حرب الآثار.. حقائق تنشر لأول مرة عن استعادة آثار سيناء من إسرائيل (صور)
هاجمنا العدو الصهيوني الغادر عام 1967م، في حرب شعواء، أخذونا فيها على حين غرة، وتعاملوا مع قواتنا بمنتهى الخسة، وكما فعلوا في الحرب فعلوا في التراث، فنهبوا ودمروا وأصابوا في مقتل، بعد أن انتهت الحرب العسكرية انطلقت الحرب الدبلوماسية، وتوازي معها حرب تراثية، رجال سابقوا الزمن؛ لإعادة تراثنا المنهوب في سيناء وكان أحد هؤلاء الجنود الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، والذي يبوح لبوابة الفجر في حوار خاص، عن حقائق تنشر لأول مرة عن استعادة آثارنا من إسرائيل.
بدأ حوارنا مع الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، بسؤال حول طبيعة العمل الأثري في سيناء، حيث قال إنها كانت فترة مهمة للغاية في عملي، فكنت أول أثري مصري يعمل بسيناء، سواء شمالها أو جنوبها، وكنت شاهدًا على كل المراحل الخاصة بتحريرها، واستلام مواقعها الأثرية، واسترداد آثارنا من إسرائيل، وأكمل رسالتي في الدكتوراه، عن آثار سيناء، فأنا من الإسماعيلية، وسيناء أمام عيني العمر كله، وكنت أتمنى دائمًا أن يكون لي عمل مرتبط بها.
واستطرد قائلا إن مكتب آثار سيناء لم يكن فيها، بل كان في الزقازيق، كما لم يكن لدينا أثريون مصريون يعملون في سيناء، وذلك؛ لظروفها العسكرية والسياسية، ومكتب الزقازيق كان موجود تحت اسم مكتب القنال وسيناء، أو آثار إقليم شرق الدلتا، ولما قامت الحرب عام 1967م، كان هناك بعثة مصرية تعمل في مهمة أثرية في العريش، واندلعت الحرب وكان هؤلاء الأثريون في الطريق لأدائها، وبسبب الأحداث ومجرياتها لم نعرف شيئًا عن نتيجة المهمة.
وبعد انتهاء حرب عام 1973، وتحقق النصر واستعدنا سيناء، تم عمل مكتب آثار في منطقة القنطرة شرق، وكان هذا المكتب مكان مقر مشرحة الجيش الإسرائيلي، والذي اغتنمه الجيش المصري، وصار مقرًا للآثار.
وكنت سعيد الحظ أن تم اختياري من مفتشين الآثار الجدد الذين سيعملون في سيناء، وكانت القوات الإسرائيلية في هذه الآونة على بعد 30 أو 40 كيلو متر من القنطرة شرق، وبدأنا في ممارسة مهامنا الأثرية تزامنًا مع الانسحابات المتتالية للقوات الإسرائيلية، طبقًا لاتفاقية كامب ديفيد.
لم يكن لنا مهمة سوى أن نفتح مكتب لآثار سيناء، ونحدد أين تقع المواقع الأثرية، وتكوين أرشيف أثري لسيناء، ولم نكن أول من يعمل في سيناء بل سبقتنا البعثة الفرنسية المرافقة لحفر قناة السويس، وهذه البعثة حددت بعض المواقع الأثرية، وكان يرأسها فرنسي أثري يدعى جان كليدر، وسجلوا عدد من المناطق مثل البلوزيوم، والشيخ زويد، والحير، حيث كان يجب على الشركة التي تتولى حفر قناة السويس أن تفحص المنطقة أثريًا في البداية.
الأثريون هم من حددوا مجرى قناة السويس:
والأثريون هم من خططوا المجرى الحالي للقناة، حيث أن التخطيط القديم لقناة السويس كان من المقرر أن ينحرف إلى الشرق ناحية بالوظة والبردويل، فتقل مسافة المجرى الملاحي، وتزداد مساحة بورسعيد فمنطقة سهل الطينة ستكون ضمنها، ولكن الأثريين قالوا إن هذه المنطقة "سهل الطينة" هي التي بها المواقع الأثرية كلها، بعد أن أجروا بها مسح أثري شامل، فتم تعديل المجرى إلى الحالي، وكانت هذه هي المحاولة الأولي للعمل الأثري في سيناء وهي فرنسية أيام حفر قناة السويس.
