د. رشا سمير تكتب: سفينة الحلم الزائف

مقالات الرأي



استمعت فى ختام منتدى شباب العالم إلى شابة رائعة اسمها سارة أبو شعر..شابة أمريكية المولد كويتية المنشأ، سورية الأب وفلسطينية الأم..تعلمت فى مدارس أمريكية دولية بالكويت وتخرجت فى جامعة هارفارد.

ما جذب الحاضرين وأبهرنى فى تلك الفتاة هو حماسها الزائد وذهنها المتقد وحضورها الطاغى حين تحدثت عن حلمها الذى بدأ وهى فى السابعة من عُمرها عندما قابلت رئيس أمريكا جورج بوش الأب وقالت له بكل تصميم وتفاؤل: سوف أصبح رئيسة الولايات المتحدة الأمريكية فى يوم ما!.

الحقيقة أن سارة مثلها مثل الكثيرين من الشباب الذين نجحوا فى وضع أقدامهم على أرض صلبة وقدموا نماذج مشرفة لبلادهم، وما أكثرهم..

إذن فنحن العرب نمتلك قوة ضاربة من العقول البشرية وسواعد قادرة على إحداث تغيير ونهضة حقيقية للمنطقة.. لماذا إذن انتظرنا الربيع العربى ليأتى مُحملا بالأحلام من جهة الغرب؟ لماذا لم تتفتح براعم أوطاننا بهذا الربيع المنشود؟

تساءلت وأنا أستمع إلى تلك الفتاة: ماذا لو لم تتعلم سارة فى مدارس دولية أجنبية؟ وماذا لو انتهت حكايتها فى عرض البحر مثلها مثل الكثيرين من أبناء سوريا؟ وماذا لو بقيت فى فلسطين تنحنى كل يوم لتلتقط الحجارة وتُلقيها فى وجه المعتدى الصهيونى؟ وماذا لو أكملت دراستها فى جامعة عربية لا تمتلك إمكانيات وعراقة هارفارد؟.. هل كانت ستقف اليوم أمام الآلاف لتتحدث بنفس الثقة والإيمان بقضيتها؟..

لا أعتقد.. ولا أتصور..ولا أرجح..

ما لفت نظرى فى السنوات الأخيرة هو أن أغلب الشباب الناجح إما أنه تعلم خارج مصر أو أنه يسعى إلى فرصة عمل خارجها!.

لقد بات الحُلم البائس الذى يتم تصديره للشباب العربى أو دعونى أتحدث عن شبابنا المصرى الذى ألمس واقعه وأراه بعينى فى كل المشاهد..هو حُلم الهجرة..

الشاب الذى يتخرج فى الجامعة حتى لو كانت تلك الجامعة من أغلى الجامعات الخاصة لا يجد عملا بسهولة، ولو وجد العمل لاكتشف بعد فترة ليست بطويلة أن الحرب الحياتية هى من أشرس وأقوى الحروب التى سوف يواجهها على الإطلاق..

فإيجاد العمل يحتاج إلى واسطة.. والاستمرار فى العمل يحتاج إلى فهلوة.. والترقى فى العمل يحتاج إلى تملق وانكسار.. والنجاح فى العمل يحتاج إلى قيراط حظ وفدانين ندالة!.

تلك باختصار هى روشتة العمل فى مصر.. ونحن نتحدث عن خلق فرص عمل ودفع الشباب للتمسك بالحُلم وحثهم على البقاء وعدم الهجرة!.

فى وقت ما كان الشباب يحلمون بالفرار من ظروف الحياة القاسية، وكان ذويهم يعارضونهم ويدفعونهم للبقاء والتمسك بالوطن..المؤسف حقا أنه اليوم أصبح من يدفعون أبناءهم للرحيل هم الأهل ذاتهم الذين ذاقوا من قبلهم مرار العيش وصعوبة البقاء.

ظاهرة هجرة العقول هى ظاهرة عربية طالما ناقشها الإعلام وتناولتها المؤتمرات، والحقيقة أن النقاش لم ولن يأتى بجديد لأن الظاهرة مازالت مستمرة.. يبحث الشاب عن الهجرة طامحا فى حياة أكثر سلاسة وأكثر آدمية وأكثر تساويا فى الفرص..يطمح فى هواء لا يتنفس فيه الفساد ومناخًا غير طارد للكفاءات وغير قاتل للمحترمين وأصحاب الضمائر.

الواقع يُقر بأن أغلب من حققوا نجاحا حقيقيا فى شتى المجالات وعادوا يتحدثون عن غزواتهم لم يحققوا تلك النجاحات فى أوطانهم..بل كان النجاح وليد تكافؤ الفرص والعدالة الإنسانية فى بلاد بعيدة!

هل ستنجح جهود الدولة فى وقف نزيف العقول المهاجرة باحتواء الشباب وتأهيلهم؟!.

لقد عبر الرئيس بكل صراحة عن اعتراضه فى أن تكون إدارة أكاديمية الشباب فى يد مسئول مصرى وفضل لو تولاها أجانب حتى لا تقع فى فخ المحسوبية والمجاملات!.وأنا أوافقه الرأى، بل وأضيف، أنه لو تم عمل خطة لتطوير التعليم بشكل حقيقى وفعال، فنحن لن نحتاج إلى أكاديمية لتأهيل الشباب لأن التعليم فى المدارس والجامعات سيكون تأهيلاً كافيا..

الشباب من وجهة نظرى لا يحتاج إلى محاضرات واختبارات بقدر ما يحتاج إلى فرصة حقيقية لإثبات ذاته بعيدا عن محاولات قتل أحلامه واعتقال آماله ووأد أفكاره.. الواقع أشد إيلاما وقسوة من كل ما يُقال ويُدرس على الورق.

الحُلم الحقيقى هو أن تولد ألف سارة أبو شعر على كل أرض عربية دون أن تحتاج إلى هارفارد ولا أن تُغادر على ظهر سفينة الحُلم الأمريكى الزائف.