"أبو الغيط": الثقافة العربية تدفع ثمنا فادحا جراء حالة الفوضى والاضطراب

عربي ودولي

السيد أحمد أبو الغيط
السيد أحمد أبو الغيط - أرشيفية

تنشر بوابة الفجر، كلمة السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة (21) لمؤتمر وزراء الثقافة العرب، وإلى نص الكلمة: 

السيدات والسادة وزراء الثقافة العرب

اسمحوا لي أن أتناول في الدقائق التالية بعض الملاحظات حول حال الثقافة العربية المعاصرة .. إن الثقافة العربية تقف اليوم في مفترق طرق حقيقي .. تواجه سؤالاً صعباً ومعضلة حقيقية .. كيف تُجدد نفسها من دون أن تفقد هويتها وأصلها الحضاري وامتدادها الضارب في جذور التاريخ؟ .. كيف تتماشى مع هذا العصر من دون أن تذوب في تياراته العاتية؟  إنه سؤال مطروحٌ على مجتمعاتنا وحكوماتنا على حدٍ سواء، والإجابة عليه ليست من باب الترف الفكري أو النشاط الذهني... حقيقة الأمر أن مستقبلنا وموقعنا من الحضارة العالمية يتوقف على تعاملنا مع هذه المعضلة الصعبة.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن الثقافة ليست نشاطاً تجميلياً، بل هي الإطار الناظم لحركة المجتمع، والمحرك الحقيقي للأحداث .. ولم يعد خافياً أن الثقافة، وما يرتبط بها من منظومات التعليم والإعلام، تُعد في حقيقة الأمر قضية من قضايا الأمن القومي، بل هي أخطر هذه القضايا جميعاً، ذلك أنها تتصل اتصالاً مباشراً بالوعي السائد في المجتمع، وإدراكه لذاته ولدوره .. وشعوره المشترك بالرابطة التي تجمع أبناءه.. إن المجتمعات من دون ثقافة وطنية عصرية جامعة تفقد تماسك نسيجها وعناصر اللحمة بين أبنائها، بل تفقد أسباب الاتصال والتواصل عبر أجيالها.

السيدات والسادة،

اسمحوا لي أن أطرح على حضراتكم ثلاث نقاط رئيسية أراها تتصل اتصالاً مباشراً بقضية الثقافة في العالم العربي في اللحظة الحالية:


أولاً: 

إننا نعتز اعتزازاً كاملاً بقيمة الثقافة العربية وموقعها المتميز في الحضارة العالمية، وفي المسيرة الإنسانية... نعتز باسهامها في الماضي، وبوجودها المتجدد في الحاضر.. على أن ذلك الفخر –المستحق بكل تأكيد- لا يعمي أبصارنا عما أصاب هذه الثقافة من بعض عوامل الضعف وأسباب التراجع .. إن ثقافات الشعوب لا تعيش فقط على منجزات الماضي، بل هي كائن حي يطلب التطور والتجدد .. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا: هل مازالت ثقافتنا العربية قادرة على ملاحقة هذا العصر، بمنجزاته العلمية والإنسانية؟ هل ثقافتنا تعيش عصرها، أم هي تعيش في عصر ماضٍ؟ هل هي مشدودة إلى المستقبل، فيما تطرحه من أسئلة وأفكار ونقاشات، أم هي أسيرة أسئلة من الماضي، وأفكار مضى زمنها، ونقاشات لا تنتمي للعصر؟

أقول إن علينا أن نسأل أنفسنا أيضاً عن حجم ونوعية انتاجنا الثقافي. كم كتاباً عربياً يُطبع سنوياً؟ ثمة إحصائيات تُشير إلى أن العدد يدور حول 15 أو 18 ألف كتاب، وهو ما تقوم بطبعه احدى دور النشر المشهورة في الغرب سنوياً.

علينا أن نسأل أنفسنا كذلك: أين نحن من حركة الترجمة؟ كم كتاباً يُترجم من اللغات الأجنبية إلى العربية سنوياً؟ هناك إحصائيات تُشير إلى إن دولة مثل اليونان تترجم سنوياً خمسة أضعاف ما يُترجم إلى العربية التي يتحدث بها 450 مليون إنسان. وليس حال الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية بأفضل، وربما يُفسر هذا بدرجة كبيرة شكوانا الدائمة من الانطباعات المغلوطة والنمطية التي يتبناها الآخرون عن ثقافتنا.

