محمود عرفات يكشف لـ"الفجر" أسرار حرب أكتوبر.. ويؤكد: العدو خسر حصونه في 10 دقائق (حوار)
ميعاد حرب أكتوبر كان سريًا.. ومواجهة الإرهاب أصعب بكثير
خسرنا 200 شهيد فقط خلال حرب أكتوبر
الحرب لم تكن ضربة جوية فقط.. والجيش هيأ جنوده بعد النكسة بيوم
يصف حرب أكتوبر بالمعجزة، نظرًا لسرعة إعادة تأهيل الجيش المصري، والعقيدة القتالية له، في 6 سنوات فقط، بعد نكسة 67، ساهم في إعداد الجنود والضباط نفسيًا استعدادًا للحرب، ووزع المنشورات الحماسية، والأحاديث الوطنية، لبث روح اليقظة في نفوس القوات، هذا هو السيد محمود عرفات، بطل حرب أكتوبر ومساعد قائد اللواء للشؤون المعنوية.
يكشف عرفات، في حواره لـ"الفجر"، مفاجآت وكواليس خاصة خلال إعداد الجنود والضباط لمواجهة العدو الإسرائيلي، موضحًا بأن الحرب لم تكن ضربة جوية فقط، وإنما مشاركة بين القوات المصرية، في تناغم جيد، حقق أهداف الحرب.
بدايةً.. حدثنا عن نفسك؟
أنا السيد محمود عرفات، مساعد قائد اللواء للشؤون المعنوية، ومسؤول عن إعداد الجنود والضباط وتأهيلهم نفسيًا للاستعداد للحرب، خريج كلية التجارة بجامعة القاهرة عام ١٩٦٩، وعقب تخرجي، تطوعت في معسكر فصائل خدمة الجبهة التابع للجامعة.
وفي سبتمبر ١٩٦٩ التحقت رسميًا في الجيش المصرى كجندى احتياطي والتحقت بسلاح المدفعية، وتم سحبى بعدها وإعدادي لأكون ضابط توجيه معنوى لتهيئة الجنود للحرب.
ماذا عن دورك في حرب أكتوبر.. وكيف شاركت فيها؟
دعيني أوضح بأن ميعاد حرب أكتوبر، كان سريًا، ولكن في 30 سبتمبر 1973م، وأثناء وجودي في قيادة اللواء 4 مدرع، في القصاصين، وجدت مجموعة من قيادات اللواء، خارجين مهمة معينة، طلبت أن اذهب مهم، وبالفعل لم يعارضني أحد، ونزلنا في قرية تقع على بعد 12 كيلو جنوب الإسماعيلية، لإجراء استطلاع عن المكان الذي سنعبر منه فيما بعد.
واتضح فيما بعد بأنه مشروع حرب لعبور ترعة الإسماعيلية في منطقة "أبوصوير"، وعبرنا عليها كما كانت قناة السويس.
الأحداث بدأت تتحرك سريعًا، حيث أنه في يوم 5 أكتوبر، أي يوم الجمعة، صدرت أوامر من قائد اللواء بإلغاء صلاة الجمعة وإفطار القوات، ومن المفارقات الغريبة جدًا أن الجنود لم تستجب للأمر وحاربوا وهم صائمين.
ماذا عن كواليس الخطة الخاصة بقواتكم؟
أما عن خطتنا التي اتفقنا عليها، حيث يتم تنفيذها، بمجرد اقتراب ميعاد الحرب، وهي عبارة عن برامج إذاعية ووطنية وأحاديث حماسية، طول فترة الاستعداد للحرب من بعد الهزيمة، مهمتنا كانت تتلخص في كيفية جعل الجنود والضباط في حالة نفسية أفضل ما يكون، لدرجة أننا نحل مشاكلهم الاجتماعية خارج عملهم.
كما كان دورنا، بث المنشورات والإذاعات التي تحث القوات على الاستشهاد والدفاع عن الوطن وأرضه وتحرير الأراضي المحتلة وبث روح الحماسة في نفوس الجنود والضباط.
كيف استقبلتم الأوامر بإعلان الحرب؟
صدرت لنا أوامر الحرب، التي استقبلناها بفرحة شديدة، بأنه في تمام الساعة 1: 55 دقيقة، 6 أكتوبر، وستبدأ بالضربة الجوية، وفي الوقت المحدد وجدنا الطائرات تحلق فوق رؤوسنا، وبدأت الحرب، وبدأ رؤساء الأفرع ينفذون خطتهم المنوطة بهم.
ماذا عن الكواليس الخاصة بحرب أكتوبر؟
بدأت حرب أكتوبر، في التوقيت المحدد لها، واستطاعت الضربة الجوية، تدمير تحصينات العدو وتجمعاته وأهدافه الاستراتيجية، ثم إطلاق ألفى مدفع نيرانها، ومن ثم عبور قوات المشاة، ومعاهم عناصر الاستطلاع، وبعدها كتائب المدفعية والمدرعات، وبعد بدء الحرب بـ١٠ دقائق خسرت إسرائيل أكبر حصن منيع لها في جنوب "القنطرة".
كيف تم إعداد الجنود نفسيًا بعد نكسة ١٩٦٧؟
المعجزة الحقيقية، إعادة بناء الجيش المصري والعقيدة القتالية للجندي المصري، في 6 سنوات فقط، بعد هزيمة 67م الساحقة، التي تم تدمير 80% من معدات الجيش المصري فيها.
