"الفجر" تتقصى رحلة الجنيه السوداني المزور داخل مصر

العدد الأسبوعي

أرشيفية
أرشيفية


جروبات سرية تطرح مزادات للبيع على الـ"سوشيال ميديا".. والـ50 جنيهاً الأكثر تزويرًا

الأميرية.. بولاق.. مدينة السلام.. الأزبكية.. أبرز أماكن ورش "الـضرب"


شهدت السنوات الماضية نشاطاً واسعًا فى تداول العملات المزورة داخل مصر، وتعددت أوجه ذلك التزوير، ما بين الجنيه المصرى واليورو وحتى الدولار الأمريكى، لكن مؤخرًا، طال التزوير الجنيه السودانى أيضًا. «الفجر» بدأت تتبع العملية للوصول إلى الأسباب التى ساهمت فى الترويج لهذا النشاط الإجرامى، الذى يضر بالاقتصاد المصرى فى مرحلة مهمة، يخوض خلالها القائمون عليه حربًا ضروسًا من أجل استعادته لعافيته.


فكرة هذا التحقيق هدانا إليها شاب فى العقد الثالث من عمره، عندما وقع أمام أعيننا منشور له، كتبه فى «جروب» سرى على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، عن عرضه بيع مليون جنيه سودانى مزيف، من فئة الخمسين جنيهاً.

الشاب الذى يدعى أيمن كتب: «موجود مليون جنيه سودانى مزيف للبيع بدون وسيط»، ليبدأ بعد ذلك سيل من التعليقات التى يستفسر أصحابها عن السعر، ومكان الأموال وعلاقته بها.

فى البداية عليك أن تعلم أن الدخول إلى هذا «الجروب» السرى مشروط بنيل ثقة المسئولين عنه، وأن تتم إضافتك عبر وسيط يعرفك جيداً، وعقب ذلك عليك اجتياز مجموعة من الأسئلة التى يطرحها عليك «الأدمن»، مثل: ما جنسيتك، هل لديك أموال تريد تبديلها؟، هل سبق لك بيع أموال؟، أين منطقتك؟، ولماذا تريد الدخول إلى المجموعة؟

أهم قاعدة داخل المجموعة هى عدم وجود وسيط بين بائع الأموال ومن يريد شراءها، ولابد أن يكون المنشور مستوفياً شروط النشر، مثل أن يتم وضع صورة للأموال، وتوضيح ما إذا كانت سليمة أم «شمال» مزورة، وتوضيح سنة طباعتها، والسعر الذى يريده كاتب المنشور.

وعلى الفور تحدثنا إلى أيمن، خلال مكالمة عبر تطبيق «فيس بوك» مدعين رغبتنا فى الشراء، فقال: «مليش علاقة بالجنيه السودانى، أنا مجرد وسيط بينك وبين الراجل اللى معاه الفلوس، وليا نسبة 20 قرشاً، وده علشان السوق نايم دلوقتى ومفيش حركة بيع ولا شراء، خاصة بعدما الشارع اتغرق فلوس مضروبة، ده الجنيه بقى يتضرب أحسن من المطبوع بتاع الحكومة».

بعد ذلك تواصلنا مع العديد من مسئولى الصرافات المصرية، وعلمنا أن سعر الجنيه السودانى فى مصر لم يتعد الـ40 قرشاً، إلا أنه غير متاح طوال الوقت، ما يجعل الإقبال على شرائه بطرق غير شرعية كبيرًا.

وأوضح عواد الحسينى، مقاول يعمل ويقيم فى وسط الدلتا: «لابد من التفريق بين العملة «المضروبة» والسليمة، لأن المزور سعره فى السوق يبدأ من 20 قرشاً للجنيه، وفى بعض الأحيان، لما الدنيا تبقى مقفلة يصير ثمن الجنيه أكثر من 50 قرشاً، وساعتها الجنيه غير المزور بيوصل سعره لجنيه ونص الجنيه».

واتفق أحد تجار الصعيد مع ما قاله سابقه، مضيفًا: «طول الوقت بيجى قدامنا جنيه سودانى مزور، لكن حد الله بينا وبينه، إحنا بنشتغل فى الجنيه السليم، وسعره دلوقتى جنيه مصرى، وده بالعمولة لأنه مش موجود فى السوق من الأساس وبقى صعب شوية الوصول إليه».

