"مايهمنيش".. حكاية جسدت معاناة أبناء دور الأيتام مع المجتمع: عاوزين حد يرعانا
"ميهمنيش غير اللي وصلتله دلوقت".. هكذا قررت أن تتحدى نظرة المجتمع العنصرية إلى الأيتام، فبنجاحاتها وطريقها المحفوف بالطموحات التي لا نهاية لها، تمكنت من إثبات قدراتهم على بلوغ القمم تحت كل الظروف، لتنطلق في مسيرتها ممثلة عن كل من جمعهم القدر معها داخل رحلة واحدة، للمطالبة بالمساواة في التعامل دون تفرقة.
فبالرغم من أن فكرة هاشتاج "مايهمنيش" كانت بذرة حاولت جمعية وطنية لتنمية دور الأيتام، أن تزرعها منذ نحو عام، لتقدم الدعم المعنوي إلى كافة الأيتام في المجتمع، إلا أن تغريد أحمد، ذات الخمسة وعشرون ربيعًا، قررت أن تروي هذه البذرة لتنبت أفكارًا تدعو إلى تحدي المجتمع ومحاربة الضعف والاستسلام إلى أفكاره المغلوطة بشأنهم، وهو ما دفعها لتفعيل الهاشتاج منذ بضعة أيام قليلة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، لتسرد من خلاله كافة المواقف التي تواجهها وتتعرض لها في المجتمع بشكل يومي.
فمنذ أن رأت عيناها الحياة، كان ملجأها الوحيد هو دار الأيتام الذي تبقى فيه حتى الآن، ولكن مع بدء خروجها إلى المجتمع للانخراط به وتحقيق أحلامها كفتاة شابة تركض خلف طموحاتها بلا توقف، اصطدمت "أحمد" بالواقع المؤلم الذي رفضت أن تتراجع عن مواجهته خطوة واحدة، فقررت أن تبلغ القمة بعدما أنهت دراستها الأكاديمية بمعهد المنشآت البحرية، ثم انطلقت تسعى خلف موهبتها الفنية، من خلال إنهائها ورشة للدراسات الحرة بالفنون الجميلة، لتثبت أن اليتيم إنسان لا ينقص شيئا عمن حوله، فانضمت إلى العديد من المعارض الفنية لتستعرض أعمالها.
ومن خلال الهاشتاج؛ نجحت الفتاة العشرينية، في تقديم الدعم إلى العديد من الأيتام، وهو الأمر الذي زادهم حماسًا ورغبة في تحدي ظروف الحياة من خلال "مايهمنيش" الذي كان بمثابة المتنفس الذي قرروا أن يعبروا من خلاله عن معاناتهم التي يتحدون بها النقص الذي تسببت التفرقة في شعورهم به، ليصبح الهاشتاج هو السلاح الذي يدعون به إلى فكر أكثر تحضرًا وإنسانية، ليساوي في نظرته بين اليتيم والشخص العادي دون شفقة أو إهانة:"بس الحمدلله قدرت أتأكد إنه فيه ناس متضامنة كتير مع قضيتنا من خلال الهاشتاج دا".
وبحسها الفني وأناملها المبدعة، حرصت "تغريد" على أن ترسم لوحة فنية تصبح بمثابة النافذة التي دفعت المجتمع ليطل من خلالها على كواليس حياة شباب في عمر الزهور يملكون حماسًا للنجاح وشغف بإثبات الذات ورغبة في تقديم الأفضل للمجتمع بلمساتهم المبتكرة، إلا أن الأفكار الهدامة كانت كفيلة لتذبل أوراقهم النضرة التي تستحق تقدير وتحفيز من المحيطين بهم:"عشان كدة أنا ميهمنيش أصلي وفصلي وميهمنيش إني من دار أيتام.. ولا حتى يهمني إن علاقة حب تكون آخرتها مينفعش عشان مليش نسب أو أصل وفصل.. المهم وصلت لإيه في حياتي دلوقتي".
ولا تعاني "تغريد" وحدها من مشاكل المجتمع، حيث أن اخواتها في الدار وحتى من خرجوا منه، طالتهم نفس المعاناة، خاصة المتزوجات من بينهن، فمن بين أصعب المواقف التي يواجهونها، هي إهانة أبنائهم واستحقارهم دون داعي:"بيقولوا لأطفالهم يللا يا ابن اللاجئة"، هذا إلى جانب التقليل من دورهم باستمرار وإحباط قدراتهم وإنكار وجودهم بلا سبب يذكر:"بس الحقيقة إننا فيه نماذج كتير من بينا كويسة ومحتاجين حد يرعانا".
فلا تتمنى الفتاة العشرينية، سوى أن تستكمل دراستها وتتمكن من الالتحاق بكلية الفنون الجميلة لتتوسع في المجال الفني وتطور موهبتها نحو الأفضل:"نفسي أتعلم بجد وألاقي اهتمام حقيقي بينا.. أنا قابلت مهندسين ومخرجين دكاترة وخريجين إعلام كلهم من دار أيتام وحققوا حاجات زيهم زي أي حد في الدنيا".
وتناشد تغريد أحمد، بالاهتمام بالحملات التوعوية التي تغير نظرة المجتمع إلى الأيتام، إلى جانب ضرورة تركيز الإعلام على معاناتهم وإبراز مواهبهم وقدراتهم لتحسين صورتهم:"لازم الناس تبين الحاجات الحلوة فينا.. مش كل حاجة وحشة فيه نماذج كتير كويسة مننا ونفسها تكون أحسن".