"حسام مات قبل الفرح" ومفاجآت يرويها جده المصاب.. "الفجر" في محيط عقار شبرا المنهار
بقايا شرفات وأدوات منزلية تغطى المدخل، فلا يحرك ساكنًا بعدما ارتطم سقفه وتساوى بالأرض، وفي هدوء شديد يعم أرجاء المنطقة، تجول الأعين حائرة بين تلك التفاصيل لتسترجع الليلة السوداء في هدوء، ليقطع صمت المكان؛ أحاديث المارة عما ألم بالعقار "3" بحارة أحمد مصطفى، المتفرع من شارع علاء الدين بأحد أحياء شبرا مصر.
"عزاء حسام فين؟".. كلمات جلجلت قلوب المُحيطين بالعقار، تفوه بها أصدقاء الشاب العشريني الذي راح ضحية سقوط العقار، فيحاول "محمود رجب"- صديق حسام- التماسك وكتم دموعه، فلا يصدق منذ وقوع الخبر كالصاعقة عليه بأنه لن يرى صديق عمره مرة أخرى.
يصمت الشاب للحظات ويتذكر أن "حسام"، الذي لم يتجاوز 27 عامًا، كان على موعد معه وأصدقائهم لحضور حفل زفاف صديقهم، الذى أنهلع لموته وقرر الانتقال دون وعي إلى مقر العقار المنهار.
وأمام ما بقي من حطام؛ وقف الجيران متماسكين، تحتبس الدموع في أعينهم، ليؤكدوا بأن حسام ووالده "عم فتحي" ووالدته، كانوا ثلاث ضحايا لسقوط العقار، ليتركوا لشقيقي حسام وهما "أسامة وعمرو" جرح كبير لا يندمل، فالأول بمحافظة المنوفية والآخر متزوج بمنطقة الهرم، يزورهم بين الحين والآخر.
على بعد خطوات من مقر الواقعة المُفجعة؛ جلس صديق "هاني عبد الرحمن"، شقيق زوجة عم فتحي، ضحية العقار، ينتظر تقديم واجب العزاء بإحدى دور المناسبات المجاورة للعقار"عرفت إن أخت صديقى اتوفت.. جيت على هنا على طول.. ربنا يرحمها هى وابنها وجوزها".
يلتقط "محمد" أطراف الحديث منه، ليكشف أن جد "حسام" ووالد "فتحي"، يرقد بمستشفى شبرا العام، بعدما أصيب بكسر في الحوض نتيجة لسقوط العقار، فانتشل من تحت ركامه صباح أمس السبت، لتكون المستشفى مأواه.
بضعة دقائق تستغرق المسافة بين صوان العزاء، ومحل علاج الجد، فخلف باب خشبي داخل قسم العظام بمستشفى شبرا العام، تتطلع الأعين للحاج عبد العزيز، الرجل التسعيني، الذي شاء القدر أن يكون شاهدًا على الحادث الأليم أثناء زيارته الأسبوعية لنجله، فهو اعتاد أن يقطع المسافة من المنوفية إلى شبرا لرؤيته بين الحين والآخر.
تنظر حفيدة الحاج "عبد العزيز" إليه والحزن يكسو ملامحها، فلا يصدق عقلها موت خالها "فتحي" وزوجته ونجل خالها "حسام" في لحظة واحدة، وما يؤرقها تفكيرها في حال جدها الذي لا يعلم شيئًا عن كل تلك الأخبار السيئة.
الدقائق تمر على كل من حول سرير الحاج "عبدالعزيز"، حتى كادت أن تمضي ساعة كاملة من الوقت، يرقد خلالها المسن التسعيني، مستغرقًا في نومه، إلى أن فتحت عيناه ليستفيق بعدما نال من الراحة بعض الشيء، والتي استشعرها أخيرًا بعد ليلة مؤلمة ذاق طوال ساعاتها الألم والأوجاع بساقه اليسرى.
يعود الرجل التسعيني، بذاكرته للحظة العصيبة التي عايشها يوم أمس:"كنت متوضي ونمت على السرير مستني أصلى الفجر، حاجة اتهبدت على صدري ومحستش غير وأنا هنا في المستشفى"، يقولها الحاج "عبد العزيز" دون علمه بأن سقف الحجرة وقع على صدره، وأوقع نجله وزوجته وحفيده سويًا جثث هامدة.
وبصوت خافت تكشف حفيدة الحاج "عبد العزيز" بحذر شديد، أن جدها لا يزال يسأل عن نجله "فتحي"، فتُعجزهم حالته الصحية عن إخباره بحقيقة وفاته، فيحاولون إقناعه بأنه يرقد في حجرة بعيدة عنه يتلقى العلاج، فحالة الرجل التسعيني تتطلب تركيب شرائح ومسامير في الحوض.
يختطف الحاج "عبد العزيز" بعض اللحظات لينام رويدًا رويدًا، محاولًا إبعاد المشهد عن وجهه، وفي المقابل يرتفع صوت المذياع بالقرآن على بعد كيلو مترات، في عزاء نجله وزوجته وحفيده.
ومن بين صفوف العزاء يقف "هاني عبد الرحمن"، ينخر الحزن وجهه، فكانت صدمته عندما علم بوفاة شقيقته "نيفين عبد الرحمن"- والدة حسام، وزوجها "فتحي" وابنها الشاب.
يعلم الرجل الأربعيني أن القدر وراء وفاة شقيقته ذات الخامسة وخمسون عامًا ولا رد لكلمته، وشاء أن يدفن في ذات اللحظة زوجها الذي كان يكبرها بعشرة أعوام ومعهما نجلهما "حسام" الذي لم يتجاوز 27عامًا، تاركين الحاج "عبد العزيز" بين دموع الألم والفراق.