أما صاحب صرافة فى منطقة مصر الجديدة فأكد أن الأمر أصبح خطيراً جداً فى التعامل مع الجنيه السودانى، وعقب التعويم توقف تماماً التعامل معه لأن أغلب الموجود فى السوق «مشموم» وغير مرحب بالتعامل به، وأى شخص يأتى للبيع ومعه على الأقل مليون جنيه، وهو أمر مريب جداً فى حقيقة الأمر يجعلنا نتوقف عن التعامل معه.

رحلة البحث عن الجنيه السودانى تبدأ من الجنوب، وبالتحديد محافظات الفيوم وأسيوط وقنا والأقصر وأسوان، حيث يروج نشاط بيع الجنيه السودانى فى تلك المحافظات من قبل المصريين والسودانيين على حد سواء، مقابل معاملات تجارية بعضها مخالف للقانون.

«معايا 17 مليون جنيه سوداني»، عرض سريع من قبل تاجر لم يعلمنا بمجال تجارته، وعرفنا بنفسه على أنه وسيط بيننا وبين بعض الأشخاص يملكون 17 مليون جنيه سودانى، يريدون بيعها بشكل سريع لدواعى السفر.

يدعى متولى أبو بكر، 55 عاما: «الناس عايزة تخلص فيهم كلهم والسعر مش هنختلف عليه، اللى أنتم هتقولوا عليه هنبيع بيه، وبعد مفاوضات وصل الاتفاق بيننا إلى الحصول على مليونى جنيه سودانى بسعر 2 مليون جنيه مصرى، «الجنيه بجنيه»، كما يحصل الوسيط على 20 قرشا عن كل جنيه».

وعن البضاعة التى تم شراء الأموال بها قال: «السلاح، والآثار، السودانيون بيجوا يبيعوا لنا الفلوس مقابل السلاح والآثار، اللى بياخدوها ويروحوا يبيعوها للخلايجة، وشوية منهم اشتروا أراضى فى قنا وسقعوها وباعوها بالجنيه المصرى، علشان يغيروا الفلوس من سودانى إلى مصرى، غسيل أموال يعنى».

أما التزوير، فأمره أبسط مما سبق، لأن أغلب عمليات تزوير الجنيه السودانى تتم فى محافظتى القاهرة والجيزة، إذ يتخذ المزورون من المناطق الشعبية سترة للاختباء بين المواطنين، بعيداً عن أعين الشرطة المترصدة بعمليات التزوير سعيًا وراء مكافحة انتشارها، خاصة فى مناطق شرق القاهرة: الأميرية والمطرية ومدينة السلام، علاوة على الأزبكية والمعادى والخانكة.

وفى محافظة الجيزة، وتحديدا بمنطقة بولاق الدكرور، استقبلنا المهندس متولى رياض، 45 عاماً، داخل شقة إيجار جديد بالمنطقة، وهو معروف كمهندس إلكترونيات، إلا أنه كان يعمل فى تزوير العملات حتى وقت قريب، قبل أن يقبض عليه ويقضى فترة عقوبة، ليقرر التراجع عن نشاطه الإجرامى كمزور نهائيا.

يقول رياض لـ«الفجر»، تزوير العملة ليس صعباً كما يعتقد البعض، فكل ما يريده المزور هو شكل العملة، وكلما ارتفعت فئة العملة كلما أصبح تقليدها صعبًا، وفى العملة السودانية يتم تزوير فئة الخمسين جنيهاً، لأنها يوضع عليها علامة مائية فقط، ما يسهل تزويرها.

وأكد مصدر أمنى –رفض ذكر اسمه- أنه لا يوجد فى مصر ضرب عملة سودانية كما هو متعارف عليه، مثل ضرب الجنيه المصرى، وتم القبض مؤخرًا على عدد من الأشخاص لديهم مواد طباعة وبعض العينات من العملة السودانية فئة الخمسين جنيهاً فى أحد أحياء وسط القاهرة.