عادل حمودة يكتب: شعار الحكومة.. ضريبة عقارية وأنا سيدك
مسددو الضريبة فى مأموريات العاصمة يحتاجون إلى جهاز تنفس صناعى والطريق إلى مأموريات الساحل يحتاج سيارة هامر
القانون يفرض إنفاق ربع الحصيلة على المنطقة التى تدفعها ولكن الخدمات فيها تتراجع
فقهاء القانون ومشرعو مجلس النواب: لابد من تعديل القانون لأنه غير دستورى
أتصور أن الدكتورة سامية حسين رئيسة مصلحة الضرائب العقارية لا تغادر مكتبها المكيف.. وتكتفى بمتابعة ما يجرى فى مأموريتها تليفونيا.. وغالبا ما تصدق كل ما تسمع من مساعديها عن وسائل الراحة والرفاهية التى يتمتع بها الممولون وهم يسددون ما أجبروا عليه.
لكن ما تجمع تحت يدى من شكاوى ينسف تلك الخرافة تماما ويحول تلك الجنة الخيالية إلى جحيم من نوع خاص تنفرد به مأمورياتها.
فى الدنيا كلها تدلل الحكومات دافعى الضرائب وتيسر عليهم سدادها وتكشف لهم عن مدى الفائدة التى تعود عليهم من ورائها حتى لا يتحايلوا عليها أو يتهربوا منها.
إذا دخل مواطن هناك مصلحة حكومية ولم يعجبه خدماتها صرخ فى الموظف: أنا دافع ضرائب أما إذا نطق مواطن هنا بتلك الجملة عوقب بتهمة السخرية من موظف أثناء تأدية عمله.
من يدفع الضرائب يحاسب الحكومة على إنفاقها: أين ولم وكيف؟ إلا هنا حيث ترفع الحكومة شعار: ضرائب وأنا سيدك.
تخطر الحكومات الأجنبية مواطنيها فى وقت مناسب بما عليهم من ضرائب حتى يدبروا المال الذى سيدفعونه وتفتح لاستقبالهم مكاتب مكيفة يسهل الوصول إليها ليجدوا موظفين يبتسمون فى وجوههم وربما قدموا إليهم القهوة والفطائر والزهور مثلما نفعل مع الأجانب فى هيئة الاستثمار ولو لم يستثمروا المهم الديكور.
ولكن مأموريات الضرائب العقارية فى أفضل أحياء القاهرة رقيا لا تزيد على شقة ضيقة تتكدس بموظفين فى الحجرات وملفات فى الطرقات دون وجود مقاعد يجلس عليها المواطنون الذين يظلون واقفين ينتظرون الرحمة من السماء لعل رحمتها تهبط فى معجزة لم تتحقق من قبل إلا قليلا.
وغالبا ما تقع الشقة فى طابق مرتفع دون وجود مصعد يسهل الوصول إليها ولابد من استخدام نفوذ عامل البوفيه لمعرفة المسئول المختص والمعلوم مدفوع.
وبسبب الحر وغياب أجهزة التكييف يتضاعف الشعور بالعقاب والعذاب وتنفلت الأعصاب وتنفجر المشاحنات بين موظفين لا ذنب لهم وجمهور لا يطيق نفسه مما هو فيه.
وأغلب الظن أن الحكومة لم تستعد بمقار جديدة للمأموريات العقارية وهى تطبق القانون الجديد واكتفت بالمأموريات القديمة التى كانت لا تحصل إلا العوائد من الناس وهم فى بيوتهم وكانت تلك العوائد قليلة لا تذكر ولا تؤلم من يسددها.
وجربت مأمورية العلمين أن تحصل الضريبة العقارية من ملاك الفيللات والشاليهات فى منطقتها وهم فى قراهم السياحية ولكنها لم تكرر التجربة وأصبح على الملاك الذهاب بأنفسهم إلى المأمورية التى لا يعرفون عنوانها ليجدوا أنفسهم فى طريق غير ممهد يكسر الظهر قبل السيارة وكأنهم سيكتشفون مقبرة أثرية دفن فيها الإسكندر الأكبر أو أحد جنرالات الحرب العالمية الثانية التى دارت معاركها هنا.
وما أن يصلوا إلى المكان الخانق بعد تكرار السؤال حتى يجدوا درجات سلم الصعود إليه مكسورة بما يهدد السقوط منها وتزاحموا معا وكأنهم فى أتوبيس نقل عام.
