لأجل الأخلاق الثورية.. "رغداء" تؤسس فريق"الخنساء" لسد عجز الكوادر الطبية في سوريا
لأن حب الوطن أغلى من نفسها، قررت أن تكسر قواعد المجتمع الذي لا يعترف بقدرة المرأة على مواجهة الصعاب، فتنقلت بين المناطق الوعرة كالعصفور طائرًا بجناحيه الصغيرين، خلف أصوات النجدة لتلبي نداء المستغيثين، فتضمد جروحهم وتنقذ أرواحهم التي سالت دمائها دفاعًا عن الأرض والعرض.
ومع بداية تفاقم الأحداث خلال الثورة السورية، بعدما ازدادت وتيرة القصف العشوائي على المدنيين، سلكت ابنة محافظة إدلب السورية، رغداء غنوم، ذات الأربعة وعشرون عامًا، طريقها وسط المخاطر كممرضة حربية، تركز في عملها على إسعاف الحالات على أرض الميدان، واستقبال الإصابات الأخرى في المشفى، أو متابعتهم في منازلهم لتسهيل مشقة التنقل عليهم.
كانت الحاجة الماسة في سوريا إلى الكوادر الطبية والإسعافية العاملة، ضمن أبرز الأسباب التي دفعت الممرضة التي تجاوزت عامها العشرون، لتأسيس فريقها التطوعي "الخنساء"، وتحمل صعوبة التنقل بين المحافظات، والتي فرضها الواجب الإنساني والأخلاق الثورية عليهم كشباب سوريين يمتلكون طاقة كبيرة يجدر استغلالها لصالح حلب:"كما أن دعم أسرتي لي وحثهم لي على خدمة البلاد شجعني بشكل أكبر".
فتبحث "غنوم" في رحلة عملها، عن المناطق المنكوبة، والتي قد تتواجد في مدينتها أو المدن المجاورة التي تتعرض إلى القصف العنيف، وفقًا للحملات الشرسة التي تُشن عليهم:"فكل الأحداث التي مرت في منطقتي كنت متواجدة كممرضة متطوعة منذ تحرير مدينة سراقب لأول مرة وحتى تحرير إدلب ووادي الضيف وخان شيخون".
ولم تتأخر الممرضة العشرينية، عن الاستجابة للنداء للحظة، حيث شاركت أيضًا في تمريض وإسعاف المصابين جراء الكيماوي والذي تسبب في تعرضها للإصابة بالكلور السام مرتين على التوالي، بالإضافة إلى تعرضها ضمن فريقها المسعف إلى إصابات طفيفة جراء القصف بإلقاء البراميل المتفجرة على المشفى التي تعمل بها ثلاثة مرات.
ولأن ذاكرة المسعف تسجل كل اللحظات الصعبة والمواقف المؤثرة، فدائمًا ما تمر أمام عيني "رغداء" كل مساء، مشاهد انتشالها للأطفال من تحت الأنقاض، ولاتزال أذنيها تصمها أصوات البكاء والصراخ بسبب الفزع الذي ينتابهم من هول المنظر الذي يشهدوه يوميًا:"غير المواقف السيئة التي لا أنساها أثناء استشهاد أصدقاء العمل إلى جانبي في الموقع، وهو ما يجعلنا نبكي بحرقة".
ولا تنسى الممرضة الحربية، حينما استشهد أكثر من عشرة أطفال دفعة واحدة، راحوا ضحية مجزرة سراقب، والتي كان من الصعب عليها أن تقدم شيئا لإنقاذهم في ظل تهديدات الخطر التي كانت تحاوطهم، حيث كان يجدر بها أن تؤمن نفسها بموجب التوجيهات الأمنية التي يتم تدريبهم عليها:"حيث تلقينا تدريبات أولية وتدربنا على خطوات سلامة المسعف".
ومع كل الصعاب التي تواجهها رغداء غنوم، خلال العمل، كان لابد أن تطغى مهنتها على حياتها الخاصة:"ولكنني كشابة سورية أعيش أزمة الحرب لا يجب أن أفكر في نفسي، ومع ذلك أحاول إيجاد القليل من الوقت لي، ولكن في المطلق يجب أن ننذر أنفسنا للعمل حينما تقتضي الحاجة لتواجدنا في أي وقت".
كان لجهود سيارة "الخنساء" الإسعافية التي تقودها "رغداء" تقديرًا كبيرًا من المجلس المحلي في سوريا، حيث تم تكريم فريقها عدة مرات، تعبيرًا عن فخرهم بنشاطهم الشبابي الإنساني، والذي لم يتقاضوا عليه أجرًا منذ سبع سنوات من التطوع والتضحية فداء الوطن.
"العمل لم يخلق للشاب بس"، هذا ما تمكنت الفتاة العشرينية من إثباته في حلب، حيث امتهنت أعمالًا خطرة توازي ما يقوم به الرجال باحترافية وإخلاص لايجعل مصطلح "الخطر" عائقًا أماما: "لذلك أتمنى من كل فتيات مجتمعي أن يتخلين عن أنفسهن لأجل عون الآخرين".