عادل حمودة يكتب: ثلاثة مشاهد مؤذية فى سيناريو يتكرر كل يوم واحد
مصر للطيران تخسر 14 مليار جنيه وتذاكرها باهظة وخدمات "الجو" فيها ضعيفة
عمالة إفريقية متخلفة بلا خبرة تنهب الوظائف من عمالة مصرية كسولة بلا ضمير
"كروش" البيروقراطية فى مصر للطيران تبتلع ميزانية خدمات الجو.. والركاب يدفعون الثمن
فوضى مطار القاهرة من ولاعات السجائر الصغيرة إلى سيارات الليموزين الوهمية
1- منعت مصر الهجرة غير الشرعية من عبور البحر المتوسط.. وأنقذت أوروبا من متاعبها.. ولكن.. مصر أصبحت وطنا للاجئين من 56 دولة.. على رأسها سوريا وإثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان.. ويصل عدد المسجل منها إلى نحو المليون.. أما غير المسجلين رسميا فى الدفاتر فمن الصعب حصرهم.. فهم ينتشرون بيننا.. يأكلون ويشربون ويتزوجون ويعملون ويحولون ما يكسبون من أموال إلى بلادهم بالعملات الصعبة التى نشقى كثيرا فى الحصول عليها.
وباستثناء السوريين ليس بين اللاجئين خبرات نستفيد منها.. ويقتصر عملهم على المهن البسيطة.. الخدمة فى البيوت والشركات.. والملفت للنظر أن أجورهم ليست متواضعة.. أجر الخادمة الإثيوبية خمسة آلاف جنيه.. يتضاعف الرقم إذا ما أضيفت إليه تكاليف الطعام والثياب والعلاج ونسبة السمسار المتاجر فى البشر الذى يأتى بها.. لتحصل فى نهاية كل شهر على ما لا تحصل عليه خمس خريجات جامعيات درسن الهندسة والتجارة والصحافة والعلوم السياسية.
ويتضاعف الأجر ثلاث مرات للخادمة الفلبينية التى لن تتردد أحيانا فى زيادة دخلها من جيب رب المنزل شخصيا.
وكثيرا ما تلجأ الأسر الثرية إلى مربيات من إنجلترا أو سويسرا أو الدنمارك بعقود مغرية لا يحصل عليها مدير فى بنك أو أستاذ فى جامعة أو أخصائى فى معمل تحاليل.
ما سر هذه الظاهرة الملفتة والمثيرة والمتزايدة فى بلد يعانى من البطالة ويحصل بشق الأنفس على العملات الصعبة؟.
السر فى كلمة واحدة: العمل.
يعمل السباك أو الكهربائى أو الميكانيكى أو الجرسون السورى بكفاءة وخبرة وإتقان فى صمت.. لا يكذب ويخدع ولا يغش من يلجأ إليه.. ولا يغالى فى أجره.. ولا يبدأ فى إصلاح شيء إلا إذا كان قادرا على الانتهاء منه.. ولا يضيع الوقت فى شرب ما تيسر من أكواب الشاى.. ولا يتعاطى الترامادول.. ويترك المكان نظيفا قبل أن يغادره.. حسب الحالات الشائعة التى يعيشها غالبية الحرفيين فى مصر.
وتعمل الخادمة الإفريقية فى هدوء.. وتنفذ ما يطلب منها فى صمت.. ولا تسرق.. ولا تشكو الزوج الذى لا يعمل ويعيش على عرقها.. ويدفعها إلى السرقة كى يسد حاجاته من المخدرات.. وربما تزوج عليها.. حسب الحالات الشائعة التى تعانى منها نسبة هائلة من النساء العاملات فى مصر.
ولا شك أن الحياة فى مصر على صعوبتها أفضل من الحياة فى الدول الإفريقية التى تصدر الخادمات إلينا وهو ما يغريهن بالبقاء وربما لجأن إلى الزواج الوهمى للحصول على الجنسية مما يغير من الطبيعة السكانية ولكن ليس إلى الأفضل فلسن متعلمات ولا يجدن سوى لغات بلادهن ولهن عادات مختلفة ربما لا تناسبنا.
نحن أمام ملف حرج.. لا أتصور أن وزير القوى العاملة اهتم به.. أو اقترب منه.. أو فكر فيه.. وبالمناسبة.. هو وزير القوى العاملة اسمه إيه؟.
2- لو كانت المرأة الحامل تتوحم على تفاحة.. أو ليمونة.. أو بصلة.. أو عنقود عنب فإن شركة مصر للطيران تتوحم رضاء الركاب الذين يحجزون على رحلاتها.. ويركبون طائراتها.. ولكنها لا تخرج منهم ولو بكلمة طيبة.. لسبب بسيط أن حملها فى الحقيقة.. كاذب.