وحدث أن خاض وزير سابق هذه التجربة وبعد أن نجح فى الوصول إلى مأمورية العلمين بسؤال خمسة أشخاص على الأقل قيل له إنه يتبع مأمورية الضبعة على بعد نحو خمسين كيلومترا.
وتكررت رحلة اكتشاف مأمورية الضبعة بمعاناة أشد فلا أحد يعرف مكانها بما فى ذلك موظفى المصالح الحكومية الأخرى هناك وخلط الأهالى بينها وبين الشهر العقارى وبعد ساعتين من الدوران فى دائرة مفرغة وجد من يرشده إلى المكان الصحيح قائلا: عد إلى الطريق العام فى اتجاه الإسكندرية وخذ يمينك بعد رابع استراحة ستصل إن شاء الله أو على الأقل ستغفر كثيرا من ذنوبك ويمكن وأنت فى هذه الحالة أن يستجيب الله إلى دعائك.
وسمع الرجل النصيحة ولكنه وجد طريقا مهدما لم يعرف إصلاحا منذ تمهيده قبل نصف قرن على الأقل والسيارة الوحيدة التى تصلح للسير فيه هى الهمر التى صممها الجيش الأمريكى لمثل هذه الطرق الوعرة ولكن نجومنا ركبوها بحثا عن التميز.
وبعد نصف ساعة من المعاناة وجد مبنى وحيدا تمزقت اللوحات الإرشادية التى وضعت أمامه للتيسير على المواطنين من شدة الحر والتراب والرياح.
وفى تلك اللحظات تمنى الوزير السابق أن يأتى وزير المالية بنفسه إلى المكان ليعرف أنه يعذب الناس وهو يستقطع قيمة الضريبة المتزايدة من مدخراتهم المتناقصة ويضاعف من عذابهم وهم يبحثون عن مكان سدادها فى حالة لا مثيل لها على وجه الأرض من الصومال إلى بنجلادش ومن فنزويلا إلى جنوب إفريقيا.
أو على الأقل يجبر وزير المالية الدكتورة سامية حسين على خوض هذه التجربة لتدرك بنفسها أن إقالتها أمر واجب لا مفر منه لا تجرؤ على مناقشته.
وما أن سأل الوزير السابق مدير المكتب عن الضريبة التى عليه سدادها حتى عرف أن المنتجع الذى يسكنه لم يأت به إخطار من الوزارة حتى الآن وعندما سأل: كيف يعرف بوصول الإخطار؟ أجاب المدير: عدى علينا كل كام يوم لتعرف ولكنه عندما لمح الحيرة فى عين الوزير السابق قدم إليه رقم تليفونه ليكسب فيه ثوابا وهو يسهل عليه معرفة موعد سداد الضريبة حتى لا يجبر على دفع غرامة التأخير التى تهدد بها الحكومة المتخلفين.
وتتجاوز تلك التجربة حدودها الشخصية إلى ما هو أهم.
إن ثلاثة أرباع حصيلة الضريبة العقارية تستخدمها الحكومة فى أمور تختارها بنفسها ولا يعرفها الذين يسددونها أما الربع الأخير فحسب القانون يخصص لصيانة العقارات والمرافق فى المنطقة التى تدفع فيها وهو ما لا يحدث أبدا.
فى المدن الجديدة والقرى السياحية يدفع ملاكها مصاريف صيانتها وأحيانا يجبرون على دفع رسوم تفرض عليهم لنظافة الطرق المؤدية إليهم دون قانون يقره مجلس النواب كما هو الحال فى القاهرة الجديدة فأين حقهم ونصيبهم فى الضريبة العقارية التى يدفعونها؟ لن تجد إجابة.
وتسدد منتجعات الساحل الشمالى نسبة يصعب تجاوزها من حصيلة الضرائب العقارية لوجود ما يقرب من مائتى منتجع ومنشأة سياحية ولكن الطريق الدولى التى تقع عليه يوصف بطريق الموت ولم يفكر أحد فى توسعته أو تخطيطه أو وضع علامات السلامة عليه.
وهنا يكون السؤال الذى لن تجيب عنه الحكومة: أين تنفق حصيلة الضرائب العقارية ولم لا تنفذ القانون بتخصيص ربع الحصيلة لخدمة المناطق التى يعيش فيها من يدفعها؟.
