مى سمير تكتب: واشنطن تحاصر الشرق الأوسط بقواعد عسكرية للطائرات بدون طيار تتكلف 380 مليون دولار

مقالات الرأي



تستخدمها فى عمليات استخباراتية سرية

القاعدة الجديدة مركز لعمليات «وحدة سرية» متخصصة تشن «حروب الظل» بالمنطقة

تونس، بوركينا فاسو، الكاميرون، جيبوتى، تشاد، إثيوبيا، موريتانيا، وأخيرا النيجر، شبكة ضخمة من القواعد العسكرية للطائرات بدون طيار، تؤسسها الولايات المتحدة الأمريكية فى قارة إفريقيا وتستخدمها لمحاصرة الشرق الأوسط بهدف تنفيذ عمليات استخباراتية وعسكرية سرية.

أمريكا أعلنت، خلال العام الجارى عن بناء قاعدة عسكرية جديدة فى أجاديز فى النيجر، للطائرات بدون طيار، وكشف موقع إنترسبت فى تحقيق نشرت نهاية أغسطس الماضى عن تفاصيل بناء هذه القاعدة التى تتكلف 100 مليون دولار، وتصل تكاليف تشغيلها لما يقرب من 280 مليون دولار.

وتعتبر هذه القاعدة، جزءاً من البصمة العسكرية الأمريكية الموسعة فى إفريقيا، والأكبر من نوعها فى القارة السمراء وفى تاريخ القوات الجوية الأمريكية، وفقاً لريتشارد كوموريك، المتحدث باسم القوات الجوية الأمريكية.

وكما يؤكد دان جتينججر، الشريك المؤسس، المدير المشارك لمركز دراسة الطائرة بدون طيار، فى كلية بارد، ومؤلف كتاب دليل تحديد قواعد الطائرات بدون طيار من القمر الصناعي: «ربما تكون واحدة من أهم القواعد العسكرية الأمريكية للطائرات بدون طيار على الإطلاق.. إذ إن معظم قواعد هذه الطائرات فى القارة الإفريقية هى ملحقات بمطارات أكبر، ولكن الوضع مختلف مع أجاديز، فهى مشروع ضخم قائم بذاته».

وأشار الموقع إلى أن هذه القاعدة على درجة كبيرة من الأهمية، حيث تمثل نقطة تحول فى استراتيجية القوات الأمريكية المتمركزة فى إفريقيا، حيث كانت واشنطن بنت قاعدة فى العاصمة نيامى فى النيجر من أجل مهام المراقبة، بينما من المرجح أن القاعدة الجديدة فى أجاديز ستستخدم الطائرات بدون طيار المسلحة.

وفى الوقت الراهن، فإن الأهداف المعلنة هى استهداف المسلحين فى جنوب ليبيا، كما نفذت قيادة الجيش الأمريكى فى إفريقيا هجمات قاتلة من دون طيار ضد تنظيم القاعدة وعناصر داعش فى ليبيا، انطلاقاً من هذه القواعد.

ومنحت حكومة النيجر، القوات الأمريكية فى نوفمبر 2017، إذناً بتسليح الطائرات بدون طيار، لكن لم يؤكد أى من الجانبين على نشرها قبل يوليو 2018، وقال متحدث باسم القيادة الأمريكية فى إفريقيا «أفريكوم»، فى رسالة بالبريد الإلكترونى لوكالة رويترز: «بالتنسيق مع حكومة النيجر، قامت قيادة الولايات المتحدة فى إفريقيا بتسليح طائرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بالفعل فى النيجر». وتوسع الوجود العسكرى الأمريكى فى النيجر فى السنوات الأخيرة إلى قوة قوامها 800 فرد، تشارك القوات النيجرية فى جمع المعلومات الاستخبارية والعسكرية الخاصة بالمنطقة، ويجرى حالياً إطلاق الطائرات بدون طيار من قاعدة فى العاصمة نيامى بينما يكمل الجيش بناء قاعدة للطائرات بدون طيار فى مدينة أجاديز بوسط البلاد.