إسرائيل بدأت في العمل الأثري بسيناء بعد احتلالها بشهرين:
وأكمل عبد المقصود: توقفت الأعمال الأثرية جراء النشاط العسكري في المنطقة سواء حرب 48 أو 56، ثم جاءت حرب 67 واستولت إسرائيل على سيناء وبدأت أول بعثة أثرية إسرائيلية بالعمل بها في 5 أغسطس 1967 أي بعد احتلالهم لسيناء بشهرين، وعملوا في منطقة "قلعة الطينة" على بعد 20 كيلو من بورسعيد، وجمع الإسرائيليون من على السطح كل القطع الأثرية التي وجدوها، وكل موقع وجدوا على سطحه قطع أثريه حددوه، فهم حددوا المواقع ولم يكتشفوها ونقبوا فقط في المواقع المهمة حوالي 20 أو 30 موقع، فهم صنعوا أكبر علمية مسح أثري لسطح الأرض في سيناء شمالًا وجنوبًا، ومن الشقف المعثور عليه حددوا نوع الموقع هل هو مصري قديم أو إسلامي أو روماني، وقد حصلنا على كل هذه الوثائق.
إسرائيل دمرت الكثير من المواقع الأثرية المصرية في سيناء:
وأجاب عبد المقصود عن سؤال الفجر، حول هل دمرت إسرائيل مواقع أثرية في سيناء ؟ قائلًا: إن المواقع الأثرية شمال سيناء والتي يقع معظمها على الساحل، كانت مواقع عسكرية تتبع وزارة الدفاع الإسرائيلي، والمواقع الأثرية في جنوب سيناء كانت تتبع هيئة الآثار الإسرائيلية المدنية، وذلك لطبيعة الشمال العسكري، وكان هناك نشاط للأثريين الإسرائيليين في شمال سيناء؛ للكشف عن الآثار، وكذلك في الجنوب، ولكن التبعية تختلف، حيث أن الشمال كان تحت إشراف العسكريين، وهو ما تسبب في دمار العديد من المواقع في شمال سيناء جراء استخدامها كقواعد عسكرية، مثل منطقة البلوزيوم تل الفرما، والقنطرة شرق ومنطقة أبو سيف، ويومًا ما سنلزم إسرائيل دفع ثمن التخريب الذي تسببت فيه في سيناء.
اتفاقية السلام لم تشمل بنودها المواقع الأثرية شمال سيناء ولم تنص على استرداد آثارنا:
وعن اتفاقية كامب ديفيد قال عبد المقصود، لم تشتمل بنود الاتفاقية، على أي بند يخص استرداد الآثار من إسرائيل، ولم تنص الاتفاقية على أي بند يخص المواقع الأثرية في شمال سيناء، وفقط بنودها شملت المواقع الأثرية في الجنوب.
لذا ماطلت إسرائيل مصر في إعادة الآثار التي استولت عليها 10 سنوات بسبب أن الاتفاقية لم تذكر هذه الآثار أو تذكر استعادتها، فقط هي اشتملت على ذكر مواقع الجنوب مثل منطقة وادي مغارة ووادي سرابيط الخادم ووادي فيران وسانت كاترين، وبالفعل هناك لجان مصرية تسلمت هذه المواقع من إسرائيل إلا أن مصر لم تتسلم المواقع الأثرية في الشمال.
بدو سيناء هم من كشفوا سرقة الإسرائيليين لآثار سيناء:
وعن كيفية كشف سرقاتهم قال، إن العالم كله كان يتحدث عن البعثات الإسرائيلية التي عملت في سيناء، وأن هذا تنقيب غير شرعي، ولكن كنا نفتقد المعلومات، ومن خلال عملي كمفتش لآثار سيناء، علمت من البدو أن هناك بعثات إسرائيلية نقبت عن الآثار، وكانت هذه هي المعلومة الأولى، وعرضت الموضوع على رئيس هيئة الآثار الدكتور أحمد قدري، والذي تعامل بكل اهتمام مع المسألة، وتطور الأمر، وتم تشكيل لجنة لبحث الموضوع بدقة، وكان ذلك في عام 1981، وبدأت في جمع المادة العلمية.
