مدينة الرب والعلم في طي النسيان.. آثار المطرية عرضة للسرقة.. والأهالي: عشمانين في أي حاجة
يعيش سكان المطرية على بحر من الآثار، فهذه المنطقة قديمًا كانت مدينة الرب والعلم في زمان الفراعنة، وفاقت كل المدن أهمية، وفق ما كتب عالم المصريات أودلف إرمان، عن مدينة أون، أو هليوبلس مدينة رب الشمس «المطرية» حاليًا.
وتعد مدينة "ون من أقدم عواصم العالم القديم، وذلك في عهد ما قبل الأسرات وكانت في ذلك الوقت مدينة متكاملة تمتد من أرض النعام في منطقة المطرية الحاليّة بشرق القاهرة، مملوءة بالغابات المقدسة التي تنمو فيها أشجار البلسم والبخور، ويُربى فيها النّعام المقدس، وكانت مركز عبادة الشمس وتبلغ مساحتها 26800 متر مربع، وتضم آثار معابد ومكتبات للفلسفة وعلوم الفلك والرياضيات.
المدينة تعج بآثار هائلة وليست مبالغة إن قلنا إن أسفل كل بيت توجد آثار، وهو ما تسبب في كثرة عمليات التنقيب عن الآثار أسفل عدد كبير من البيوت.
رُغم أهمية تلك المنطقة، فإنها مهملة بشكل كبير من قبل القائمين على الآثار في مصر، فلا تطوير ولا اهتمام بتلك المنطقة المهمة، والتي أصبحت وكرا للزواحف والقوارض، وبركة منخفضة، تتجمع فيها مياه الصرف الصحي، المتسربة من البيوت العشوائية.
في السطور التالية نرصد أهم المناطق التي تعج بالآثار، والمهمشة في الوقت ذاته من قبل وزارة الأثار، ما جعلها عرضة للتنقيب من التجار واللصوص.
آثار عرب الحصن
من أهم المناطق في المطرية، منها خرجت أهم القطع وآخرها، تمثال بسماتيك الأول، وآخر لتمثال سيتي الأول، وهي عبارة عن أرض فضاء، تبلغ مساحتها فدان، تحيطه بها البنايات والورش.
منطقة أبو الهول الأثرية
وهي جزيرة خضراء، ومناطق منخفضة عن مستوى سطح الشارع بنحو مترين، ويحيط بها نبات الخوص من كل جانب، أو بركة منخفضة وسط كتل خرسانية صماء، تخلو من أي مظهر جمالي أو حضاري، ولا تكاد تظهر بوضوح للمارة إلا عند الاقتراب منها.
سبب تسميتها بذلك يرجع إلى وجود تمثال أبو الهول ذو اللون الأصفر بها، والذي يعاني من تآكل شديد بسبب الملوحة والرطوبة.
«أبو العلا»: 40 % من بيوت منطقة المطرية بها آثار
الدكتور خالد أبو العلا، مدير منطقة آثار المطرية وعين شمس، كشف عن أن وزارة الآثار لديها مساحة تبلغ 45 فدانًا في منطقة ميدان المسلة بعرب الحصن، أسفلها آثار قديمة.
ونوه برفض الأهالي تسليم الأراضي، إلى الوزارة، بعد تعديهم عليها وانتهاك القانون.
وقال في تصريحات إلى "الفجر"، إنهم ينقبون عن الآثار، في منطقة عين شمس حتى شبرا؛ لاحتوائها على آثار فرعونية، كما أنه يحظر إقامة منشآت ومباني في تلك المناطق إلا بعد التفتيش والتأكد من خلوها من الآثار.
ولفت إلى أن 40% من بيوت منطقة المطرية بها آثار، وإلى أنهم اكتشفوا تنقيب بعض أهالي المطرية أسفل البيوت، «المطرية كلها معابد، أما عين شمس فمقابر ثرية جدًا»، وتم تحرير محاضر وقضايا لهم، وخضعوا للمحاكمة.
وأورد أن «الوزارة ابتاعت أرض نقابة المحامين في عين شمس؛ لامتلاءها بالكنوز، ولاستخراج الآثار».