1- المخابرات الأمريكية تدير القاعدة

كان الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، نقل المسئولية عن هجمات الطائرات بدون طيار، من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى الجيش الأمريكى، وفى جزء منه، كان هذا القرار رداً على الإصابات بين المدنيين، وجزء منه إدارة حملة علاقات عامة لتحسين صورة الولايات المتحدة فى ظل القيام بمثل هذه العمليات السرية.

وعكس الرئيس ترامب هذا القرار بناء على دعوة مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك مايك بومبيو، فى عام 2017، وحالياً يبدو أن كلا من وكالة المخابرات المركزية و«أفريكوم» هى التى تتولى مهمة شن الهجمات القاتلة بدون طيار من القواعد فى النيجر.

فى الوقت الذى تستعد فيه القوات الخاصة الأمريكية لتقليص وجودها فى إفريقيا، يزداد استخدام الطائرات بدون طيار القاتلة، حيث كانت القوات الأمريكية اتخذت قراراً بخفض عدد الجنود فى صفوف القوات الخاصة فى القارة الإفريقية فى مقابل زيادة حجم القواعد العسكرية للطائرات بدون طيار.

إن خطة إزالة نصف القوات الخاصة الأمريكية البالغة 1200 جندى فى القارة حالياً، هو نتاج الغضب السياسى بعد مقتل 4 جنود أمريكيين على أيدى إرهابيين فى النيجر العام الماضى، بالإضافة إلى مقتل جندى أمريكى خامس فى الصومال فى وقت سابق من هذا العام، ومن الواضح أن معظم الأفراد العسكريين الأمريكيين الذين يقدر عددهم بنحو 6 آلاف فى إفريقيا لن يتأثروا بـالانسحابات المحتملة.

وكما أظهرت التجربة فى أفغانستان واليمن، فإن الطائرات بدون طيار ليست محصنة ضد التسبب فى خسائر مدنية غير مقصودة، كما أن فعاليتها ضد الإرهابيين تخضع للنقاش.

وفى الوقت الحالى، يبدو أن هناك القليل من المعارضة المحلية فى النيجر لتوسيع استخدام الطائرات بدون طيار الأمريكية، وإذا كانت الإصابات، المقصود منها وغير ذلك، مقتصرة على ليبيا، فمن المحتمل أن يستمر ذلك الوضع المرحب بالقواعد الأمريكية فى النيجر، وهو ما يمكن أن يتغير إذا تم استهداف الإرهابيين المحليين مما قد يسفر عن وقوع ضحايا مدنيين.

2- حرب الظل

حسب موقع إنترسبت، فإن الأهداف المعلنة بشأن القاعدة الجديدة هى فى حقيقتها مجرد قمة جبل الجليد الذى يخفى الجزء الأكبر منه تحت سطح البحر، حيث تستخدم الولايات المتحدة، مثل هذه القواعد العسكرية من أجل شن حروب الظل فى القارة السمراء وشمال إفريقيا.

وفقاً لدراسة داخلية للبنتاجون عام 2013، حصل عليها موقع إنترسبت، حول عمليات الطائرات بدون طيار السرية فى الصومال واليمن بين يناير 2011 وصيف 2012، قامت وحدة سرية تعرف باسم «فرقة العمل 48-4» بحرب الظل فى المنطقة.

وتعمل فرقة العمل، التى يقع مقرها فى معسكر ليمونير فى جيبوتى، من المواقع الأمامية فى نيروبى، عاصمة كينيا، وصنعاء عاصمة اليمن، ومن المتوقع أن تنتقل هذه الوحدة السرية للعمل من مقر القاعدة الجديدة فى أجاديز.

