منال لاشين تكتب: مطاردة أفكار اقتصادية
كان حظ الاقتصاديين المعارضين فى مصر أفضل كثيرا من المعارضين السياسيين. فالسلطة تنظر للمعارض الاقتصادى بقليل من القلق ودون خوف تقريبا. ربما لأن الاقتصاد مادة معقدة يصعب على المواطن العادى فهمها ولذلك لا تخشى السلطة أو المؤسسات الأمنية من أثره على المواطن. ومن ناحية أخرى، فإن المعارض فى مجال الاقتصاد لا يطالب بتغيير نظام الحكم ولا يدعو إلى قيام ثورات أو يقود مظاهرات. ولذلك كان التعامل أيام مبارك مع الاقتصاديين المعارضين يكتفى فقط بالاستبعاد سواء من الوزارة أو المناصب العليا بشكل عام. وكان التليفزيون المصرى يستضيف الاقتصاديين المعارضين، وذلك خلافا للمعارضين السياسيين. ولذلك أصبت بصدمة ودهشة مما حدث مع الاقتصادى الدكتور عبدالخالق فاروق وكتابه الأخير (هل مصر دولة فقيرة).
وبعيدا عن تحقيقات النيابة وتهمة نشر كتاب ممنوع على الإنترنت أو نشر أحبار كاذبة..بعيدا عن هذا وذاك، فإن المدهش والصادم هو أن يصدر قرار بمنع كتاب اقتصادى يناقش ثروات مصر وكيفية إخراج مصر من الفقر إلى الغنى.
ولذلك فإن منع الكتاب الاقتصادى للدكتور عبدالخالق فاروق يثير تساؤلات عديدة وتفجر علامات استفهام حادة.أول هذه الأسئلة من صاحب قرار منع الكتاب من التداول على الرغم من أن الرقابة على الكتب تم الغاؤها منذ سنوات عديدة ؟ وهل تم المنع باستخدام مواد قانون الطوارئ؟
والأسئلة الأكثر أهمية وخطورة ما الذى يمكن أن يصيب الأمة أو أمنها القومى أو مؤسساتها فى كتاب يتحدث عن ثروات مصر سواء الثروات التى فى أيدى المواطن أو تلك الثروات الخاضعة لسلطة الدولة وتصرف الحكومة؟ ما هو الخطر المحدق المروع الخطير لمنع كتاب اقتصادى يحاول أن يساعد فى خروج مصر من أزمتها الاقتصادية؟ ما هو الخطر المزلزل المهول لمنع كتاب يحاول أن ينحى عن مصر صفة الفقر ويضع أمام الجميع أماكن وخريطة ثروات مصر؟
اعتقد أن ما حدث مع كتاب اقتصادى من منع مؤشر خطير يجب أن يتوقف عنده الحكماء والعقلاء. ففى عصر مبارك أو الإخوان لم نصل إلى درجة مطاردة أفكار اقتصادية فى كتاب نشر معظم فصوله فى مواقع إخبارية شرعية. نحن أمام تدهور غير مسبوق فى التعامل مع الفكرة والأرقام والحسابات الاقتصادية. فالاقتصاد وجهات نظر والخلاف بين الاقتصاديين قديم من عمر علم الاقتصاد نفسه. ولذلك أدعو لغلق هذا الملف. فهذه طريقة تعامل تجب مراجعتها والنظر إلى مخاطرها وعواقبها. لأن منع الأفكار والآراء من النشر والاكتفاء بفكرة واحدة وإقصاء كل الأفكار المختلفة يصنع مجتمعا أعور. مجتمعا ينظر بعين واحدة واتجاه واحد ولا يرى مخاطر الاتجاه أو مشكلات العين الواحدة التى لا ترى المنظر أو الصورة كاملة جدا.
بصراحة سيارة الحريات ترجع إلى الخلف بسرعة مذهلة. بدءا من التعامل مع قيادات حركة ومنظمات حقوق الإنسان مرورا بالتعامل مع بعض شباب ثورة 25 يناير واحتقار وتهميش السياسة وانتهاء بمنع كتاب اقتصادى.
اللهم بلغت اللهم فاشهد.