الجمعية السرية التى تدبر اغتيالات النجوم والمفكرين فى مصر.. صفحات من مذكرات عادل حمودة (27)
محمد نسيم أيقظنى فى الفجر ليكشف لى أكاذيب الموساد ضد رأفت الهجان ويكشف عن ملف الجاسوس المصرى الذى كشفته إسرائيل
القضاء أنصف يسرا فى قضية ضابط الشرطة.. ولكن يبقى السؤال الصعب: من وراء المسئول الكبير الذى دبر الحادث؟
الجناح السياسى للتنظيمات الإرهابية أغرق المحاكم بمئات من قضايا الحسبة ضد المبدعين ونجحنا فى تغيير القانون الذى ينظمها
رجال حسن الألفى اخترعوا قضية ضد وفاء عامر وحنان ترك لتنشغل الصحافة بعيدا عن تصرفاته الشخصية وإخفاقاته الأمنية
لا يكفى رقم توزيع صحيفة مهما كبر أن يمنحها قوة التأثير وسهولة التغيير ما لم تتمتع بمصداقية فى معلوماتها وجرأة فى خوض معاركها.
فى فجر يوم 26 أغسطس 1993 رن جرس التليفون بإصرار عنيد أجبرنى على الاستيقاظ منزعجا، ولكنى أخفيت مشاعرى عندما سمعت صوت محمد نسيم الذى طلب أن يلقانى فى روزاليوسف قائلا بحسم: سأكون عندك مسافة السكة.
لا يخفى على أحد أن نسيم كان واحدا من أكفأ ضباط المخابرات الذين ساهموا بعملياتهم الناحجة فى بناء سمعة الجهاز ولكنى لم أتعرف عليه إلا بعد أن ترك الخدمة وتولى رئاسة هيئة تنشيط السياحة والتقيت به أول مرة وجها لوجه فى فندق أوراسى بمدينة الجزائر وهو يجهز لمهرجان فنى وثقافى يمهد به لإعادة العلاقات السياسية بين مصر والجزائر التى قطعت بعد زيارة السادات إلى إسرائيل.
وعلى مائدة عشاء ضمت يوسف شاهين وعزت العلايلى وآثار الحكيم راح نسيم يحكى لنا الكثير عن المهام السرية الصعبة التى نفذها ومنها دعم رأفت الهجان (أو رفعت الجمال) بعد زراعته فى إسرائيل وتفجير الحفار فى أذربيجان وتدريب المعارضة الإيرانية للشاه وتهريب عبد الحميد السراج أحد مؤيدى عبد الناصر فى سوريا من سجن المزة إلى بيروت ومنها إلى القاهرة وغيرها من العمليات المميزة.
ورحت أتأمله فى صمت لا يخلو من الاستغراب فهو مختلف تماما عن نموذج رجل المخابرات فى السينما على طريقة جيمس بوند الذى يسحق كتيبة من المهاجمين فى ثانية ويقفز من طائرة إلى غواصة ومن غواصة إلى فراش أجمل النساء.
كان يتابع كل التفاصيل بدقة مذهلة بما فى ذلك مسامير خشبة المسرح ودرجة الخشونة المناسبة للأرض التى سيمشى عليها النجوم حتى لا تتسبب نعومتها فى سقوطهم.
إننى أمام رجل هادئ الملامح واثق فى نفسه يعرف متى يكون صارما ومتى يكون متسامحا والأهم أنك لا تستطيع أن تخرج معلومة منه إلا إذا شاء فهو مدرب على التحكم فى حنجرته قبل أعصابه.
دخل نسيم مكتبى فى السابعة صباحا وبدا وكأنه لم ينم الليل أما السبب فهو أن صحيفة معاريف الإسرائيلية وصفت رأفت الهجان بأنه كان عميلا للموساد وحسب ما نشرت فإن الهجان ابن قهوجى دخل كلية البوليس ولم يستمر فيها وجنده ضابط فى المباحث العامة لمراقبة اليهود فى مصر وبعد أن دفعت به المخابرات المصرية إلى إسرائيل قبضت عليه المخابرات الإسرائيلية وهو فى فراش امرأة نجحت فى كشف حقيقته.
جاءت أكاذيب إسرائيل فى وقت تحولت فيه قصة الهجان إلى مسلسل تليفزيونى كتبه صالح مرسى ضاعف من كراهية العرب لها وأحرج أجهزتها الأمنية التى تفخر بها.