غالبا ما تنطلق معظم رحلاتها فى الصباح ما يسبب زحاما ضاغطا على بوابات دخول صالتها (صالة ثلاثة) التى تقلع منها طائراتها ويصعب على أمهر لاعبى السيرك مرونة أن ينزل حقائبه من السيارة قبل أن ينال مخالفة وقوف فى الممنوع ولا ينجو من هذه المخالفة عادة إلا أصحاب المقامات والهامات.
وغالبا ما تهبط طائراتها العائدة فى أوقات متقاربة مما يجبر العديد منها على استخدام السلالم المتحركة لينزل عليها الركاب وهم منهكون من حمل حقائبهم وأمتعتهم الثقيلة.
ولا يجد كثير من ركاب درجة البيزنس مكانا فى الاستراحات المخصصة لهم ولا يجدوا أمامهم سوى الجلوس فى الكافيتريات التجارية رغم أنهم دفعوا ثمن راحاتهم فى الاستراحات.
أما أصحاب الحظ الذين يفوزون بمقعد ضيق فى استراحة فلا يجدون ما يتناولونه سوى أطعمة ومشروبات متواضعة لا أتصور أن ثمنها يزيد عن ربع ما دفعوه فيها.
ولو طلبت فنجانا من القهوة فغالبا ما ستجد من يعتذر لك بحجة أن الماكينة عطلانة وليس من حقك بالقطع أن تسأل عن مهندسى الصيانة فهم مثل الأشباح لا يظهرون إلا للركاب المهمين ليقطروا لهم القهوة من حبات عيونهم.
ويصعب على رجال الصاعقة المدربين على تحمل الحياة الخشنة أن يتحملوا الحمامات المصابة بالرشح المزمن.. المخلوط برائحة لا تطاق بسبب نسيان النفتالين المشطوب من بنود ميزانية الخدمات.. باعتباره كماليات.. مثله مثل الصابون السائل.. والفوط الورقية.. وورق التواليت.
وباستثناء عدد محدود من الطائرات الحديثة لن تجد فى درجة البيزنس مقعدا مرنا يسهل تحريكه.. غالبية المقاعد متيبسة.. مصابة بشلل نصفى.. والمتحرك منها لا يستقر على حال.. ولا يستسلم لتعليمات الإقلاع والهبوط برفع ظهره فى الوضع العمودى.. وكثيرا ما أحرج بتمرده طاقم الضيافة.
ولا تفكر فى استخدام جهاز الفيديو المستقر كالموت فى ذراع المقعد فهو خجول لا ينكشف على الغرباء.. ولو عاندته.. وأجبرته على العمل فإنه يفسد الفيلم الذى تشاهده.. ويخلط مشاهد السيناريو بآيات من الذكر الحكيم.. لتنال الدنيا والآخرة فى نفس الوقت.
والنصيحة الغالية.. لا تأكل على الطائرات.. الطعام فقد لونه وطعمه ورائحته بانتقاله من التبريد إلى التسخين ربما أكثر من مرة.
والركاب الخبراء لا يأكلون إلا إذا تأكدوا أن الطعام جاء من محطة خارجية فى عاصمة أجنبية.
أما الركاب الذين يتمتعون بالحذر فإنهم يتناولون طعامهم قبل الصعود إلى الطائرة.. فى بيوتهم قبل أن يغادروا القاهرة.. وفى استراحات المطارات الأخرى قبل عودتهم إلى القاهرة.
وأحيانا تجد مضيفة عابسة نسيت الابتسامة بعد أن وصلت إلى سن أمنا الغولة أو الساحرة الشريرة.. لكن.. غالبا ما تجد أفراد طاقم الضيافة ودودين.. مرحبين.. مستجيبين.. إنهم أفضل ما فى هذه الشركة.. وهم يتحملون كل عيوبها ويسعون جاهدين لستر عوراتها رغم ساعات الطيران الزائدة المرهقة التى يقضونها فى الجو دون راحة كافية.. إنهم وحدهم فى وش المدفع.. لا يجد الركاب سواهم لينفجروا فيهم غضبا مما يعانون.. وهم يتلقون ذلك برحابة صدر نادرة.
وفى هوجة التضخم التى حرقت الجيوب لم تتردد مصر للطيران فى رفع أسعار تذاكرها حتى تجاوزت أسعار الشركات المنافسة.. الرحلة إلى شرم الشيخ على طائراتها الصغيرة أغلى من الرحلة إلى أثينا على شركة أوليمبك.. مثلا.