ورغم تأكيد كل الخبراء بأن الجيش المصري لن ينهض قبل 20 سنة، إلا أن القيادة العسكرية قررت احترام العلم، وبدأت تنفيذ خطة علمية ممنهجة لإعادة بناء الجيش المصري، على سبيل المثال بدأت تجنيد المؤهلات والمؤهلات العليا، وكذلك التغيير في برامج التدريب وأساليبه، وبدأت في وضع معايير ومقاييس، وأهداف للتدريب، وتم تنفيذ برامج تدريبية مكثفة ومرهقة وشاقة جدًا، لتحقيق أفضل مستويات أداء في كل مجالات العمل العسكري.
ماذا كانت مهمتك الخاصة؟
أنا شاركت في مشروع تدريبي لعبور القناة على ترعة الإسماعيلية عبر طريق أبو سوير، قبل الحرب بشهر واحد في 6 سبتمبر 73م.
ومهمتي التحرك بين الجنود والضباط عن حجم انتصارتنا والتنبيه على اليقظة وخاصة بالليل، نعمل عملية تحضير باستمرار للجنود كي يكونوا في أعلى درجات اليقظة.
وصدر أمر إنذاري بالاستعداد للحرب، من قبل اللواء سعد مأمون قائد الجيش الثاني، مكتوب من عدة صفحات كلها نصائح للجنود والضباط، من ضمنها، جملة شهيرة أيها الجندي إذا وجدت نفسك في موقف سيء فتأكد أن العدو في موقف أسوأ!.
ماذا عن أصعب لحظات مرت عليك أثناء الحرب؟
من أصعب اللحظات التي مرت علينا، عقب الضربة الجوية، وتدمير تحصينات العدو الإسرائيلي، ظلينا في أماكنا على بعد كيلومترات من القناة، في ليلة لا تنسى حتى الصباح، فلم نرى سوا النيران وصوت المدرعات في كل مكان، ولم نعلم بما يحدث، ونسمع البيانات الإذاعية، وبعد قيام الطائرات الحربية بتدمير أهداف للعدو تحركت قوات المشاة للعبور من معبر "سرابيوم".
كيف أثرت فيك حرب أكتوبر؟
حرب أكتوبر، أهم تجربة في حياتي، وبخاصة يوم 7 أكتوبر، حينما بدأت قوات اللواء تواجه الضربات التى يطلقها العدو الإسرائيلي، وبدأنا نسمع انتصارات قواتنا يمين وشمال وحررنا القنطرة شرق، التي قادها اللواء الراحل فؤاد عزيز غالي، واستطاعت عبور معبر "سرابيوم" في طريق الإسماعيلية، بعربيتي الخاصة، هو ما تسبب في رفع روحنا المعنوية أكثر.
ماذا عن أدوار القوات المشاركة في الحرب؟
حرب أكتوبر، معجزة، وهي بمثابة نغمة جميلة، شاركت فيها جميع القوات على قدر المستوى، وأدت إلى نتيجة واحدة، وهي الانتصار، فالضربة الجوية استهدفت مراكز قيادة العدو والمطارات، فلها أهداف واتحققت، وإنما الحرب لم تكن ضربة جوية، فقط ولكن ضربة مدفعية، حيث تم توجيه 2000 مدفع، بدأوا يضربوا بعد الضربة الجوية مباشرة، ولا ننسى الدور الذي قام به المشير محمد أبو غزالة، قائد مدفعية الجيش الثاني، وعمله البطولي.
كما كان لرجال الصاعقة، دور هام، في حرب أكتوبر، فكل حصن إسرائيلي فيه خزان نازل منه ماسورة على القناة، بمجرد اشتعال عود كبريت، يولع القناة كلها، وهنا ظهر دور رجال الصاعقة البواسل، حيث قاموا بغلق تلك الفتحات بالأسمنت، وحموا الجيش المصري، وعدوا بالطائرات الهيلكوبتر وعبروا حدود خط بارليف.
أما عن دور المهندسين العسكرين، ورجال الإشارة الذين قاموا بمد خطوط الاتصالات، وأجهزة اللاسلكي، فضلًا عن توفير غراب مياة نازل من القناة لاحتياجات الجنود.
كم عدد شهداء حرب أكتوبر؟
خسرنا في عبور القناة نحو 200 شهيد فقط رغم أنَّها عبرنا في ثاني يوم بخمسة فرق و80 ألف مقاتل فقط.
أيهما أخطر.. حرب أكتوبر أم الحرب على الإرهاب التي نواجهه حاليًا؟
حرب أكتوبر، لها طبيعة، والحرب على الإرهاب الذي يواجهه جنودنا وضباطنا حاليًا ذو طبيعة خاصة، فالعدو في حرب أكتوبر، معروف ومقدرين قوته الحقيقة، وأماكن تمركزه.
أما الإرهاب حاليًا، فالخلايا الإرهابية منتشرة، وتستهدف الجنود، أي أنها حرب أقرب إلى حرب العصابات، فالعدو لا نعرفه، ولكن ندور عليه، ونعمل خطط لمحاصرته، وهي حرب صعبة.