الفرنسية التي كشف سرقة الإسرائيليين لآثارنا:
كانت المرحلة الأولى، واستقاء المعلومات من البدو غير كافية، حتى أسعدني الحظ والتقيت بباحثة وعالمة فرنسية وهي مديرة "اللوفر"، وشرحت لها ما حدث في سيناء، وهذه السيدة والتي تدعى كرستيان ديروش نبلكور، كانت مشرفة على حملة إنقاذ آثار النوبة، وهي من المحبات لمصر، ولما عرضت الأمر عليها، اقترحت أن أتوجه لفرنسا لجمع المعلومات التي نشرت عن آثار سيناء، وتم إيفادي بالفعل لجمع المادة العلمية التي ساعدتني فيها كرستيان، وبالفعل جمعت كل ما كتب وما نشر عن الآثار المصرية في سيناء وقت احتلالها من إسرائيل، وأصبح لدينا ملف كامل عن كل ما عرفه الإسرائيليون عن آثار سيناء.
حصلت على الدكتوراه من فرنسا في آثار سيناء:
وعن السبب الذي دفعه للتخصص في آثار سيناء قال، إن فكرة الدكتور أحمد قدري كانت أنه لابد من وجود متخصص في آثار سيناء، حيث أن هذا المتخصص سيكون مسؤولًا عن هذا القطاع، وهو الذي سيفاوض للاسترداد، فلابد أن يفهم عما سيفاوض عليه، والذي استكمل المشوار كان الوزير فاروق حسني، فلما أحبوا اختيار وفد للتفاوض مع إسرائيل، واستلام آثارنا المنهوبة، وقع عليَّ الاختيار بصفة أساسية، حيث كان التخصص الأساسي لي هو آثار سيناء، وأنا كذلك جامع المعلومات وصاحب الملف، فأصبحت المسؤول عن الاستلام في اللجنة.
عشر سنوات كاملة في مماطلة مع إسرائيل والانفراجة جاءت بعد حرب الكويت:
ظلت المحاولات الدبلوماسية مستمرة، إلا أن الانفراجة الحقيقية في المفاوضات جاءت بعد حرب الكويت، وأقول إن الحرب ومشاركتنا فيها، صاحبه ضغط مصري لاسترداد آثارنا، كما كان يوجد ضغط إعلامي وشعبي لاسترداد آثارنا، وتم تدويل القضية، حيث صارت إسرائيل في نظر المجتمع الدولي ناهبة وسارقة للآثار، ولم تكن موقعة على اتفاقية اليونسكو، ولم تكن عضو فيها، وكان يجب حل الموضوع بتفاهم، وبعد حرب الكويت يبدو أنه صار هناك ضغط مصري أمريكي؛ لاستعادة آثارنا.
اللجنة التي سافرت إسرائيل كانت لوضع جدول لرجوع الآثار فالقرار كان قد صدر بالفعل:
وفوجئنا بطلب من وزارة الخارجية بإيفاد وفد مصري لاستعادة آثارنا من إسرائيل، لأنه صدر قرار من الحكومة الإسرائيلية، بالموافقة على إرجاع آثارنا، أي أن قرار إرجاع الآثار صدر بالفعل من إسرائيل، ووفد علماء الآثار المصريين سافر إلى إسرائيل كي يضع جدول لاستعادة هذه الآثار، وليس للتفاوض على استعادة الآثار، وصدر هذا القرار أيام وزير الخارجية عمرو موسى.
كان لابد من سفر وفد مصري إلى إسرائيل لاسترجاع آثارنا واللقاء كان في الكنيست:
سافر الوفد المصري من علماء الآثار، وتقابلوا مع نظرائهم الإسرائيليين، في مبنى الكنيست، وكانت وزيرة الثقافة الإسرائيلية حاضرة وقالت أنها ممثلة للحكومة الإسرائيلية، ولكن التفاوض يتم بين الأثريين من الطرفين، وكان وفد التفاوض المصري ممثل من عدة جهات من الدولة بالإضافة للصحفيين.
