وما إذا كان
ينبغي منحهم دولة أم لا. أولا وقبل كل شيء، تحتاج إلى الاعتراف بوجودهم".