وتصر قيادة الولايات المتحدة المركزية فى إفريقيا «أفريكوم» على أنها لا تحتفظ إلا بـ«بصمة صغيرة» فى إفريقيا وتدعى أن كامب ليمونير، وهو موقع سابق للفيلق الخارجى الفرنسى، هو موقعها الوحيد الكامل، ومع ذلك، تم افتتاح عدد من المرافق الجديدة فى السنوات الأخيرة، وحتى وزير الدفاع السابق أشتون كارتر، اعترف بأن ليمونير بمثابة «مركز مع الكثير من الفروع فى القارة وفى المنطقة». وتكشف تقارير غربية، بما فى ذلك تقرير لدايلى بيست، أن العمليات التى تدار فى هذه القواعد العسكرية فى إفريقيا، يشارك فيها أيضا المقاولون العسكريون من القطاع الخاص بما فى ذلك شركة «بلاك ووتر» سيئة السمعة، مما يعكس اتساع العمليات السرية المنطلقة من هذه القواعد الأمريكية فى القارة السمراء.

السماء على وشك أن تكون أكثر ازدحامًا

«أمازون» تصنع طائرات مسيّرة لتوصيل طلبات زبائنها

فى السنوات الأخيرة لجأت العديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فى العالم إلى استخدام الطائرات بدون طيار فى القيام بعمليات تجسس ومراقبة، ولجأت الجيوش إلى هذه الطائرات المسيرة عن بعد، لتنفيذ عمليات عسكرية واغتيالات، وتحولت الطائرات بدون طيار إلى لاعب مهم فى المشهد الأمنى والعسكرى على نحو متزايد.

من الواضح أن هذه الطائرات ستتحول إلى لاعب رئيسى يسيطر على كثير من جوانب الحياة كما تؤكد مجلة التايم فى تقرير لها حمل عنوان «نحن نعيش فى عصر الطائرات بدون طيار».

فى المسلسل الأمريكى الشهير «كولونى»، حيث يتعرض العالم لغزو خارجى، يستخدم المستعمر الجديد الطائرات بدون طيار، لضبط الأمن ومراقبة كافة التحركات، وتتدخل هذه الطائرات عند الحاجة لردع أى خروج عن الأمن أو النظام، ويبدو أن العالم ليس بعيداً عن تلك الصورة الخيالية ولكنه يقترب منها بسرعة متزايدة بعد أن تعددت استخدامات الطائرات بدون طيار.

ويبدأ تقرير مجلة التايم بالإشارة إلى أنه عندما ضرب إعصار «ماريا» بورتوريكو فى العام الماضى، تدمرت الشبكة الكهربائية وأنظمة الاتصالات فى الجزيرة، وطوال أسابيع، لم يتمكن 5 ملايين من البورتوريكيين الذين يعيشون فى الولايات المتحدة من الوصول إلى أحبائهم، فى حين عملت مجموعات الانقاذ على استعادة الطاقة وتقديم المساعدات، وسارع مزودو الخلايا إلى إصلاح شبكاتهم، للحصول على الخدمة وتشغيلها.

وأرسلت شركة إيه تى آند تى طائرة (فلاينج كاو) دون طيار مزودة بالشبكة على جناحيها وبمواصفات عالية السرعة، لتحلق فوق مدينة سان خوان فى بورتوريكو، حيث ساهمت الطائرة بدون طيار فى عودة الحياة من جديد لشبكات الاتصالات.

مع أى تقنية، هناك نقاط انعطاف معينة عندما تنتقل من كونها جزءًا من المستقبل القريب إلى كونها جزءًا من الحياة اليومية، ولسنوات عديدة، كانت الطائرات بدون طيار تحوم على أعتاب هذه الحقيقة، حيث تستخدمها الجيوش وعدد صغير نسبياً من الهواة ولكنها ليست جزءا من الثقافة الأوسع.

وسبق الجيش الأمريكى، فى استغلال الطائرة بدون طيار فى عام 2001، وعندما بدأ فى استخدام هذه التكنولوجيا الجديدة التى يتم توجيهها عن بعد لاستهداف قادة القاعدة فى أفغانستان، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الطائرات بدون طيار جزءاً رئيسياً من ترسانة الجيش، وتوسع استخدامها فى مناطق الصراع فى جميع أنحاء العالم تحت إدارة كل من باراك أوباما ودونالد ترامب، الرئيسين الأمريكيين ومع ذلك، كانت الاستخدامات المدنية بعيدة عن الواقع.