كان نسيم يشعر بأن ما نشر فى إسرائيل إهانة لا تقتصر على ذكرى الهجان وإنما تمتد إليه شخصيا ومهنيا قائلا: ليس هناك سوى روزاليوسف للرد على هذه الأكاذيب فأنتم المجلة السياسية الوحيدة التى تذاكرها المؤسسات الإسرائيلية من المانشتات إلى الإعلانات.
واستطرد: لو كانت معاريف حقيقة فلم تأخر الموساد فى نشرها؟ لماذا لم تنشرها بعد هزيمة يونيو ونفوسنا مكسورة؟ ولماذا لم تنشرها بعد حرب أكتوبر لترفع بها معنويات جيشها المهزوم؟ لقد تعمدت إسرائيل الخلط بين الهجان وعميل مصرى آخر هو زكى سليم كيتشوك وهو أرمينى جهزنا تغطيته ليكون يهوديا تركيا وبعد إرساله إلى أمريكا اللاتينية أقنعه الملحق العسكرى الإسرائيلى فى البرازيل بالهجرة إلى إسرائيل ونجح هناك فى التغلغل داخل المجتمع الراقى إلى حد أنه اختير لحمل جثمان شخصية يهودية بارزة وكان ذلك دليلا على أنه خدعهم.
وواصل نسيم: ولكن كيتشوك أحب فتاة إسرائيلية شقيقها ضابط فى الأمن وكانت هذه نقطة ضعفه التى حذرناه منها وبعد عام قبض عليه وبعد التحقيقات التى جرت معه نشروا القصة وأغروه بالمال ليعمل لصالحهم ولكننا كشفناه.
وأضاف نسيم: إن إسرائيل لا تتأخر فى كشف العملاء المزدوجين أو العملاء الذين يسقطون فى شباكها والهجان كان موجودا قبل الكشف عن قضية كيتشوك بسنوات طوال فلم لم يعلنوا قصته؟ لا يوجد جهاز مخابرات يؤخر نشر قصة لصالحه 20 سنة ولكن ما نشر عن الهجان كان دليلا على أن إسرائيل تعانى من فضيحة وجود جاسوس مصرى فيها دون أن تكشفه.
وبنشر ما ذكره نسيم صرنا صديقين وتعددت اللقاءات بيننا بعد أن وثق فى أننى لا أثرثر بما يقول وظللت قريبا منه حتى دخل غرفة الرعاية الفائقة فى مستشفى وادى النيل ولم يخرج منها إلى الحياة مرة أخرى وأغلب الظن أنه ظل مهموما بسبب ما فعل ابنه الأكبر هشام الذى تزوج من فتاة يهودية وأنجب منها فتاة ضمها إليه ودخل فى سلسلة من المشاكل مع شريكه الألمانى فى مركز الغوص الذى افتتحاه معا وفرض ذلك تدخلى لدى وزير السياحة ممدوح البلتاجى لتسوية الأمور بينهما.
ولكن ذلك لم يقلل من قيمة محمد نسيم والدليل على ذلك أننى نشرت كتابا عنه ألفه نبيل عمر كما أننى بدأت به برنامجى حكاية وطن بحلقة عنه تحدثت فيها زوجته لأول مرة على شاشة قناة فضائية.
وفى البرنامج تحدثت يسرا عن عمها محمد نسيم لتكشف جانبا من حياته لم نكن نعرفه وأضفت على شهادتها لمسات سحرية خرجت من مخزون مشاعرها الذى لم تنقص منه الصدمات التى تعرضت إليها شيئا.
عرفت يسرا فى وقت تألقت فيه على شاشة سينما يوسف شاهين ببطولة فيلم المهاجر الذى أثار عرضه عام 1994 ضجة دينية حين اتهمه متطرفون بأنه يروى قصة سيدنا يوسف ولكن قوة روزاليوسف فى تبنى الموقف المستنير أنقذ الفيلم من المنع والمصادرة.
ودعمت الحملة المساندة للفيلم باختيار صورة ليسرا غلافا للمجلة ولكن وجدت اعتراضا من أعضاء فى مجلس التحرير يرون أن اقتراحى لا يناسب مجلة سياسية أصبحت مؤثرة مثل روزاليوسف وقبل أن نلجأ للتصويت ذكرتهم بأن روزاليوسف أسستها نجمة مسرحية جريئة بجانب أن يسرا تألقت بجانب المهاجر فى أفلام تناقش قضايا جادة مثل ألإرهاب والكباب و المنسى بمشاركة عادل إمام وكتابة وحيد حامد وإخراج شريف عرفة ولم يجد المعترضون مبررا للتمسك بموقفهم.
