منال لاشين تكتب: خريطة جديدة فى رمضان
احتكار أم إعادة تنظيم السوق
عدد المسلسلات 18 فقط.. يسرا ومنة شلبى وهند صبرى والصاوى خارج السباق
الفضائيات ستختار القضايا التى ستناقشها الدراما
الاحتكار فى سوق السلع ملموس وألمه الحاد يوخز فى الجسم والعقل والجيب فورا..ولكن الاحتكار فى عالم الفن وخاصة الدراما لا يشعر بوجعه الكثيرون.. وآثاره مثل المواد المسرطنة لا تظهر فى الحال، ولكنها تتولى تدمير العقل والمشاعر.. وربما تهدد وطنا بأكلمه بإذكاء الصراعات والنزاعات.. ولذلك فإن قضية الاحتكار فى الدراما قضية خطيرة بل إن البعض ينظر لها كقضية أمن قومى.
ونحن أمام محاولة لكسر احتكار قديم للدراما لصالح احتكار دولة.. والبعض يرى هذه الخطوة ضرورية لإعادة تنظيم السوق ولكن معارضى هذه الخطوة يخشون من مخاطر وآثار احتكار الدولة لسوق الدراما. وذلك على الرغم من الدراما نشطت فى حضن تليفزيون الدولة..ومواجهات الاحتكار ومحاولات التغريب انطلقت أيضا من تليفزيون الدولة، وفى الحالتين كانت النتيجة لصالح الدراما.
1
الاحتكار فى الدراما
خلافا للاحتكار فى مجال السلع فإن وجود عشرات أو مئات من شركات الإنتاج لا يحمى الدراما من الاحتكار. لأن المتحكم فى الدراما هو قنوات العرض أو الإعلانات التى تفرض نجما معينا وفكرا واتجاها بحسب توجهات ورغبات المعلن أو قنوات العرض أو بالأحرى أصحاب قنوات العرض. وقد بدأت الدراما والمسلسلات فى مصر قطاع عام أو حكومى وكانت المسلسلات والدراما ناجحة ومبهرة بمقاييس زمن الستينيات. ولكن مع الانفتاح الاقتصادى وانهيار الكثير من القيم فرضت لغة السوق نفسها على المسلسلات فتراجعت قيمة الدراما التلفزيونية.ولعب احتكار شركات توزيع وتسويق المسلسلات دورا سلبيا، حيث رفعت ثمن المسلسلات التافهة وفرضت ممثلين واستبعدت آخرين..وفرض السوق الخارجى نفسه مسيطرا على الذوق والهوية المصرية الرائدة فى الفن. وتنبهت بعض جهات فى الدولة وبدأ أو عاد التليفزيون المصرى ينتج أعمالا درامية متميزة مثل «رأفت الهجان وجمعة الشوان» وكل أعمال المبدع أسامة أنور عكاشة وغيرها من الأعمال الدرامية المتميزة. ولكن التليفزيون لأسباب عديدة تراجع دوره الإنتاجى وخاصة بعد ثورة 25 يناير.وبدأت الفضائيات الخاصة المملوكة لرجال الأعمال تفرض ذوقها وتوجهاتها على الدراما مرة أخرى، ولم يخل الأمر من فرض ذوق غير مصرى نتيجة لتحكم رأس المال من خلال سطوة الإعلانات التى تحدد ما ينتج قبل الإنتاج.
2
حالة جديدة
الآن تغير الوضع أو كاد. وهناك خريطة جديدة فى الدراما وستظهر آثارها خلال موسم شهر رمضان المقبل.الفضائيات الآن رجحت فيها كفة المال العام، أصبحت الحصة الأكبر فيها للدولة المصرية.. وهكذا استطاعت أو بالأحرى نجحت للمرة الثالثة فى السيطرة على سوق الدراما. لم يعد شهر رمضان شهر عشرات المسلسلات التى لا تعطى للمواطن فرصة للاستمتاع بالدراما أو بشهر رمضان. تم الاتفاق على وضع حد أقصى لعدد المسلسلات فى الشهر الكريم على كل القنوات 18 مسلسلا.
وخرج من موسم دراما نجوم لامعون منهم يسرا ومنة شلبى وهند صبرى وخالد الصاوى. وكان مسلسل يسرا فى رمضان الماضى قد عرض على قناة سعودية فقط. ويعرض الآن على قنوات مصرية.
من بين التغييرات المرتبطة بتغيير شكل الملكية فى القنوات الفضائية تغيير أهم وأخطر هو تغيير المحتوى. ثمة شكوى من انتشار مسلسلات البلطجة وانحدار لغة الحوار وعرض مكثف لعورات المجتمع المصرى. بالنسبة للبعض فإن مثل هذه الدراما مسيئة لمصر وتنشر الإحباط.
ولذلك فإن المحتوى والقضايا التى سيناقشها المسلسلات هى من أكبر وأخطر وأهم محاور التغيير فى خريطة الدراما.
3
مخاوف مشروعة
لاشك أن اهتمام الدولة بكسر احتكار رجال الأعمال والقنوات الفضائية والإعلانات هو توجه بشكل عام جيد، وقد طالب به الكثير. ولذلك فمن الاهتمام بهذا الملف بشكل عام هو اتجاه محمود وجيد. ولكل من يعرف تاريخ العلاقة بين الدراما والحكومة أو السلطة قد يشعر ببعض القلق المشروع. فسيد أو أمير الدراما الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة قد واجهه فى آخر سنواته معوقات بحجج سياسية واتهامات بأنه متحيز لعصر عبدالناصر وضد عصر السادات. وأثار آخر جزء من ليالى الحلمية غضب جمال مبارك وشلته من الحرس الجديد. لأن البعض فسر تحولات على البدرى وعلاقته بأبناء الكبار أنها إشارة لبيزنس أبناء مبارك. ولذلك فإن تغيير الملكية فى اتجاه الدولة أو المال العام يجب أن يصاحبه رحابة فى التعامل من المبدعين والدراما، والبعد عن التفسيرات المتعسفة، وعدم إقصاء أى فئة من فئات الشعب المصرى بحجة الإساءة لمصر أو صورتها فى الخارج حتى لا تتحول الدراما إلى مخدر يلهينا عن قضاينا وواقعنا الحقيقى. كما أن الدراما كأحد أشكال الإبداع لا تعيش بدون حرية وإطلاق العنان للمبدع ليقدم تصوره للواقع أو تحذيره للمجتمع من ظاهرة ما. إن الدراما فى مجتمع مثل مجتمعنا يجب أن تتحول إلى جرس إنذار ينبه المجتمع لمشاكله، ويقدم مشاكل وواقع كل فئات المجتمع. يجب أن يفهم الجميع أن المبدع لا ينقل الواقع كما هو وليس ملزما بتقديم الحلول. ولكن المبدع ينسج من هذا الواقع صورة تتأثر بثقافة وتوجهات المبدعين. وإن كان الاحتفاء ببطولاتنا وأبطالنا وإنجازتنا مطلبًا ملحًا للكثيرين من الدراما، فإن كشف الفساد ومواجهة عورات المجتمع من خلال الدراما لا تقل أهمية عن إظهار البطولات. فنحن أمام وضع وتجربة جديدة الأسئلة فيها أكثر من الإجابات. ومعظم هذه الإجابات ستظهر مع الأيام.