لقد تغير هذا الوضع، وتم بيع حوالى 3 ملايين طائرة بدون طيار فى جميع أنحاء العالم فى عام 2017، وتم تسجيل أكثر من مليون طائرة بدون طيار للاستخدام الأمريكى مع وكالة الطيران الفيدرالية «يجب تسجيل معظم الطائرات بدون طيار التى يتم شراؤها من المتاجر مع وكالة الطيران الفيدرالية».

ويمكن لهذه الطائرات الاستهلاكية بدون طيار أن تطير عمودياً، مثل المروحيات، وهى تشبه الطائرات التى يتم التحكم فيها عن بُعد ولكن مزودة بتكنولوجيا أكثر تطوراً مثل «جى بى سى» و«واى فاى»، وأجهزة استشعار تجنب العقبات، ويستخدمها المزارعون لمراقبة المحاصيل ورشها، من قِبل الباحثين لقياس التلوث البيئى، واستوديوهات هوليوود لالتقاط لقطات مليئة بالأحداث لأفلام ضخمة.

كما تلعب الطائرات بدون طيار دوراً فى إنقاذ الأرواح، حيث إن المستجيبين الأوائل فى أماكن مثل مينلو بارك، كاليفورنيا، يستخدمونها لتنسيق العمليات والبحث عن المتجولين المفقودين «تم إنقاذ 65 شخصا بواسطة طائرات بدون طيار، وفقاً لأحد التقارير». وبالطبع، يتم استخدام الطائرات بدون طيار من قبل مئات الآلاف من الهواة الذين يستخدمونها فى كل شيء بدءاً من التقاط صور أثناء الإجازات إلى اللعب بها فى الحديقة المحيطة بهم.

وتقوم الشركات حالياً بتجريب طرق جديدة يمكن أن تغير استخدامات هذه التقنية الجديدة بشكل كبير، حيث تعمل شركة أمازون على طائرات بدون طيار تستطيع توصيل الطلبات فى غضون دقائق.

فى هذه الأثناء، ضخ المستثمرون مئات الملايين من الدولارات فى شركات ناشئة للطائرات دون طيار تحمل أسماء مثل «Skycatch»، والتى تلتقط الخرائط الجوية، و»Skydio»، والتى تصنع طائرات بدون طيار تسجل الفيديو تلقائياً،. وتهيمن الصين بشكل كبير على صناعة الطائرات بدون طيار، ويتم التحكم فيما يقرب من 72٪ من السوق العالمية من قبل شركة «DJI»، التى يقع مقرها فى مدينة شينزين، والتى يشار إليها غالبا باسم وادى السيليكون فى الصين.

كل هذا الاستثمار يثير الاحتمالات والمخاوف على حد سواء. يشعر المدافعون عن الخصوصية بالقلق من نمو المراقبة الجوية غير الخاضع للرقابة.

وتم استخدام طائرات بدون طيار لتهريب المخدرات إلى السجون، وينفق الجيش الأمريكى مئات الملايين من الدولارات لتطوير أساليب لمنع هذه الطائرات من أن تصبح سلاح الإرهابيين المفضل.

وتنتهى المجلة بالإشارة إلى إن التطورات فى الذكاء الاصطناعى ستجعل من الممكن تشغيل أساطيل الطائرات بدون طيار فى وقت واحد، ما يزيد من الكفاءة ويوسع قدراتها بشكل كبير.

ويتطلع المسعفون فى الطرق السريعة على استخدام طائرات بدون طيار جاهزة لنقل الدواء المنقذ للحياة إلى مواقع الحوادث، وتقوم شركات النقل العالمية بتصميم نسخ من طائرات الهليكوبتر يمكنها أن تنقل الناس.

والتطورات فى مشهد الطائرات بدون طيار تؤكد على حقيقة واضحة هى أن السماء فى مختلف أنحاء العالم على وشك أن تكون أكثر ازدحاما فى المستقبل.