الأسباب الحقيقة وراء انهيار الليرة التركية

الاقتصاد

بوابة الفجر


تواجه تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب اردوغان أخطر تحدياتها الاقتصادية منذ الأزمة المالية في 2001 في أعقاب تسجيل عملتها تدهورا حادا مقابل الدولار.

ومما فاقم من تدهور الليرة التركية ودفعها لفقدان 16 بالمئة من قيمتها تغريدة للرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن فيها مضاعفة الرسوم الجمركية على الالمنيوم والصلب المستورد من تركيا.

لكن المحللين يقولون إن جذور الأزمة في تركيا تعود لما هو أبعد من ذلك، إلى أسباب سياسية والى انعدام التوازن الاقتصادي.

ظهرت أولى بوادر الأزمة عندما قال ترامب في 26 يوليو إن تركيا ستواجه عقوبات لسجنها لنحو عامين القس الاميركي اندرو برانسون بتهمة "الارهاب".

بعد أيام فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين عبر تطبيق قوانين وضعت لمعاقبة مسؤولين أجانب في أعقاب وفاة محام في سجن روسي، وردت تركيا بتدابير مشابهة بحق الولايات المتحدة.

وأثار هذا التور خوف المستثمرين القلقين أساسا إزاء انعكاسات خلاف بين تركيا ودولة عضو في حلف شمال الأطلسي، فتهاوت الليرة التركية بشكل حاد الاسبوع الماضي. ثم صب ترامب الزيت على النار بتغريدته المتعلقة بمضاعفة الرسوم مما تسبب بالتدهور يوم الجمعة.

وقال خبراء الاقتصاد في كابيتال ايكونوميكس إن فرض الولايات المتحدة عقوبات "يتسبب بتوقف تدفق الرساميل".
يؤكد خبراء الاقتصاد أن بوادر الازمة كانت قائمة حتى قبل الخلاف الاخير مع الاميركيين، وأن الحكومة قرّبت موعد الانتخابات من نوفمبر 2019 إلى يونيو هذا العام لاستباق أي تفاقم للازمة ما قد يؤثر على نتائج الانتخابات.

وقال بول تي. لفين، مدير معهد الدراسات التركية في جامعة ستوكهولم إن "الخلاف الدبلوماسي غير الضروري بين تركيا والولايات المتحدة بسبب القس المسجون ... قد فاقم" أزمة اقتصادية كانت موجودة أصلا.

وتتعلق المشكلات الهيكلية في الاقتصاد التركي -- الذي سجل نموا لافتا بنسبة 7,4 في 2017 -- بالتضخم المرتفع الذي تقترب نسبته الان من 16 بالمئة، وبالعجز في الحساب الجاري وبنظام مصرفي مثقل بالديون بالعملة الأجنبية.

وقال حسين سيد، كبير المخططين الاستراتيجيين في مجموعة "اف اكس تي ام"، إن تركيا لديها "خيارات محدودة" في هذا الوضع الذي يضاف اليه الخلاف مع الولايات المتحدة.

وشدد اردوغان الاثنين على أن "الدينامية الاقتصادية لتركيا متينة وقوية ومتأصلة وستستمر كذلك".

منذ توليه الحكم في 2003 قام اردوغان ببناء شعبيته على أساس النمو المرتفع وتنمية المناطق الريفية المحافظة.
ويقول خبراء الاقتصاد إنه يريد الحفاظ على وتيرة النمو، لذلك أوضح أن معدلات الفائدة تقف عائقا ووصفها بأنها "أصل كل الشرور".

كما عبر اردوغان تكرارا عن موقف غير تقليدي بقوله إن معدلات فائدة منخفضة يمكن أن تخفض نسبة التضخم.
وقال لفين إنه رغم التأكيد الرسمي للأزمة مع الولايات المتحدة "كان واضحا منذ بعض الوقت لأي شخص يتابع تركيا أن سوء الإدارة السياسية والاقتصادية للحكومة سيكون لها عواقب".

يبدو أن البنك المركزي غير قادر او غير راغب باتخاذ قرار مخالف لاردوغان بزيادة معدلات الفائدة، ما يثير مخاوف من أن يكون خاضعا لنفوذ اردوغان.

وساهم البنك في مايو في تعزيز الليرة برفع معدلات الفائدة الرئيسية بواقع 300 نقطة قبل وقت قصير من الانتخابات.

غير أنه بعد شهر على الانتخابات، خيّب البنك توقعات السوق بتركه معدلات الفائدة دون تغيير، ورفض بشكل حازم الاستجابة للدعوات المطالبة برفع المعدلات بشكل طارئ.

وقال كونستانتينوس انثيس، رئيس قسم الابحاث في مجموعة "ايه دي اس اس" إن "الإجراءات لتحسين السيولة لا تعالج المسألة الرئيسية وهي تدهور الليرة. إن عدم رغبة اردوغان في رفع معدلات الفائدة تشير الى أن الوضع قد لا تتم تسويته في وقت قريب".

كانت الانتخابات في 24 يونيو نقطة تحول في السياسة التركية. وتولى اردوغان مهامه في يوليو بموجب نظام جديد ألغى منصب رئاسة الوزراء.

وبرز غياب النائب السابق لرئيس الوزراء محمد شيمشك، الشخصية التي يطمئن اليها المستثمرون، عن الحكومة الجديدة.

كما عين الرئيس صهره وزير الطاقة السابق براءة البيرق وزيرا للمالية على رأس وزارة موسعة، وهي خطوة لم تلق قبولا في الأسواق.

وقال لفين "يمكن القول إن عدم تحرك السلطات التركية بشكل فوري وحازم ومنطقي هو الذي ادى الآن إلى التدهور الحاد لليرة التركية".