رامي المتولي يكتب: 4 أفلام عربية فى الجونة.. شعارات سياسية رنانة.. وعناصر فنية ضعيفة
5 أفلام عربية تنافست ضمن 15 فيلماً على 6 جوائز تحت مظلة مسابقة الأفلام الروائية الطويلة فى الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائى فاز من ضمنها الفيلم المصرى «يوم الدين» بجائزة أفضل فيلم عربى فى حين خرجت الأفلام العربية الأربعة الأخرى بلا أى جوائز وهم السورى «يوم أضعت ظلى» لسؤدد كعدان، الجزائرى «ريح ربانى» لمرزاق علواش، الفلسطينى «مفك لبسام جرباوى، التونسى «ولدى» لمحمد بن عطية.
الأفلام الأربعة تناقش قضايا عربية ساخنة تسيطر على الساحة فى الوقت الحالى، الإرهاب والوضع السورى والمعتقلين الفلسطينيين ومشاكلهم، تجتمع الأفلام الأربعة على الاهتمام بالقضية التى يناقشها الفيلم على حساب العناصر الفنية وبالتالى الصورة النهائية لهذه الأفلام تتسم بالمباشرة والسطحية واللغة الخطابية فى التعامل مع القضايا التى تتعرض لها.
فى «مفك» زياد (زياد بكري) لاعب كرة سلة موهوب تقوده الظروف أن يعتقل فى السجون الاسرائيلية يخرج بعد ١٥ عاماً شخصاً آخر محطماً مريضاً يعانى من الحياة، يركز بسام على الصعوبات التى تواجه الأسير المفرج عنه واضطراب ما بعد الصدمة التى تصيبه ويستحوذ الاهتمام بالقضية ومحاولة لفت انتباه المشاهد لها وكسب تعاطفه معها على جودة الفيلم وأهم مظاهر هذا الاستحواذ هو الحوار الذى يحمل جملاً رنانة وخطباً مطولة يلقيها زياد على مسامع الجميع بأداء تمثيلى نمطى جدا إلى جانب مشكلة الصدف التى تقود الأحداث أبرزها فى مشاهد النهاية بعد أن يجد البطل سلامه النفسى يذهب فى مطاردة متخيلة خلف صديقه الراحل الذى يقوده لسيارة مستوطن إسرائيلى يحادثه بالعبرية وبعد مشادة يدعوه لركوب السيارة وبعد أن يكتشف السائق أن الراكب بجواره فلسطينى يتحسس مسدسه ويجد زياد بجواره فى نافذة السيارة سلاحه القديم وهو المفك، الصدف لم تحكم على مشاهد النهاية فقط بل على سير الأحداث ككل وبشكل نمطى.
المشاكل الفنية الظاهرة بشدة فى «مفك» وهو الأفضل فنيا بين الأربعة أفلام الأخرى تكشف لحد كبير حجم المشاكل فى هذه الأفلام، بالشكل الذى يؤكد أن صناع السينما العرب أصبحوا لا يهتمون بالفنيات قدر الاهتمام بالقضية وهم على أى جانب منها ظنا أنهم بهذه الطريقة يدعمون مبادئهم وأفكارهم وهم فى الحقيقة يصنعون أفلاما ضعيفة تضر بالقضايا المطروحة تعتمد على الدعاية المستمدة من أسماء صانعيها ومواقفهم السياسية أكثر من القيمة، فى هذا السياق تحديدا يأتى فيلما «يوم أن فقدت ظلى» و«ريح ربانى» فعلى الرغم من جودة فكرة الأول وأهمية الزاوية التى يتناول بها الثانى قضية الإرهاب إلا أن الفيلمين يخرجان بصفر فى الاهتمام بجودة العناصر الفنية، الصورة فى الفيلمين جيدة إلا أن التعامل مع التصوير كعنصر مهم فى اللغة السينمائية يتسم بنمطية تقلل من الفيلمين فمرزاق اختار الأبيض والأسود ليعبر عن الحدة والموقف المتشدد لشخصيات فيلمه وهو اختيار فنى شديد المباشرة، فى حين اختارت سؤدد أن تمسح ظلال شخصيات فيلمها من على الأرض دون أن تحدد المرجعية والسبب لاختفاء هذا الظل.
كلا الفيلمين مصابين بآفة المبالغة فى الأداء التمثيلى، الإرهابية المتشددة فى فيلم مرزاق تعبر بصوت عالٍ حاد وعيون تتسع وأداء جسدى مفرط فى الحركة بشكل هزلى يدعو للضحك وكذلك الحال مع شخصية الثائرة السورية فى فيلم سؤدد التى تعتمد نفس المنهج فى الأداء ولكن بدرجة أقل ولكن دون أن يقلل من هزلية أدائها وكلا المخرجين استسلما للصورة النمطية التى تعبر عنها الشخصيات دون توجيه للممثلين بل حملوا هذه الشخصيات مسئولية الخطابة والتعبير عن أفكار واتجاهات عامة، وهو ما أدى فى النهاية لأن تنفصل هذه الشخصيات عن الجمهور وتفقد التعاطف والتوحد المطلوب الذى يدفع المشاهد عامة للمتابعة.
عنصر التمثيل فى «ولدى» على العكس جاء جيد جدا من قبل محمد ظريف الحائز على جائزة أفضل ممثل فى دور الأب المصدوم الذى يبحث عن الابن الذى ابتلعه طوفان تجنيد الشباب فى صفوف الإرهابيين، لكن عنصر التمثيل هو العنصر الوحيد الجيد فى الفيلم وللدقة أكثر ظريف فقط كممثل هو الأفضل فشخصية الأم نازلى تبالغ فى أدائها التمثيلى وتعتمد على الصوت الحاد والحركات الجسدية المفرطة فى التعبير عن الغضب فيما يأتى أداء الابن سامى باهتاً يكاد يكون غير مرئى من فرط ضعف أداء زكريا بن عياد، سيناريو الفيلم مليء بالثغرات، فالتأسيس فى الفيلم يصور أباً يحال على المعاش يعانى من مرض الابن غير المعروف سببه، وبعد مرور النصف الأول من الفيلم فى هذا الاتجاه يتحول الابن لإرهابى من العدم ترك أهله وذهب للانخراط فى صفوف الإرهابيين الأمر الذى يدفع الأب فى الذهاب خلفه للبحث عنه بشكل غير منطقى وغير مبرر! كما يعانى السيناريو من لى عنق الدراما للوصول إلى النتائج التى يعتنقها الصانع والحشو المبالغ فيه باستخدام الحوار والشخصيات لدرجة وجود شخصية بالكامل بلا أى أهمية وحذفها لن يؤثر من قريب أو من بعيد على سير الأحداث وهى شخصية زميلة عمل الأب التى قدمتها إيمان شريف، أو شخصية شديدة الثانوية تحول اتجاه الأب وهى شخصية مسئول الفندق العجوز.
الملفت هو حدوث ضجة إعلامية كبيرة حول عرض هذه الأفلام فى المهرجانات الدولية خاصة مع مشاركتها فى برامج مهمة فى فعاليتها، ولكن مع حالة الترقب والتفاؤل بمستوى هذه الأفلام الفنى الذى أهلها للعرض ضمن هذه البرامج نكتشف أن هذه الأفلام ليست إلا بروباجندا سياسية اختيارها والاحتفاء بها لما تطرحه من أفكار وزوايا وليس لتفوق سينمائى.