وأشار إلى أن منطقة المطرية، لا تحتوي على آثار قيمة، بل معظمها حوائط معابد، ومومياوات، إلا أن هوس الأهالي لاستخراج الكنوز يتزايد يوميا، فالمواطن يهمه مصلحته، والبعض يستخرج آثار ويبيعها ويتكسب من ورائها، فيسيرون بمبدأ الحي أبقي من الميت.
وأردف أن العشرات في المطرية، أبلغوا أن جيرانهم ينقبون عن الآثار، بعد أن اكتشفوا وجود أنفاق أسفل بيوتهم بسبب هذا الهوس، لا يمكننا انتهاك خصوصية الناس وتفتيش البيوت، فنبلغ الأمن، والكل يخضع للحساب».
ونوه بأن نسبة المنقبين، زادت بعد استخراج تمثال بسماتيك، بينقبوا ولا يجدوا شيئا، فالموجود في المطرية آثار منهوبة قديمًا، والموجود حاليا مجرد بقايا لأن المطرية من جداريات وبقايا حفائر أواخر العصر الفرعوني فهي منطقة نهب، الكل كان ينهبها وكانت مصنع الحجارة».
واختتم بأن نصف آثار الإسكندرية نهبت من المطرية قديما.
الأهالي: «الآثار رزق والناس عشمانة في أي حاجة»
ويقول، محمد إبراهيم، 29 عامًا، إن بعض أهالي المنطقة، ينقبون أسفل بيوتهم، وقد يتسبب ذلك في سقوطها؛ لأن «الآثار رزق، والناس هنا عشمانة في أي حاجة يبعتها ربنا».
وأكمل في تصريح إلى «الفجر»، أن «فيه ناس لقت حجارة ومفيش مقابر خالص، بس المنطقة كلها بترزق».
ويضيف إسلام عبد القادر، «بقالي 35 سنة في المنطقة، وكل اللي بيطلع حجارة بتكون كسر مالهاش أي قيمة، العرب كلهم بينقبوا عن الآثار، بس منطقتنا فيها أحجار بس».
ويتابع عبد الحليم مصطفى، أن حي المطرية يكتفي برفع القمامة وقص النباتات فقط، بعد أن يصل ارتفاعها لنحو مترين، فيما تقوم منطقة آثار المطرية بتعيين خفراء لحراسة المنطقة، لكنهم لا يتواجدون باستمرار، لأنهم يكونون مشغولين بأعمال أخرى، ويسكنون في مناطق بعيدة، بجانب عدم وجود استراحة آدمية تقيهم برد الشتاء وحر الصيف، فنعتمد نحن سكان المنطقة المحيطة لحمايتها بأنفسنا، لأوقات طويلة على اعتبار أننا نعرف بعضنا ونميز الغرباء بسهولة».
ويضيف السيد أمين، موظف بالتأمينات، أن الدولة لا تهتم بالمطرية، فالقمامة والعشوائيات سيدتا الموقف، والتنقيب عن الآثار أصبح مخيفًا.
واستكمل، في تصريحات إلى «الفجر» أن كل بيت يوجد أسفله بئر تنقيب، وهناك كثيرون استفادوا من ذلك وأصبحوا أغنياء، من هذه التجارة.
وطالب الدولة بالتدخل بشكل جدي، لوقف تلك المهزلة -على حد قوله- واستنزاف الأثار كل يوم.
«كرار»: «الأثار» تهتم بالمكتشف فقط
وبدروه قال منسق حركة الدفاع عن الآثار، أسامة كرار، إن وزير الآثار الحالي، للأسف يبدي اهتماما كبيرا بالآثار المكتشفة حديثا، لكنه لا يبالي، بالآثار القديمة والموجودة فعليا على الأرض وتحيطها القمامة من كل اتجاه، وتتعرض للسرقة أحيانا.
وأكمل في تصريحات إلى «الفجر» أن أرض المطرية بها معبد كبير مدفون تحت الأرض، حجمه أكبر من معبد الكرنك بمدينة الأقصر، جنوبي القاهرة، وقبل نحو نصف قرن، قام الفنان العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، بتصوير أحد أفلامه في المطرية بجانب الآثار، التي كانت تظهر بشكل رائع جدا، وأعطى ذلك دلالة واضحة لجمال المنطقة وقتئذ.