البطالة وتأثيرها ومواجهتها في دراسة لـ"العربية للتنمية الإدارية"
ارتبطت قضية البطالة – في الخمسين سنة الماضية – بمشكلة إسكان المناطق العشوائية، حيث تُعد من أهم القضايا القومية في مجال التنمية والأمن القومي المصري.
وتُبرز مشكلة البطالة والمناطق العشوائية ما يعانيه سكان هذه المناطق من حالات معيشية متدنية نتيجة الازدحام ومخالفة قوانين تنظيم البناء، وانعدام الخصوصية، وتفشى الفقر والجهل والمرض والمخدرات والإدمان والشعور بالحقد على المجتمع الحضري، وكذلك ما تحتويه من بؤر إجرامية وإرهابية، وأخطار على الأمن القومي التي هي مسئولية الجميع، سواء الجهات الحكومية أو الأجهزة الشعبية أو الجمعيات الأهلية أو منظمات المجتمع المدني.
وفي هذا الإطار صدر عن "المنظمة العربية للتنمية الإدارية" دراسة جديدة تحت عنوان" تأثير البطالة على الأمن في مصر المشكلة وآليات المواجهة" للدكتور مجدي محمد جمعة عن تأثير البطالة في مصر على زيادة العمليات الإرهابية في مصر، وهدفت الدراسة إلى تحليل ظاهرة البطالة – في الخمسين سنة الماضية - من حيث توزيعها الإقليمي وتطوره عبر الفترة من 1964 – 2014، مع التركيز على أهم الأسباب وراء بروز مناطق تعانى مشكلة بطالة حادة ومزمنة ومتزايدة، خاصة أن انتشار البطالة بمنطقة ما عادة ما يقترن بسعي عمالتها إلى الانتقال إلى مناطق أخرى تقدم احتمالات أفضل للعمل، كما حللت الدراسة طبيعة العلاقة والتأثير المتبادل بين ظاهرتي البطالة والهجرة الداخلية في مصر، وإلى أي مدى كانت البطالة سببًا من أسباب الهجرة الداخلية، ومدى تأثير الهجرة على مشكلة البطالة ونمط توزيعها الجغرافي الإقليمي، كما ينبغي بيان دور ذلك كله في تهيئة الظروف لارتكاب الجريمة والإرهاب.
وأوضحت الدراسة إن المدخل الصحيح لمواجهة مشكلة البطالة في مصر ـ بصفة عامة ـ هو فرض قوى التطور الحضاري باعتبارها أساسًا ضروريًّا لبناء طاقات التوسع والنمو المطرد. ومن الناحية العملية يمكن أن يرتكز ذلك على ثلاث أسس تتمثل في تحقيق طفرة تكنولوجية في القطاع الزراعي وإنعاش القطاع الخاص الوطني، لاسيما في مجال الأنشطة المرتبطة بديناميكية النهضة الزراعية، وتهذيب وتوجيه تدفقات العمالة إلى القطاع غير الرسمي، مع الحد من التدفق العشوائي للهجرة من الريف إلى الحضر من خلال تدخل الدولة لعلاج ما يشوب نشاطه من سلبيات "اقتصادية أو حضارية أو أخلاقية"، و أشارت الدراسة إلى أن هناك نقاط أساسية يجب أن تثار خلال البحث عن الحلول لمشكلة البطالة سواء أكانت على المدى القصير أم على المدى البعيد، ويبرز على قمة هذه النقاط وجوب تشجيع المساهمات الإنتاجية الفردية، مع الاهتمام الخاص بالادخارات والاستثمارات الوطنية الصغيرة في مفرداتها والهائلة في محصلتها الكلية، وهناك اتجاهان أساسيان في هذا الصدد وهما تنشيط الاستثمارات الصغيرة في الإسكان، وتشجيع المدخرات الوطنية المحدودة التي أثبتت التجارب ضخامة محصلتها مقارنة بالإقبال على المشروعات المساهمة.
وأوصت الدراسة بضرورة تضافر جهود جميع الجهات لمواجهة البطالة وتطوير العشوائيات وتلافي السلبيات في جميع المناحي المجتمعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والبيئية والتنموية والأمنية خاصةً ما يتعلق بمواجهة الجريمة والتطرف والعنف، وذلك باعتباره خطوة أولى في الطريق إلى تحقيق شعار "تحيا مصر" على أرض الواقع، كما أكدت الدراسة على أهمية دعم اللجنة المشكلة برئاسة الجمهورية لمراجعة التشريعات من أجل خلق المناخ المشجع على إضافة مزيد من الاستثمارات بواسطة كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص بمختلف فروع أنشطتها، وكذلك إحداث تغيير في أسلوب تخصيص الموارد والاستثمارات ليصبح أكثر توجهًا ناحية المحافظات التي أهملت، حتى يمكن في المستقبل القريب أن تتحول لتصبح مناطق استقرار لا مناطق طرد لسكانها، وإصدار قانون متكامل لتجريم الإرهاب والعنف غير المشروع، وقيام السلطة التنفيذية بالسعي لاختيار فنون إنتاجية كثيفة الاستخدام لعنصر العمل لاستيعاب أعداد كبيرة من العمالة الفائضة، ورصد ودراسة أسباب البطالة، وكذلك رصد ودراسة المتغيرات التنموية ذات المردودات الأمنية، مع التنبؤ بحركتها واتجاهاتها، بما يكفل تطوير الاستراتيجية الأمنية بعناصرها المختلفة، خصوصًا الملكات البشرية والتكنولوجية، لتحقيق الأمن والتنمية على المستويين الفردي والجماعي. وتفعيل دور مجلس الأمن القومي، وكذلك المجلس القومي للسكان في وضع ومتابعة تنفيذ السياسات والبرامج الأمنية والسكانية.
أما فيما يخص منظمات المجتمع المدني فأكدت الدراسة على أهمية دورها في التدريب والتأهيل التحويلي لفئات القادرين على العمل، وكذلك رفع المستوى الاجتماعي والتعليمي للأسرة عن طريق فصول محو الأمية وتنمية الوعي الصحي والبيئي، وأيضًا إنشاء المشروعات الصغيرة وتوفير فرص العمل، وأخيرًا توفير الكوادر المدربة والخبرة الإدارية والتمويل لمشروعات تنمية العشوائيات، ووضع الخطط التسويقية لتصريف منتجات المشروعات مع الأهالي، وتقديم الخدمات المتنوعة مثل: تنظيم الأسرة، وزراعة الحدائق، والتنسيق الجمالي والحضاري والنظافة.