ويستحيل على اللجان المحدودة لتقدير الضريبة أن تتمتع بالدقة الكافية بسبب قلة عددها وضعف معلوماتها وكثرة أعداد العقارات التى تقدر بعشرات الملايين.
وتتبع القيادة العليا للضريبة مبدأ التقديرات العشوائية والجزافية وهى تدرك أنها خاطئة مما يجعلها تطلب من المعترض أن يتظلم بشرط أن يدفع خمسين جنيها لجدية الطلب فما كان من غالبية الناس أن تظلموا وقبلت طعونهم ولكن ليست هناك لجان كافية للفحص فكان أن جرت تخفيضات عشوائية على التقديرات العشوائية.
ومدت الحكومة مهلة سداد الضريبة بلا غرامات كما أنها اعتبرت الحجز على المتخلفين عن سدادها شائعة مغرضة تولت الرد عليها ولكنها لم تذكر العقاب البديل.
وعادة ما تفرض الضرائب على ما يحقق المواطن من دخل ويمكن أن تزيد نسبة الضريبة بزيادة الدخل ولكن الضريبة العقارية ليست ضريبة على إيراد وإنما على ملكية العقار سواء ملكية بيت أو ملكية مصنع أو شركة أو مكتب.
ولم تعف الضريبة المسكن الخاص إلا إذا قلت قيمته عن مليونى جنيه وتحسب الضريبة على الزيادة وهو نص أتصور ضرورة تعديله ليصبح المسكن الخاص مهما كانت قيمته معفى تماما خاصة وأن أصحابه ينفقون على صيانته الكثير.
والملفت للنظر أن الحكومة تعيد تقدير العقار كل خمس سنوات لتربط الضريبة على قيمته المتصاعدة مما يعنى أنه كلما قدم العقار زادت الضريبة عليه.
وفى ظل تطبيق الإصلاحات الاقتصادية الأخيرة ارتفعت معدلات التضخم بنسب مرتفعة لتتضاعف معها قيمة العقارات شكلا لا فعلا بسبب انخفاض قيمة الجنيه وبذلك الموقف الذى لا ذنب للناس فيه أصبح عليهم دفع ضريبة عقارية أعلى.
وهنا يصبح القانون مهدداً بعدم الدستورية حيث قضت المحكمة الدستورية العليا (القضية رقم 15 لسنة 10 قضائية لسنة 1993) بعدم جواز فرض ضريبة على ما يؤدى إلى زوال رأس المال أو ينتقص منه بدرجة جسيمة والمعروف أن العقار مهما طال عمره سينتهى إلى زوال.
وحسب ما كتب الدكتور عادل عامر فإن الضريبة العقارية مخالفة للدستور لأنها لا تفرض على مال متجدد أو معاملة جارية بل على أصل ثابت مما يعد مساسا بأصل حق الملكية المحمى دستوريا.
ويضيف: أما فرض ضريبة على رأس مال يدر دخلا وبطريقة دورية متجددة ولفترة غير محددة مع زيادة تحكمية مفترضة فى قيمة الضريبة السنوية المستحقة عليه فإنه ينطوى على عدوان على الملكية بالمخالفة لنص المادة 34 من الدستور كما يناقض مفهوم العدالة الاجتماعية الذى نصت المادة 38 من الدستور على قيام النظام الضريبى على أساسه وهو ما يوجب القضاء بعدم دستورية النصين المطعون عليهما.
وكتب الدكتور نور فرحات على حسابه الخاص فى فيس بوك: قولا واحدا فرض الضريبة العقارية مخالف للدستور لأنها لا تفرض على مال متجدد أو معاملة جارية بل على أصل ثابت مما يعنى مساسا بأصل حق الملكية المحمى دستوريا.
ومن جانبه طالب عمرو غلاب رئيس اللجنة الاقتصادية فى مجلس النواب بمراجعة وتصويب قانون الضرائب العقارية بما يحمل من عوار تشريعى يؤدى إلى تسقيع الوحدات المتهربة من الضريبة.
وتتكرر الدعوات الفقهية والنيابية بضرورة إعادة النظر فى القانون حتى لا تفاجئنا المحكمة الدستورية بإلغائه فتجد الحكومة نفسها فى مأزق صعب الخروج منه.
والمؤكد أن إعادة النظر فى القانون ليصبح واقعيا ودستوريا سيخفف من معاناة الناس من جانب وسيخفف من ضغوطهم على الحكومة من جانب آخر.