وفيما بعد وجدت ممثلة سينمائية اشتهرت بتعرية جسمها تطلب منى التخطيط لحملة دعائية تدفع بها إلى سماء النجومية وعرضت مبلغا مغريا من المال ولما أبديت دهشتى من عرضها قالت: أشمعنى يسرا فقد تصورت إن يسرا لمعت بخطة دعائية دفعت ثمنها ولم تصدق أن رؤيتها عارية من الصحة تماما وكل ما فعلت أن زادت من المبلغ فلم أعد أحترمها أو أصافحها.
لم تفهم تلك المرأة التى فرضت نفسها على الفن أن يسرا موهبة متميزة وشخصية ثرية المشاعر تسامحت مع كل من أوجعوها مما أضفى على خبرتها الفنية عمقا إنسانيا أدخلها أوصلها إلى جمهورها العريض بسهولة.
ذات يوم فى عام 1994 طلبت يسرا أن القاها فى فيللا عتيقة مقابلة لفندق سميراميس تصور فيها فيلم حرب الفراولة الذى أخرجه خيرى بشارة وما إن رأتنى حتى طلبت إذنا بالراحة لنصف ساعة ودخلنا مطبخ الفيللا لتكشف لى عن خبر زواجها الذى لم تكن قد أعلنته بعد.
الزوج شاب فلسطينى اسمه فادى الصفدى قدم نفسه إليها على أنه رجل أعمال لبنانى واتضح فيما بعد أنه أحد حراس ياسر عرفات.
تقدم إليها دون سابق معرفة طالبا موعدا مع أمها (السيدة سهيلة) ليطلب منها يدها لتكون زوجته وأم أولاده وفى وقت لاحق ركب معها سيارتها المرسيدس الحمراء ليذهبا معا إلى بيت والدتها فى مصر الجديدة وفى الطريق عرفت أنه من مواليد برج الأسد واطمأنت إلى أنه يتوافق مع برجها (الحوت) فلكيا فقد كانت تعتقد فى مثل هذه الأمور، رغم أن رقم العمارة التى كانت تسكنها فى ذلك الوقت كانت تحمل رقم (13).
واستسلمت الأم لرغبة ابنتها فهى تعرف أنها عنيدة ولكن اللافت للنظر أن يسرا سألت الصفدى لحظة توقيع عقد الزواج: أنت بتشتغل إيه بالضبط؟ وهو ما يكشف عن جانب مهم فى شخصيتها وهو أنها شخصية عاطفية لا تهتم بالمال أو الجاه.
وسافرا إلى بيروت لتتعرف على عائلته وتوثق الزواج هناك وعادا بعد أسبوع لتكمل فيلمها الذى كان يناقش قضية السعادة.
ولم تمر سوى شهور قليلة حتى حملت ولكنها أصيبت بتسمم من أكلة لبنانية واضطرت إلى إجهاض الجنين بعد أن تناولت جرعات كبيرة من المضادات الحيوية.
كان من حسن حظها أنها لم تنجب الطفل فقد اتضح أن الصفدى ليس رجل أعمال وإنما بودى جارد للزعيم الفلسطينى الذى كان يلقى إليه بحفنة دولارات من وقت إلى آخر كما أنه لم يكن كفئا لها مما جعله يحاول إثبات ذاته بقسوة عاملها بها دون مبرر.
وحدث أن كانا فى سفينة نيلية تصور فيلما ليوسف شاهين عندما واجهت موقفا صعبا معه ولكنها كتمت انفعالاتها حتى لا يعرف طاقم الفيلم ما حدث فيعتدوا عليه.
وقبل أن يمر العام الأول لزواجها التقيت بها ليلا مع الفنان الراحل مصطفى متولى لنسمع منها رغبتها فى الطلاق ولم يتردد الصفدى فى تنفيذ قرارها ولكننا خشينا أن تظل على ذمته بعد توثيق الزواج فى بيروت فسعينا لمن يقدر على التدخل لدى أبو عمار حتى ينهى الأمر تماما.
ولم أشأ أن أنشر التفاصيل فى وقتها والجراح ساخنة ولكنها الآن جفت تماما وتدلل على أن الفنان الذى يسعد الناس ربما لا يكون قادرا على النوم من شدة ما يعانى من آلام نفسية ولكن تلك الآلام تضيف مخزونا من المشاعر ولو كانت سلبية تساعده وهو يؤدى دورا صعبا أمام الكاميرات لا يتخيل أن يؤديه.
والحقيقة أن يسرا تألمت كثيرا فى حياتها وظلمت أكثر وهى تعيشها ولكنها لم تفقد ابتسامتها وحبها للناس وقدرتها الهائلة على التسامح.