إننا نستعيد، بقدرٍ من الحنين، جهود الجيل المؤسس للثقافة العربية الذي انهمك في حركة دائبة للترجمة والتأليف والنشر، وقدم انتاجاً ما زالنا ننهل من معينه إلى اليوم.. علينا أن نسأل أنفسنا بكل صراحة: هل حال الثقافة العربية اليوم أفضل مما كان عليه منذ قرن من الزمان، أم تدهور وتراجع؟ 


ثانياً: 

إن الثقافة العربية تدفع اليوم ثمناً فادحاً جراء حالة الفوضى والاضطراب والصراعات التي سادت بعض دولنا خلال السنوات الأخيرة.. بعضٌ من أهم معالم التراث العربي، والتي تنتمي لتراث الإنسانية، دُمرت أو شوهت على أيدي عصابات الإرهاب .. هناك جيلٌ كامل من الطلبة العرب يُعاني الضياع، وخسارة سنوات الدراسة بسبب الحروب .. يكفي أن نشير إلى أن بعضاً من أبناء اللاجئين السوريين لا يدرسون العربية، بل لغات أخرى.

إن الثقافة –أي ثقافة- لا تزدهر في أزمنة الاضطراب .. بل الغالب أن يسود في هذه الأزمنة الخطاب المتطرف الرافض للآخر والمنغلق على الذات .. الخطاب الذي ينتمي للماضي ويُخاصم العصر.. وهنا؛ فإن على كافة المهتمين بالعمل الثقافي ألا يكتفوا بنقد الخطاب المتطرف والمنغلق.. علينا أن نعمل معاً على تطوير خطاب مضاد.. خطاب تنويري معاصر، يربط الثقافة العربية بعصرها ويصلها بتراثها الحقيقي.. وهو تراث منفتح، وإنساني بكل ما تعنيه الكلمة.. إن الانغلاق يكون دوماً محصلة لضعف الثقة في الذات .. وكلما زادت ثقتنا في منجزنا الحضاري والثقافي، كلما صار انفتاحنا على الآخر عنصر قوة للثقافة وإثراء للحضارة.

ثالثاً: 

لقد اتخذت القمة العربية التي انعقدت في الظهران بالمملكة العربية السعودية في أبريل الماضي قراراً بتكليف الأمانة العامة لجامعة الدول  العربية بالتحضير لانعقاد القمة الثقافية الأولى .. إن فكرة القمة الثقافية تعود إلى ما يزيد على ثماني سنوات، وقد كان لمؤسسة الفكر العربي، ورئيسها الأمير خالد الفيصل، الفضل الأول في الدعوة إليها.. وإنني أعتبر أن هذا القرار يعكس التزاماً سياسياً على أعلى مستوى في الدول العربية بقضية الثقافة، ويُمثل ادراكاً محموداً لخطورة هذه القضية وإلحاحها.

إن نجاح هذه القمة يتوقف على الإعداد الجيد لها .. وتعتزم الأمانة العامة أن تنخرط في جهد جاد ومتواصل، بالتنسيق الوطيد مع المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة (ألكسو)، ومع مؤسسة الفكر العربي، وكذا مع صفوة من أهل الاختصاص والرأي .. لضمان أن تحقق هذه القمة أهدافها الموضوعة.. وفي مقدمة هذه الأهداف –من وجهة نظري- "تجديد الثقافة العربية" بالمعنى الشامل لمفهوم التجديد.. تجديد علاقتها بتراثها من جهة، وصلاتها بالحضارة الإنسانية المعاصرة من جهة أخرى.. وقد قامت الأمانة العامة بإعداد ورقة مفاهيمية تحمل مقترحاتٍ وأفكاراً حول أهداف القمة ومحاورها ومسار الإعداد لها.. وأتطلع إلى الحصول على مقترحاتِ وآراءِ كافة الدول العربية في شأن هذه الورقة المفاهيمية، وكذا إلى أفكارهم حول القمة وأهدافها... ذلك أننا نأمل جميعاً أن تُسهم هذه القمة في تعزيز الوعي لدى مجتمعاتنا بقضية الثقافة باعتبارها حجر الزاوية في أي مشروع نهضوي.

إنني أكرر الشكر والتقدير لجمهورية مصر العربية على استضافتها لهذه الدورة، وأخص بالشكر وزارة الثقافة، والوزيرة ايناس عبد الدايم، على الجهد المتميز والجاد لإنجاح فاعاليات المؤتمر.. والشكر موصول إلى المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة، الأخ الدكتور سعود هلال الحربي، على الجهد المُقدر في الاعداد والتنظيم.