هواة الزواحف يغوصون مع "الفجر" في بحر أسرار تربية الثعابين (تقرير مصور)

تقارير وحوارات

بوابة الفجر


صدفة غنيم - دنيا عادل - تصوير: ياسمين عليوة - عبير أحمد

بمجرد أن تقع أسمائها على مسامعهم، يدق الخوف القلوب، فتنتابهم حالة من الهلع، خاصة بعدما توغلت بعضها إلى المزارع وأصابت العديد من بينهم، فكان هجوم الثعابين على قرية منية السعيد، بمحافظة البحيرة بمثابة جرس خطر، تسبب في تسلل القلق إلى الأهالي، ليمتد إلى بقية محافظات المحروسة، إلا أن هواة الزواحف لاتزال تتراقص أياديهم باللعب بالأفاعي التي يروضونها مثلما تروض الأسود في السيرك بلا خوف.

ولم ينتهي المطاف عند هواة الزواحف، فكان للأطفال والشباب نصيب من التباهي باقتناء الزواحف، لاسيما الثعابين، وكأنهما لم يتردد على مسامعهم وفاة أحد الطلاب بمحافظة البحيرة مؤخرًا بسبب لدغة ثعبان، تلك الإصابة التي تأتي بعد فترة قصيرة من وقوع حادث هجوم الثعابين على أربعة فلاحين لتنهي حياتهم.

فعلى جنبات سوق تخترق فيه أصوات الطيور آذان المارة، وقف "عمرو" يروج لما لم يسمع لهم أصوات، فيتحركون في صمت مثلما يلدغون بإصابات مميتة.




فيقف الشاب "العشريني" ينظر من خلف نظارته التي يحجب بها أشعة الشمس الحارقة عن وجهه، إلى صندوقين من الزجاج مكدسين بالثعابين بأطوالهم وأحجامهم المختلفة، وبجانبه حقيبة قماشية يتحرك داخلها ثعابين آخرى تخيف من يقترب إليها.

حديث طويل بين البائع ورواد المكان الذي يظهر عليهم اعتيادهم عليه، ينتهي في نهاية المطاف بالوصول إلى ثمن يتفقان عليه لاقتناء ثعبان لا يقل عن 80 جنيه، وربما يتصاعد إلى ألفي جنيه بحسب نوع الثعبان، وهو ما يشد الأطفال والشباب للإسراع باقتنائه والتباهي بشرائه بين أصدقائه.

خبرات البائع في ترويض الثعابين لسنوات طويلة، جعلته قادرًا على إستيعاب أزمة البحيرة، حيث يرى أن بيئة المنطقة الزراعية التي تسببت في انتشار الفئران بها، ساهمت في تكاثر الثعابين التي تتغذى عليها، خاصة من فصيلة "الكوبرا" التي تعد أكثر الثعابين خطورة، والتي تزايدت بشكل خطير يصعب السيطرة عليه داخل المحافظة، خاصة في ظل صعوبة ترويضها وندرة القادرين على التعامل معها، وهو ما يدفعه لعرضها أمام الزبائن في مناطق هادئة ونائية بعيدًا عن التجمعات.




فيتذكر البائع العشريني، حينما أقبل مراهق على شراء "الكوبرا" منه منذ أسابيع، إلا أن عدم تمكنه من التعامل معها، جعله معرضًا للدغاتها السامة التي أودت بحياته على الفور:"كل من يقبل على شرائها يصعب عليه التعامل معها لأن ترويضها يحتاج إلى طبيعة خاصة وقدرات يصعب تعلمها"، هذا ما يجعل "عمرو" على ثقة بمدى صعوبة وخطورة القضاء على الثعابين السامة المنتشرة في البحيرة وعدد من المحافظات المجاورة لها.

وكما هناك للحب درجات تصل لحد الجنون، فلعاشقي الزواحف أيضًا بصمة من نوع آخر مع جنون مختلف، فمنذ نعومة أظافر فارس الفيشاوي، وعشق الزواحف محفور في قلبه، ليعتزم النجاح في دراسته دون التخلي عن هوايته المفضلة.

فاختار فارس الفيشاوي، الالتحاق بكلية الهندسة، ليكون المهندس الذي يمتلك مزرعة زواحف بمحافظة الدقهلية، ولا تختلف خبرته في الهندسة عن علمه بكل كبيرة وصغيرة تخص تربية الزواحف، وخاصة الثعابين التي يعلم جيدًا مدى خطورة ظهورها في محافظة البحيرة.


"الموضوع ليه أسس.. واللي مش عارف يسألنا".. بهذه الكلمات أكد المهندس فارس الفيشاوي، على أن التعامل مع ظهور الثعابين في محافظة البحيرة، لم يكن يتبعه حل سوى التعامل معها بالصيد، لكون الثعابين التي تظهر في المناطق الزراعية من نوع "الكوبرا" شديدة السمية، نافيًا إمكانية خداع الثعابين ببعض المأكولات أو التصدى لها بالمبيدات الحشرية "الكوبرا بتاكل القوارض.. وموضوع البيض ده كان مضحك لينا عشان عارفين التعامل معاها، ولا ينفع لها حل غير بالصيد وعندنا صيادين مرخصين".

ومثلما يُقدر الشاب خطورة مهاجمة الثعابين للأهالي في البحيرة، يرى في عشقه لها أساسًا للتوازن البيئي، فكثرة أحد الحيوانات أو اختفائها يحدث خلل به.