صعيدي من يومه شقيان.. عم عبد الستار كعب داير بالأحذية على البيوت
ما إن يأذن للشمس بالشروق، يرتدي جلبابه الفضفاض الذي يخفي تفاصيل جسمه النحيل، ليرتسم الشقى بين تجاعيد وجهه، وينحني ظهره بحمل ثقيل هو بابه للرزق ليسد رمق أسرته، فيجول "عبد الستار" بين جنبات سوق الجمعة برابطة تكتظ بشتى أنواع الأحذية تحني ظهره.
يتصبب الرجل الستيني عرقًا، منتهزاً فرصة أن تشير إليه إحدى السيدات من أمام منزلها، ليختطف قسطًا من الراحة بالجلوس لدقائق معدودة، فحرارة جو الصيف تنخر في جسده النحيل.
يسند "عبد الستار" برأسه على الحائط ليشرد بذهنه إلى طفولته في الصعيد بمحافظة المنيا، ولعبه مع الصغار من أهله وجيرانه، ليقطع شروده سؤال سيدة لا تختلف تفاصيل الشقى بين وجهها وجبهته، عن ثمن حذاء لحفيدها "محمد" الذي لم يتجاوز الثمان سنوات، ليكشف بائع الأحذية بأن "شبشب" الأطفال ينحصر بين خمسة عشر و ثلاثون جنيه.
شد وجذب بين البائع والسيدة العجوز ينتهي بفوز الطفل "محمد" بحذائه الجديد الذي لم يترك قدميه منذ قام بارتدائه لتطمئن جدته على مقاسه، فيجري الطفل الصغير بالحذاء الذي تميز بلونه الأصفر الزاهي، ليستكمل لعبه مع الأطفال من عمره.
يلتقط شاب حذاء أعجبه بعدما قام "عبد الستار" بفرد ربطته لدقائق، في شارع ضيق "حارة" تبعد أمتار عن سوق الجمعة، وكأنما يفصلهما عازل زجاجي يكتم الأصوات بالسوق، مما يترك للرجل فرصته لكسب رزقه من انتقاله للمنازل.
يهمم الرجل الستيني سائلًأ المولى أن يعينه، ويقوم بإغلاق ربطته، متأكدًا من وضع كافة الأحذية، ليقوم ببطيء يتبعه تألمه، واضعًا الرابطة على كتفه، ليكرر المشهد عشرات المرات في اليوم الواحد.
تدق الساعة الخامسة مساءً، فينظر "عبد الستار" لقدميه الذين تورما من كثرة المشي، ويضع يديه على ظهره الذي يؤلمه، ليسدل الستار عن يومه الشقى، ويعود إلى منزله ليأخذ قسط قليل من الراحة، قبل إشراق يوم جديد مع عمله المنهك.
