رامى المتولى يكتب: صورة مقربة من حال البشرية قبل 20 ألف سنة
“قبل 20 ألف عام» عبارة تستهل فيلم Alpha الذى يصور بداية العلاقة بين الإنسان والكلب، فترة مبكرة من تاريخ حضارة الأرض بالكاد كانت أعداد البشر تسمح بتكوين مجتمعات صغيرة متناثرة عبر هذه المساحات الشاسعة، وقبل حلول فصل الشتاء يجب على هذه المجتمعات الصغيرة أن تؤمن الطعام لفصل الشتاء وعليه تتكون فرقة من الصيادين فى القبيلة التى يتزعمها تاو (يوهانس هاوكور جوهنيسون) والذى يصحب فى هذه الرحلة ولده كيدا (كودي سميث ماكفي) ويعده لقيادة القبيلة خلفًا له.
الرحلة صعبة وطويلة وبالطبع سيرًا على الأقدام فى فترة نهاية العصر الجليدى فى مكان ما بقارة أوروبا فى رحلة غير محددة المعالم بشكل العالم الذى نعرفه حاليًا حتى اللغة التى استخدمها أبطال الفيلم فى التحدث هى لغة مخترعة للفيلم خصيصًا.
منذ الدقائق الأولى فى الفيلم ظهرت جهود المخرج ألبرت هيوز فى صناعة أرض مختلفة عما نراه اليوم، الحالة البدائية متأصلة فى كل مشاهد الفيلم دون أن تظهر معالم لطرق أو لأماكن لأنها ببساطة غير موجودة، فقط الإشارة لزمن الفيلم ومكانه فى قارة أوروبا والتى كانت متصلة بالأمريكيتين عن طريق الجليد الذى كان يغطى أوروبا والمحيط وأمريكا الشمالية، فقط ملامح مما وصلنا لطرق صناعة الأسلحة من الأحجار أو الاهتداء بالنجوم وآثار الأجداد فى الترحال، طرق الصيد الموجودة فى الرسومات القديمة فى الكهوف أشكال الحيوانات فى هذه المرحلة مستوحاة أيضا من الرسوم ومما وجده العلماء من بقايا ترسم شكلاً مبسطاً للعالم فى هذا الوقت، باستخدام الجرافيك صنع هيوز عالماً موازياً فى السماء وشكلها وفى الأرض وشكلها بشكل مبهر يكفى مشاهدة السماء والتى يظهر فيها ذراع المجرة واضحًا جليًا كما كان الحال وقتها قبل انتشار البشر بهذه الصورة واكتشاف طرق استغلال الكهرباء فى الإنارة وحدوث التلوث الضوئى الذى يمنع مشاهدة النجوم والكواكب فى السماء بشكل مفصل كما الحال فى الفيلم.
لكن الجرافيك كان مجرد عنصر مساعد فى الفيلم الذى لم يهتم بتأريخ حياة الإنسان فى هذه الفترة ولا حتى صناعة أحداث مثيرة كما يحدث عادة فى أفلام هذه النوعية التى تتطلب إنتاجاً ضخماً يعتمد على بناء اماكن التصوير واختيارها بعناية لتبدو قريبة الشبه بالحالة الأصلية ويتدخل الصناع بالجرافيك ليضعوا اللمسات المطلوبة ليبدو الشكل فى النهاية مختلفًا عن الواقع الحالى، الفيلم ببساطة يتناول صراع الإنسان مع الطبيعة أو السبب الذى جعل من تطور الإنسان مستمراً لكل هذه الالفيات، ابتكار الوسائل المساعدة على النجاة والعيش وفى الوقت نفسه عدم الاستسلام لهذه الطبيعة بل مقاومتها قدر الاستطاعة ربما يبدو أن البشرية فى الوقت الحالى ما زالت تصارع الطبيعة على نفس النهج وكأنها عدو.
الفيلم يصور علاقة الإنسان بالكلب بالطبع ليس فى صورتها النهائية ولكن فى الصورة البدائية المبكرة حيث لم يكن للكلاب وجود بالشكل الحالى، كيدا الذى ينفصل عن فرقة الصيد بعد ظنهم أنه مات أو فى طريقه للموت يتصارع مع قطيع من الذئاب - الأجداد المشتركين بين فصائل الكلاب والذئاب الرمادية فى الوقت الحالى- يصيب أحدهم الذى يتركه باقى القطيع بإصابته ويرحلون بعد يئسهم من افتراس كيدا، ليعتنى به الأخير وتنشأ بينهما علاقة صداقة قوامها الاعتماد على بعضهم البعض لينجوا من أخطار فصل الشتاء الذى حل عليهم فى رحلة العودة لقرية كيدا الصغيرة.
أهم العناصر بعد الجرافيك وتصميم الإنتاج هو السيناريو الذى يربط بدقة التفاصيل القليلة التى توصل إليها العلم الحديث عن هذه الحقبة البالغة القدم من عمر البشرية، الخيال واضح فى استكشاف طريقة الصداقة المتينة بين الكلاب والإنسان الحديث، طريقة تدريب كيدا للذئب واعتماده عليه فى الصيد ثم مع الألفة تحولا معًا لفريق فى الصيد والصراع للوصول إلى شاطئ الأمان، الحدث النهائى الذى يغير الكثير فى شكل المستقبل حيث يتعاون البشر مع الذئاب فى الصيد ويبدأ التطور يسير فى اتجاة آخر سواء فى طرق استغلال الإنسان ما حوله ليعيش ويستمر بقاءه أو فى تطور سلالة الذئاب لنوع آخر، أهمية مثل هذا النوع أنه يجعل تخيل هذا النوع من الحياة ممكناً حيث لا تكفى القراءة عنه لتخيل تفاصيله ويفتح السبيل للتفكير ولكثير من الأسئلة تدفع حتميًا للبحث وراء المعلومات المطروحة خاصة أن قراءة الماضى ومعرفته تكشف التفاصيل المبهمة فى الحاضر.