ظلم الاحتلال دفعها لتوثيق الأحداث.. عدسة "صفية" تشق طريقها وسط النيران

تقارير وحوارات



"ظلم الاحتلال دفعني لتوثيق الأحداث".. هذه البداية التي صنعت منها مصورة حربية لا تخشى الموت، حيث فرض عليها الواقع الذي تعيشه أرضها فلسطين أن تمسك بالكاميرا الخاصة بها وتتجول بين النيران المندلعة بجرأة، لتنقل معاناة شعبها مع العدو الصهيوني الذي سلب أرضهم.

فخلف عدسة الكاميرا، استقرت عينا صفية عمر، ذات الواحد وثلاثون عامًا، والتي تقطن بالضفة الغربية، شمال بيت لحم، لتلتقط العدو وهو يصوب فوهة أسلحته على أصحاب الأرض ليغتصبها عنوة من بين أيديهم، فيسقط القتلى والجرحى وتتلطخ قدماها بالدماء التي تزكم رائحتها أنفها.



ومع مرور الوقت؛ ازدادت الأوضاع سوءا، فلم تكتفي "عمر" بتوثيق أحداث أرضها كمجرد هاوية، فقررت أن تدرس الإعلام حتى حصلت على دبلوم في تخصص تصوير الفيديو، ومن ثم استمرت في تطوير مهاراتها بالدورات التدريبية التي جعلت منها العين التي ترى  الحدث وتنقله إلى الصحف ووسائل الإعلام المختلفة.

 ومثل كل أسرة تخشى أن تطال يد العدو فتياتها، كان والدا "صفية" يمنعانها في البداية من التمسك بهذه المهنة التي تحمل وابلًا من الأخطار، من الصعب أن تسلم منها في ظل بطش الإسرائيليين: "ولكن مع اشتعال الأحداث، أدركت أسرتي إن الواجب يحتم علينا أن ننقل الصورة بوضوح إلى العالم، بشأن ما يجري في أرضنا الطاهرة، ففرض الواقع علينا التضحية، وبدأ الجميع يشجعني".



فبمجرد أن تدق ساعة العمل، تخرج صفية عمر، من ثيابها المزينة لتستبدلها بثياب العمل التي يصعب التمييز بها بين المرأة والرجل، خاصة بعد ارتدائها للخوذة الواقية التي تخفي ملامح وجهها وسط دخان الغاز المسيل للدموع الممزوج برائحة الرماد التي صنعتها النيران.

"اعتدت على آلام الإصابات"، بهذه العبارة وصفت المصورة الحربية حجم الإصابات التي تعرضت لها وشكلت خطورة كبيرة على حياتها، فبالرغم من اتباعها لإجراءات السلامة المهنية، وابتعادها عن مرمى النيران لتأخذ الجانب الأقل خطورة في الحدث؛ إلا أن المصورة الحربية، واجهت تهديدات الموت مرارًا وتكرارًا، والتي كان أخطرها حينما أصيبت بانفجار قنبلة في الظهر أثناء تغطية لحظة قمع قوات الاحتلال لفلسطينيين حاولوا عبور الجدار للصلاة في المسجد الأقصى بوادي حمص، فضلًا عن إصابتها بالرصاص الحي خلال تغطية إحدى المواجهات في القطاع.



هذه الإصابات لم تتسبب يومًا في تراجع السيدة الثلاثينية عن أداء واجبها المهني، فاستمدت منها القوة الكافية التي منحتها القدرة على المضي بخطى ثابتة: "لن تتوقف مسيرتي لنقل معاناة شعبنا وسنستمر بالعودة إلى الميدان أكثر حماسًا وقوة حتى نلفظ أنفاسنا الأخيرة"، حيث تعود السيدة إلى أرض المعركة تتمتم ناطقة الشهادتين في كل خطوة تُقدم عليها أثناء العمل :"لأني بتوقع شهادتي مثلي مثل غيري بالمواجهات في أي لحظة.. وعمومًا ما بنعرف شو مخبيلنا القدر".

وبينما تحاول "صفية" أن تُصور للجميع إنها امرأة حديدية القلب؛ تخفي هذه السيدة خلف عدسة الكاميرا، عيناها اللتان تعكسان حقيقة شخصيتها العاطفية التي أجبرتها الغريزة الأنثوية على امتلاكها، حينما ترصد طفلًا تكسوه الدماء، أو أمًا تنهار من البكاء أثناء توديعها لأبنائها ممن اخترق رصاص الاحتلال أجسادهم بلا استئذان، أو حينما توثق جنازات الشهداء التي تنفطر القلوب فيها حزنًا على فراق الأحباب، فتتلألأ عيناها بالدموع تأثرًا بهذه المشاهد المؤلمة.



ولايتوقف عمل المصورة الثائرة على الجانب المهني فقط، فبمجرد أن تلمح خطرًا يقترب من شخص أو مصاب يحتاج إلى المساعدة، تلقي بالكاميرا جانبًا وتركض نحوه مقدمة الدعم النفسي تارة، والعطور والكحول المعقمة تارة أخرى: "في هذه اللحظات بتمنى إنه يكون لي دور في إنقاذ أكبر كم من الفلسطينيين أهل بلدي".

وكامرأة يفرض عليها واقعها، أن تصبح زوجة تؤدي واجباتها على أكمل وجه، تحرص صفية عمر، على تقسيم وقتها بين العمل والمنزل وكل ما يتعلق بالحياة الشخصية: "كل شيء في حياتي أعطيه حقه ووقته"، خاصةً أن أكثر ما ساعدها على التوفيق بين كافة جوانب الحياة هو عملها بالضفة الغربية والتي تشمل بيت لحم والخليل ورام الله والتي تتضمن أحداثًا أقل خطورة وحساسية من قطاع غزة الذي يشهد مواجهات شبه يومية لا تنقطع".



تمتلك هذه المصورة الثلاثينية، حلمًا واحدًا فقط، وهو أن تصبح صحفية مشهورة: "وصلت لهذا الشيء بالفعل بس أطمح أنشهر بزيادة وأثبت إنه خلاص بطل يكون فيه شغل للرجل وشغل للمرأة"، حيث ترى إن خوضها تجربة هذه المهنة تجعلها أكبر دليل على أن المرأة قادرة أن تصبح بقوة الرجل، ولا يمكن أن تمنعها حجة من السير على خط النار طالما امتلكت شغفًا وطموحًا تسعى خلفه بلا حسابات لمخاطر هذه المهنة: "بتمنى كل السيدات تقوي حالها وما تخاف من حدا، لأنه في النهاية المرأة من حقها يكون لها اسم بالمجتمع".