أبو كف رقيق وصغير.. "محمود" كعب داير على شواطيء إسكندرية

تقارير وحوارات

محمود بائع البالونات
محمود بائع البالونات بالإسكندرية


يتجول بين الشواطئ بجسده الهزيل في صمت، حاملًا بين أنامله الصغيرة مجموعة من البالونات الملونة، التي لا يقوى على حملها لفترات طويلة، فما إن تقع عيناه على شخص يجلس أمام البحر، يطلب منه بهدوء حمل بضاعته لثواني معدودة حتى يستريح قليلًا، ثم يعاود استكمال مسيرته لحصد الرزق، والتي تنطلق منذ الصباح وحتى حلول المساء بلا توقف.

 

فبينما ينهمك أقرانه في السباحة تارة، واللعب بالرمال والضحك تارة أخرى بجوار أسرهم، اعتاد "محمود" الذي لم يتجاوز الثمانية أعوام من عمره، أن يخطف من وقته لحظات يتأمل خلالها هؤلاء الأطفال وهم يمرحون، ثم يستفيق على الفور ليتذكر مهمته التي قطع لأجلها مئات الكيلومترات من منزله في سوهاج إلى الإسكندرية، لجني المال الذي يساعد به والده في سد رمق الأسرة، فيبدأ مرة أخرى في تقمص دور الرجل الصعيدي الصغير، الذي تجبره الحياه على ارتداء ثوب القوة وتحمل المسؤولية منذ الصغر.

 


"كله عشان أكل العيش"، هذه الكلمات التي يصعب على من في عمره فهم معناها، كان يرددها بائع البالونات الصغير ليهون على نفسه مشقة اليوم، حيث أن صعوبات العمل لم تقتصر فقط على حرارة الجو أو السير على أقدامه من شاطئ إلى آخر، بل يزداد الأمر سوءا حينما يواجه معركة الفصال المملة مع الزبائن والتي لا يفهم مغزاها، فيضطر إلى الاستجابة بكل براءة، بل وتصل المعاناة إلى التوبيخ الذي ينهال عليه من زملائه البائعين، الذين يلاحظون قدرته على استدرار عطف المارة والجالسين إلى ملامحه الطفولية:"بس أنا مش بيبقا قصدي حد يعطف عليا.. ومباخدش من حد حاجة زيادة عن حقي".



وبالرغم من الظروف التي حرمته تذوق السعادة التي تعد حقًا مشروعًا لكل طفل في سنه، إلا أن "محمود" دائمًا ما يحرص على منح هذه السعادة بعفوية شديدة وبلا مقابل إلى القادم والذاهب من أمامه، فيقترح على المُصيفين والسائحين أن يلتقطوا الصور التذكارية حاملين البالونات التي يقوم ببيعها، أو يساعدهم أحيانًا بالتقاطها لهم:"عشان الناس تتبسط.. وفي نفس الوقت ممكن تعجبهم ويشتروا وأبقا كسبت".