مي سمير تكتب: أزمات فى مواجهة الحكومة الإثيوبية

مقالات الرأي



أخطر تحليل لـ"الواشنطن بوست" عن "آبى أحمد" الإصلاحى

رئيس الوزراء الإثيوبى يواجه تحديات الصراعات العرقية والتوترات الأمنية وأزمة مالية خانقة

خبراء: مشكلات السد تمنح مصر فرصة لمعالجة الخلافات حول المشروع


بعد يومين من إعلان رئيس الوزراء الإثيوبى، آبى أحمد، أن مشروع سد النهضة الإثيوبى يواجه مشكلات مالية وفنية، وصل وزير الخارجية، سامح شكرى ورئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، الاثنين الماضى، إلى أديس أبابا، لنقل رسالة من الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى «أحمد».

تشعر مصر بالقلق من تأثير السد الإثيوبى على النيل وتخشى أن يؤدى ذلك إلى تقليل المياه التى تصلها من مرتفعات إثيوبيا عبر السودان، وقال الخبراء، وفقا لعدد من التقارير الغربية، إن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبى توفر للمفاوض المصرى مزيداً من الوقت للتفاوض ومعالجة القضايا المتعلقة بسلامة السدود وإدارتها وتنفيذها، متوقعين أن يمهد اجتماع الاثنين، فى العاصمة الإثيوبية لعقد اجتماع ثلاثى بين مصر وإثيوبيا والسودان.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، أحمد أبو زيد، فى بيان، الأحد الماضى، موضحاً أسباب الزيارة، إنها «تهدف لمتابعة العلاقات المصرية - الإثيوبية ووسائل تعزيزها وتحديثات مفاوضات سد النهضة فى ضوء الجهود المبذولة لتنفيذ إعلان المبادئ لعام 2015 ونتائج الاجتماع الأخير الذى عقد فى أديس أبابا فى مايو الماضى.. كما يتناول الاجتماع أيضاً إنشاء صندوق تنموى مشترك للبنية التحتية بين البلدين والسودان».

وكان رئيس الوزراء الإثيوبى، قال فى تصرحات السبت الماضى، إن بناء السد كان من المقرر الانتهاء منه فى غضون 5 أعوام.. ولن نتمكن من الانتهاء فى الوقت المحدد بسبب الإدارة الفاشلة للمشروع، خاصة مع تدخل شركة Metek - تابعة لقوات الدفاع الإثيوبية- التى تتم إدارتها بشكل سيئ بسبب عدم خبرة مجلس إدارتها فى إدارة المشروعات الضخمة».

سد النهضة الإثيوبى الضخم، معروف سابقاً باسم «سد الألفية»، هو مشروع كهرومائى تكلفته 4 مليارات دولار وسيكون أكبر مشروع فى إفريقيا عند اكتماله.

وتبلغ حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب، فى حين تبلغ حصة السودان 18.5 مليار متر مكعب.

وتزامنت التصريحات الاثيوبية عن صعوبة الانتهاء من سد النهضة وزيارة الوفد المصرى لأديس أبابا، مع تقارير غربية عن توتر الأوضاع السياسية فى البلد الإفريقى الكبير.

وكشف تقرير لجريدة واشنطن بوست بعنوان «يواجه رئيس الوزراء الإصلاحى فى إثيوبيا عقبة من الاضطرابات العرقية»، نشر فى بداية الأسبوع الجارى عن التوترات السياسية التى يعانى منها المشهد السياسى فى إثيوبيا، وتلقى هذه التوترات بظلالها على مختلف المشروعات الإثيوبية سواء كانت متعلقة بالتحول السياسى أو التنمية الاقتصادية.

وأشارت الصحيفة الأمريكية المقربة من صناع القرار فى واشنطن، إلى أنه بعد جولة ناجحة فى الولايات المتحدة وسلسلة من الإصلاحات السياسية الجريئة فى الداخل، يتمتع رئيس الوزراء الجديد فى إثيوبيا بشعبية فى هذه الدولة الاستراتيجية فى شرق إفريقيا، ثانى أكبر دولة فى القارة.

ولكن فى الوقت نفسه، تعانى البلاد من اندلاع موجة جديدة من الاضطرابات العرقية، حيث أفادت وكالات الإغاثة أن أكثر من مليون شخص نزحوا عن ديارهم فى هذا العام، معظمهم بسبب الصراعات العنيفة.

وسعيا لحماية جهوده لتحويل الدولة التى كانت استبدادية ذات يوم، استبدل رئيس الوزراء آبى أحمد، 42 عاما، خطابه المعتاد عن الحب والمصالحة للإصرار على أن الأمن أولوية قصوى، وقال للصحفيين السبت الماضى، «هناك مجموعات تعمل فى انسجام تام وتسبب فوضى فى مناطق مختلفة من البلاد، ويثيرون مشاعر الناس لهذا الغرض».

فى الأسبوع الماضى، بعد أيام من حديث آبى أحمد عن حكم القانون على أنه «الغراء والأساس» للوئام الاجتماعى، تم اعتقال 300 شخص فى ولاية إثيوبيا الجنوبية الإقليمية لمشاركتهم فى أعمال العنف و500 آخرين فى منطقة أوروميا.