لقد اقتحم ضابط شرطة منزلها وادعى أنه على علاقة بها وبدا الحادث مريبا فبيوت النجوم من زجاج نعرف كل ما فيه أولاً بأول ولو كان ما ادعاه الضابط صحيحا لما فوجئنا خاصة أن يسرا تعودت الصراحة معنا دون مواربة وربما لهذا السبب لم تتكلم مع أحد من الصحفيين حول الحادث معنا أنا ومحمد هانئ رئيس قسم الفن فى روزاليوسف.
واشتدت الحرب على يسرا بسبب زوجة الضابط الصحفية فى الأهرام هى ووالدها وقد عقدا مؤتمرا صحفيا نسبا فيه إلى يسرا ما جعلها تلجأ للقضاء وبالفعل حكم القاضى صلاح مهران رئيس محكمة جنح مصر الجديدة على الصحفية ووالدها بالسجن ستة أشهر وكفالة 200 جنيه لإيقاف التنفيذ وغرامة مالية وألف جنيه تعويضًا مؤقتًا.
ساندنا يسرا ليس لموقف شخصى وإنما لتأكدنا أنها على حق ولكن يبقى الحادث لغزا لم نفك طلاسمه هل رفضت يسرا طلبا لمسئول ما فانتقم منها؟.
وبهذا الموقف أصبحت روزاليوسف محامى الوسط الفنى والمدافعة عنه خاصة فى وقت اشتد فيه الإرهاب والتشدد وهما خصمان لكل إبداع ولا يعيشان فى وجوده.
بل أكثر من ذلك انتشرت ما يسمى بقضايا الحسبة التى رفعها الجناح السياسى للتنظيمات المتطرفة بواسطة فرق متعددة من المحامين ضد أفيشات الأفلام ورسومات الكاريكاتير وصور النجمات ومقالات النقاد.
وطالت تلك القضايا عادل إمام ونادية الجندى ومحمد عبد الوهاب وكان علينا التصدى إليها بالضغط على الدولة لتصدر قانونا يمنع قضايا الحسبة بدعوى مباشرة ويفرض اللجوء إلى النيابة العامة قبل الذهاب إلى المحاكم وهذه قصة أخرى سننشر تفاصيلها فيما بعد.
ولكن المثير للدهشة أن بعض القضاة تناسوا ذلك القانون وحكموا فى دعاوى مباشرة رفعت على عادل إمام وغيره من النجوم وحكموا عليهم بالسجن وإن نقضت الأحكام عند درجة تقاضى أعلى مما يثبت سلامة النظام القضائى فى مصر.
فى تلك الفترة وصلت ثقة المبدعين فى روزاليوسف إلى حد غير مسبوق فكان يوسف شاهين يخصنا بصور تكريمه فى مهرجان كان وشاهدنا أفلام وحيد حامد فى عروض خاصة قبل غيرنا ودعينا إلى مناسبات فنية محدودة فى بيت سمير خفاجى لنستمع إلى وديع الصافى وسط عدد قليل من الشخصيات العامة.
وذات يوم فوجئنا باتهام فنانتين عرفتا بالتزامهما الأخلاقى هما وفاء عامر وحنان ترك فى قضية آداب وراحت الصحف تنهش فى سمعتهما ولكن تحرياتنا أثبتت أنها قضية مدبرة من رجال وزير الداخلية حسن الألفى لإلهاء الرأى العام عن الهجوم الذى يتعرض له بسبب تصرفات شخصية وانهيارات أمنية وكان أن كتبت مقالى السياسى مستنكرا ذلك مطالبا بمحاكمة الجناة الذين يتنكرون فى ثياب جنرالات فى الشرطة ولكنهم ردوا بتحريض رجالهم فى الصحف بالهجوم علينا.
وتحملت كثيرا من الوقاحة الصحفية والمراقبة التليفونية شهورا طويلة حتى ظهرت الحقيقة وبشجاعة شكرتنى وفاء عامر فى كثير من حواراتها الصحفية والتليفزيونية فيما بعد.
وتكرر الأمر نفسه مع سماح أنور التى اتهمت بوضع مخدرات فى سيارتها وقامت القيامة عليها ولكن عندما حققنا القضية وجدنا أنها تستحق المساندة فلم نتردد فى تقديمها حتى ثبتت براءتها.
إن المجتمع فى بلادنا يعانى من شيزوفرانيا حادة وهو يتعامل مع نجومه ونجماته فهو يعشقهم إلى حد تعليق صورهم فى البيوت والمقاهى والمطاعم وفى الوقت نفسه لا يتردد فى قبول الشائعات السلبية عليهم ويتعامل معها على أنها حقائق وكثيرا ما يرفض براءتهم مما ينسب إليهم.