أول شروطنا فتح المخازن للفحص:
وهنا يأتي السؤال أليس من الممكن أن يكذب الإسرائيليون في العدد؟ أجاب الدكتور عبد المقصود قائلًا إن القرار نص على أن إسرائيل ملزمة برد كل الآثار التي تمت لسيناء بصلة إلى مصر والتي تم كشفها وقت الاحتلال الإسرائيلي عام 67 وحتى وقت ذهاب الوفد عام 1982م، والسؤال هل هناك آخرين نقبوا عن آثار سيناء؟ نعم، كان هناك آخرين مثل موشي دايان الذي نقب بشكل شخصي، وعثر على الكثير من القطع، وكذلك بعض الجنود الذين عثروا على العديد من القطع.
بنت موشي دايان أبلغت عنه أنه سارق آثار:
القطع التي وجدها موشي دايان أبلغت عنه ابنته بأنه كان يسرق الآثار، وكان أغلب ما استولى عليه موشي دايان من آثار غزة، وعرضت السلطات الإسرائيلية تسليمها ولكن اللجنة رفضت ذلك، إضافة إلى ذلك كان هناك احتلال عام 56 إلا أنه لم يستغرق أكثر من ستة أشهر حيث لم ينقبوا فلم تدخل فترة 56 في التفاوض.
يوجد نصب تذكاري إسرائيلي فوق موقع أثري في الشيخ زويد:
هل هناك مخالفات أخرى تسببت فيها إسرائيل؟ أجاب الدكتور عبد المقصود قائلًا إن عدم شمول اتفاقية السلام بند خاص باسترداد الآثار وحماية المواقع الأثرية في شمال سيناء، أدى إلى بعض التجاوزات كان منها بناء نصب تذكاري طبقًا للاتفاقية فوق موقع أثري في منطقة الشيخ زويد، حيث نصت اتفاقية كامب ديفيد على إقامة نصب تذكاري لطيارين إسرائيليين سقطت في هذه المنطقة، كما سيقام لمصر نصب تذكاري مماثل في إسرائيل، ولكن النصب التذكاري في مصر تم بناؤه فوق الموقع الأثري في الشيخ زويد، حيث أن نفس الاتفاقية لم تنص على حماية هذه المواقع.
والذي أعطى الموافقة على النصب التذكاري لم يكن يعلم بوجود موقع أثري، حيث أن مكتب آثار سيناء كان لا يزال في الشرقية، وأصبحت هذه من ضمن المشكلات التي يجب أن تحل مستقبلًا وتؤخذ بعين الاعتبار.
إسرائيل أرادت أن تسلم الآثار بعد 15 عاما:
كيف كان الاستلام؟ قال الدكتور عبد المقصود إن الوفد المصري انتهى من جدولة استلام الآثار المنهوبة من سيناء على يد الإسرائيليين على أربع دفعات، وكان أول طلب لإسرائيل أن تكون الأربع دفعات خلال 15 عاما، أي أن الآثار ظلت في إسرائيل 15 عاما وهي تريد أن تستبقيها 15 عاما أخرى، فهنا تدخلت ووجهت الكلام للوزيرة الإسرائيلية قائلًا: "لم أكن أعلم أن علماء إسرائيل يدرسوها في 30 عاما، ومعلوم أن أقصى فترة لدراسة الأثر 5 سنوات، ومن الواضح أن العلم لديكم متخلف للغاية"، وهنا قالت الوزيرة الإسرائيلية أن هذه المدة غير منطقية وتسئ لإسرائيل وهذه الآثار من حق مصر.
"شالوميت ألوني": الآثار من حق مصر:
وأكملت الوزيرة شالوميت ألوني كلامها وكانت من حزب ميريت والذي يؤمن بحل الدولتين، وهاجمها الوفد الإسرائيلي بحجة أنهم كانوا يأخذون أموال التنقيب من زوجها، فقالت سوف أدفع لكم من النقود التي تجعلكم تردون الآثار لمصر.
آثارنا في سيناء دافعت عن مصريتها:
لم يستطع عالم واحد من علماء إسرائيل أن يثبت على قطعة أثرية واحدة أنها غير مصرية، بل كل كتاباتهم تثبت أن هذه آثار مصرية خالصة، عدا موقع واحد، فيه آثار عليها كتابات عبرية، وهذا الموقع على حدود طابا، وقال أحد مفاوضيهم أن هذا الموقع من المفترض أن يكون ناحية إسرائيل حدوديًا، والموقع اسمه "قادش برنيا"، فكان الرد أن القلم الرصاص لا يعطي للدول آثار، وطبقًا للحدود الدولية هو تابع لمصر والآثار فيه مصرية وعليه فكل الآثار ستعود لنا.