ورغم ضعف الخدمات وزيادة الأسعار تعلن الشركة أنها تخسر سنويا مبالغ كبيرة ولكنها تنكر أنها السبب وتلصق التهمة بثورة يناير.. وحسب ما ذكر صفوت مسلم رئيس الشركة القابضة فإن الخسائر وصلت من يومها إلى 14 مليار جنيه.. ولكنه يبشرنا بأرباح قادمة بعد التعاقد على 48 طائرة جديدة.. ليكشف دون أن يقصد عن أن الخسائر بسبب الطائرات القديمة التى نشكو منها.
والحقيقة أن الخسائر بدأت من يوم أن انقسمت مصر للطيران إلى عدة شركات صغيرة.. شركة للصيانة.. شركة للخدمات الأرضية.. شركة للوقود.. شركة للأطعمة.. وغيرها من الشركات التابعة للشركة القابضة.
كل شركة أصبح لها مدير وطاقم إدارى ومكاتب وسيارات وأجور ومكافآت وبدلات تحملها الراكب على سعر التذكرة وزادت التكلفة بسعى كل شركة لرفع أسعار خدماتها أو لتخفيض مستواها.. فوجبة الطعام لا تساوى نصف ما يدفعه الراكب فيها.. مثلا.. وما يجده الراكب من ضروريات فى حمامات الطائرة نصف ما يجب أن يوجد بها.. مثلا.. وصيانة الطائرة من الداخل لا تجد الاهتمام الكافى رغم ما يدفعه الراكب فيها.. مثلا.
تحمل الراكب نفقات الشركات التابعة والشركة القابضة بعد أن كان يتحمل تكاليف شركة واحدة وكانت النتيجة الطبيعية ضعف الخدمات وهروب الركاب ومزيد من الخسائر.
ولن تنقذ الطائرات الجديدة الشركة من الخسائر لو ظلت هذه السياسة البيروقراطية المتضخمة بوظائف عديدة لا لزوم لها وبتكاليف مفرطة يمكن توفيرها ويمناصب إدارية عليا يمكن الاستغناء عن أصحابها.
3
وما دمنا فى مطار القاهرة فلنرصد ما فيها من عجائب تنافس الأهرام وسور الصين العظيم وبرج بيزا المائل.
يأتى على ما يبدو مسئول أمن كبير يعشق التدخين فيسمح بحمل الولاعات الصغيرة جدا ويعطى تعليماته لرجاله فى صالة السفر ثلاثة بعبورها من أجهزة الأشعة فى جيوب الركاب ولو تغير صاحب السمو وجاء مكانه مدير يكره التدخين فتلك الولاعات لا تمر وفى الحالين يفاجأ الركاب بالتعليمات الجديدة دون إنذار ولا يملكون سوى تفويض أمرهم لله.
وفى أكثر مطارات العالم تساهلا وتسيبا لا يسمح لأحد بالتواجد على أبواب الطائرات إلا لشركات الخدمة المميزة التى توضع تحت رقابة صارمة ولكن فى مطار القاهرة تجد فى كثير من الأحيان سيارات خاصة أو سيارات تتبع الشركة الوطنية تنتظر شخصيات انتفخت فجأة بعد أن كانت مثلها مثلنا فى مطارات الإقلاع.
وما أن تدخل صالة الوصول حتى تجد الكثير من الرجال يحملون لافتات بأسماء ركاب ينتظرونهم ليسهلوا لهم إجراءات الدخول ويحدث ذلك قبل منطقة الجوازات دون أن تعرف مدى قانونية ما تراه ودون أن تملك سوى التعجب والدهشة.
وفى الصالة الثانية وضعت الاستراحات فى منطقة دخول الخدمة المميزة مما يعنى أن الراكب بعد تفتيشه مرتين يتعرض للتفتيش مرتين غيرهما ولو كان السفر على شركات أوروبية فإن هناك تفتيشا خامسا قبل الصعود إلى الطائرة فى حالة لا ينفرد بها سوى مطار القاهرة.
ولو كان التدخين ممنوعا إلا فى أماكن محددة فإن ذلك المنع لا يحترمه كثير من المسئولين فى المطار على اختلاف وظائفهم فهم يدخنون فى المكاتب ودورات المياه وأحيانا علنا فى الصالات.
ولا تصدق وكلاء تأجير السيارات.. تدفع ثمن مرسيدس وأمام الأمر الواقع لا تجد سوى هونداى.. وربما وضعوك فى تاكسى أبيض بتكلفة خمسة أضعاف ما تدفعه عادة.
إن المطار عنوان الدولة ولكن عنوانا فى مصر غلط!