كانت الاحتجاجات المناهضة للحكومة التى قادها شعب أورومو، أكبر مجموعة عرقية إثيوبيا، طيلة الـ3 أعوام الماضية ساعدت فى تولى «آبى»، وهو أورومو، رئاسة الوزراء فى إبريل الماضى بعد استقالة سلفه، توقفت الاحتجاجات، لكن تم استبدالها هذا الصيف بمصادمات بين مجموعات تبحث عن تسوية نزاعات قديمة حول الأرض، وقعت أخطر هذه المواجهات فى الجنوب بين شعب غيدو وجوجى أورومو، ما عجل فى النزوح الجماعى.

كما شهد يوليو الماضى اشتباكات بين المسلمين والمسيحيين فى منطقة بالى فى أوروميا وهجمات على الأقليات العرقية بما فى ذلك التيجريان، كما تم إعدام رجل فى بلدة شومهين فى أورومو على يد غوغاء مقتنعين أنه كان يحمل قنبلة، تم إلقاء قنبلة يدوية على آبى أحمد خلال مسيرة 23 يونيو ثم تم اغتيال مدير مشروع السد النهضة، فى 26 يوليو.

وتناولت «واشنطن بوست» الدور الأمريكى فى إثيوبيا، التى يزورها السيناتور الأمريكى كريستوفر سميث، والذى انتقد من قبل سجل حقوق الإنسان فى أديس أبابا ونقلت عنه تصريحات بأن الولايات المتحدة يجب أن تدعم البلاد خلال هذه الفترة.

وقال سميث، الخميس الماضى، فى أديس أبابا: «إنه لأمر مذهل ما يحدث هنا.. يجب أن يستمر ذلك.. يجب أن نتأكد من أن التفاقم، حتى وإن كان خطيرا مع خسائر كبيرة فى الأرواح، لا يشكل تراجعا لمسار أعتقد أنه سيؤدى إلى السلام والمصالحة».

إثيوبيا عبارة عن خليط من أكثر من 80 مجموعة عرقية، ونجحت اليد الثقيلة للدولة فى خنق هذه الخلافات، ومنذ عام 1991 كانت الحكومة عبارة عن ائتلاف من الأحزاب من المجموعات العرقية الرئيسية الأربع: أورومو، أمهرة، تيجرايان والقبائل الجنوبية.

وقال إى. جيه هوجيندورن، نائب مدير إدارة إفريقيا فى مجموعة الأزمات الدولية، إن تحركات الحكومة الجديدة لتوسيع الحرية السياسية وتقليص دور الأجهزة الأمنية سمحت لكثير من المظالم القديمة للجماعات بالظهور مرة أخرى، و«هذه ظاهرة مألوفة للغاية عندما يتعلق الأمر بعملية التحول الديمقراطى خاصة أن هناك كثيرا من الإحباطات المكبوتة مع كيفية إدارة البلاد».

وما يزيد المشكلة تعقيداً أن اقتصاد إثيوبيا يمر بحالة محفوفة بالمخاطر، حيث توجد ديون أجنبية ثقيلة، ونقص فى العملات الأجنبية يعرقل مشاريع البنية التحتية الطموحة للحكومة، ورغم أن آبى أحمد، أعلن السبت الماضى، أن البنك الدولى وافق على تقديم مليار دولار لدعم الميزانية فى الأشهر المقبلة، وفقاً لما ذكرته وكالة رويترز للأنباء.

أمضى آبى معظم رحلته فى الولايات المتحدة، مناشداً مئات الآلاف من الإثيوبيين المغتربين للاستثمار فى بلدهم الأم، مع تشجيع الفنادق وشركات السفر على تقديم صفقات خاصة للسنة الجديدة الإثيوبية فى 11 سبتمبر.

وحتى مع تكدس إصلاحات آبى، بما فى ذلك الإفراج عن الآلاف من السجناء، وإقالة رؤساء الجيش والاستخبارات المتشددين، وإقامة شخصيات معارضة فى الوطن ووعد بمراجعة قانون مكافحة الإرهاب السيئ السمعة فى البلاد، تزداد المخاوف من أن عدم الرضا على الأوضاع الاقتصادية يمكن فى نهاية المطاف أن يعرقل كل شيء.

وبينما توجد خطط لتشجيع مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتحرير الاقتصاد الذى كان تهيمن عليه الدولة لفترة طويلة، فإن الأمر سيستغرق بعض الوقت لإنشاء الوظائف التى يطالب بها العديد من الشباب الغاضبين.

محمد أديمو، المحلل فى الشئون الإثيوبية الذى أسس موقع «Opride» الإخبارى بينما كان يعيش فى الخارج لمدة 16 عاما، عاد إلى إثيوبيا هذا الصيف وسافر عبر منطقة الأورومو، ولاحظ إحباطاً فى الريف، خاصة بين «قيرويو»، الشباب الذين كانوا فى مقدمة الاحتجاجات التى ساعدت فى جلب آبى إلى السلطة، وأشار أيضا إلى أنه رغم التغييرات الدرامية التى طرأت على أعلى مستوى فى الحكومة، فإن المسئولين المحليين الذين كانوا سبباً فى الاحتجاجات لا يزالون فى أماكنهم.

يقول أدمو، إن الشباب يشعرون أن الإدارة المحلية لا تزال فاسدة وغير مستجيبة وأن الحكومة المركزية لا تعالج مطالبهم الاقتصادية.