إسرائيل أرادت القدوم لمصر وتسليم الآثار في المتحف المصري ورفضنا:
وفد التفاوض كان رائع للغاية واستطاع تقليص الفترة إلى عامين فقط، ولحسن النوايا تسلم إسرائيل أثر مهم مع اللجنة العائدة لمصر، حيث تسلمنا مخطوطات قلعة صلاح الدين في جزيرة فرعون، وبدأت الآثار ترد على دفعات إلى سيناء ونحن نستلمها، وطلبت إسرائيل تسليمها في المتحف المصري، ولكننا رفضنا ذلك حتى لا تستغلها إسرائيل إعلاميًا، واخترنا أن نذهب نحن لاستلامها.
إسرائيل: "كما حاربتم في رمضان فاستردوا آثاركم فيه"
وهنا أذكر أن إسرائيل بعثت لنا كي نتسلم أول دفعة في رمضان، وطلب الوفد تقديم الموعد لما قبل رمضان، وقال الوفد الإسرائيلي كما حاربتم في رمضان فلتأتوا أيضًا لتستردوا آثاركم فيه، وبالفعل سافر الوفد في رمضان، وكانت هذه ملحمة ثانية، وكما حارب الأبطال في أكتوبر 73 العاشر من رمضان، استرددنا أيضًا آثارنا في شهر رمضان الكريم وهو نصر جديد لمصر.
وتسلمنا الآثار على أربع دفعات وكان رئيس الوفد الذي سافر إلى إسرائيل، في الدفعة الرابعة الدكتور عبد الحليم نور الدين رحمه الله رئيس هيئة الآثار، وكنت أنا رئيس الدفعات الثلاث الأولى، وتسلمنا في الدفعة الرابعة أكثر من 800 صندوق حيث كانت أكبر الدفعات، وصاحب الوفد 12 صحفيا لازالوا موجودين حتى الآن، منهم الأستاذ عصام عمران، والأستاذ محمد عبد الواحد، والأستاذة آمال عثمان، والأستاذ أشرف عبد المنعم، والأستاذ أحمد أبو كف رحمه الله، وغيرهم، حيث رافقوا الوفد ووثقوا وسجلوا هذه اللحظات التاريخية.
استعدنا من إسرائيل 1800 صندوق بهم قطع آثار استولوا عليها من سيناء:
وبالفعل جاءت الآثار إلى سيناء ثم المتحف المصري ثم رجعت بعد ذلك إلى مخازن منطقة القنطرة شرق، وتم جرد هذه الآثار، وكان عدد الآثار يقدر بـ 1800 صندوق، من كل العصور، حيث أن عدد البعثات الإسرائيلية العاملة في سيناء بهذه الفترة بلغ 30 بعثة أثرية، والتي قامت بعملية مسح أثري كامل للمنطقة، وجمعوا من على سطح سيناء كل القطع الأثرية التي وجدوها.
وقد تسلمنا مع الآثار خرائط المواقع الأثرية، والوثائق، التي وضعوها، وصار لدينا ملف كامل، وصار لزامًا على مصر بعد أن استعادت آثارها أن تعمل في المواقع الأثرية بسيناء، حيث إننا يجب علينا أن نتحرى المكتوب في هذه الوثائق والخرائط، وتم تكثيف العمل الأثري في سيناء والذي صاحب المشروع المصري الكبير ترعة السلام.
التنقيب الأثري بعد استلام آثارنا أحرج إسرائيل:
وقد عمل المنقبين في كل المواقع الأثرية بما في ذلك المواقع التي نقبت فيها إسرائيل، وقد أحرجها هذا النشاط الأثري المحموم، وأجبرها على نشر ما توصلت إليه من نتائج، وهو ما مثل نصر ثان، حيث أن هذه الأبحاث أفادت للغاية في استكمال التنقيب والاكتشاف في سيناء.
التنقيب الأثري من الأثرين المصريين، والذي تم بمشاركة بعثات دولية أحرج إسرائيل، وأصبح من المحال أن تكذب في نتائج بحثها، أو تدلس أو تدس أي معلومة، فهناك إعادة دراسة تتم في نفس المواقع ومن جهات محايدة حيث عملت في نفس المواقع بعثات فرنسية وألمانية وأمريكية وإيطالية، فأصبحت إسرائيل مجبرة على نشر الحقائق التي وصلت إليها، فلم تستطع أبدًا أن تزيف تاريخ سيناء، بسبب النشاط الأثري والمتابعات المستمرة من الأثريين.
استرداد الآثار كان حربًا خاصة:
موقعة الآثار ظلت مستمرة، والدكتورة "ألوني" قالت هذا العضو –وهي تقصدني- في الوفد أصغرهم سنًا، لازال يحارب كي يسترد آثاره، وأحد أعضاء الوفد الإسرائيلي أثناء المفاوضات احتج وقال يجب أن تظل هذه الآثار في إسرائيل فقد أصبت وأنا أستخرجها، فقلت له منزلي في الإسماعيلية تم ضربه مرتين.
طالبنا إسرائيل بنخلة أخذوها من سيناء:
ذهبنا إلى إسرائيل ونحن عالمين بكل أمر بل وبدقائق ما فعله اليهود في سيناء، حيث كان لدينا شهود عيان على ما فعلوه، فقد حدث وأن أخبرني أحد بدو سيناء أن عالم آثار إسرائيلي أخذ نخلة من موقع قاطيا في سيناء، وأخذها لمنزله في بئر سبع، وكنت أعلم اسمه، فقلت له أنت أخذت نخلة من سيناء، فبهت عضو الوفد الإسرائيلي، وبدأ يفهم أننا نعلم عنهم كل شئ فهذه بلادنا، ومن في سيناء هم أهلنا نحن، حكوا لنا كل التفاصيل في حين هم لا يعمون عنا شيئًا.
وقد أعطاني هذا ثقة شديدة للغاية، حتى أن بعضهم تساءل أن هذا ليس مجرد عالم آثار بل هو رجل مخابرات، أو رجل مباحث من الطراز الأول.
أزلنا العبارات العبرية من على لافتات الآثار:
مشهد وجود العبارات العبرية على لافتات المناطق الأثرية، كان مثيرًا للغاية، ومستفز، فقد كان مكتبي في شمال سيناء في القنطرة شرق، وبعد الانسحاب، وعند استلامنا للمواقع الأثرية، وجدنا كتابات بالعبرية، وأصررت على حذفها، حتى لا يتبقى أثر لهذه العبارات على لافتات المواقع الأثرية، وكان بصحبتي في ذلك الشيخ بركات شيخ خفراء من سيناء من منطقة سرابيط الخادم، وشيخ خفراء من الشرقية، وكذلك زميلي الأستاذ غريب علي إبراهيم، وكنا في منتهى السعادة ونحن نزيل هذا الخط العبري الذي يذكر الجميع بالتاريخ الأسود لهذه الفترة، ثم وضعنا مكانها لوحات باللغة العربية والإنجليزية.
إسرائيل أقامت معرض وداع للآثار المصرية:
مشهد مهم للغاية، وهو أن إسرائيل أقامت معرضا في القدس، واختارت نماذج من آثار سيناء، وأطلقوا عليه وداع وسلام، لوداع الآثار المصرية، واستهدفوا به الطلبة بالخصوص، وفتحوا هذا المعرض أثناء وجود لجنة الاستلام.
وختم الدكتور محمد عبد المقصود الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، قائلًا إن هذه الآثار ظلت في إسرائيل من 67 حتى 94، ولما عادت هذه الآثار عرض منها جزء في متحف العريش، وجزء كان معروض بمتحف طابا قبل غلقه، وجزء في متحف السويس، والباقي في مخازن القنطرة شرق.
هذه القطع هي تاريخ سيناء، فكل صندوق به تاريخ مساحة من سيناء، ولم نتخل عن أي قطعة منها، ولن نتخلى عن المطالبة بتعويضات جراء الدمار الذي ألحقته إسرائيل بالمواقع الأثرية في سيناء.