مي سمير تكتب: عمليات بريطانيا العسكرية السرية فى الشرق الأوسط
قتل.. وتجسس.. وأسلحة غير مشروعة
أطالت أمد الحروب فى بعض المناطق وساعدت الولايات المتحدة بمعلومات مخابراتية مستمدة من أنشطة تنصت غير معلنة
فى تحقيق نشره موقع TruePublica، هذا الأسبوع بعنوان "أكثر القصص العسكرية سرية ببريطانيا"، سرد أشهر القصص التى حذفتها الرقابة فى العصر الحديث فى بريطانيا، التى لعبت أجهزتها الأمنية والجيش دورا ما فى تلك القصص.
واستعرض الموقع أهم القصص التى عرفت طريقها فى النهاية للصحافة، وكانت سبباً فى إحراج الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ الثمانينيات، والمثير أن أغلب القصص يلعب فيها الشرق الأوسط دور البطولة.
1- مينويث هيل.. عمليات التجسس فى الشرق الأوسط
على مدى سنوات، تكهن الصحفيون والباحثون حول ما يجرى حقاً داخل مركز مينويث هيل فى شمال يوركشاير، بينما قامت جماعات حقوق الإنسان وبعض السياسيين بحملة من أجل مزيد من الشفافية حول الأنشطة التى تجرى داخل المبنى.
ورغم حالة التعتيم، أظهرت الوثائق الحكومية فى النهاية كيف استخدمت وكالة الأمن القومى الأمريكية «ناسا»، القاعدة البريطانية للمساعدة فى عدد كبير من عمليات القتل والاستيلاء فى جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مدعومة بتكنولوجيا التنصت القوية، التى تمكن القاعدة من جمع البيانات من أكثر من 300 مليون بريد إلكترونى وهاتف يومياً.
على مدى العقد الماضى، تظهر الوثائق أن وكالة الأمن القومى كانت رائدة فى إطلاق برامج تجسس جديدة فى مينويث هيل، لتحديد مواقع الإرهابيين المشتبهين الذين يدخلون الإنترنت بالمناطق النائية من العالم.
وقدمت البرامج التى تحمل أسماء مثل مطاردة الأشباح، والشبح الذئب، الدعم للعمليات العسكرية البريطانية والأمريكية التقليدية فى العراق وأفغانستان، لكنهم ساعدوا أيضا بعثات سرية فى بلدان لم تعلن فيها الولايات المتحدة أو بريطانيا الحرب.
وتعاون الموظفون من ناسا ومينويث هيل، فى مشروع للمساعدة فى القضاء على أهداف الإرهاب فى اليمن، على سبيل المثال، حيث شنت الولايات المتحدة حملة قصف بالطائرات بدون طيار المثيرة للجدل، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين.
الكشف عن دور مركز مينويث هيل، يثير تساؤلات جديدة حول مدى تواطؤ بريطانيا فى هجمات الطائرات بدون طيار الأمريكية وغيرها مما يسمى بعثات القتل المستهدف، التى انتهكت فى بعض الحالات القوانين الدولية، أو تشكل جرائم حرب.
والجدير بالذكر أن حكومات المملكة المتحدة المتعاقبة، أعلنت أن جميع الأنشطة فى القاعدة تتم بـ «المعرفة الكاملة والموافقة» من المسئولين البريطانيين.
2- أسلحة نووية غير شرعية
قامت جنوب إفريقيا بتشغيل برنامج سرى للصواريخ البالستية النووية فى ثمانينيات القرن العشرين، وردت الأمم المتحدة على هذا البرنامج بفرض حظر إلزامى ضد جنوب إفريقيا، لمنع تطوير وصنع هذه الأسلحة، وكانت النتيجة أن 9 أسلحة نووية، حسب الموقع، اشترى منها ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطانى السابق، 3 بأموال دافعى الضرائب، قبل أن يبيعها لأيدى غير آمنة، وحاز حزب المحافظين على ما يقرب من 18 مليون جنيه إسترلينى.
يضيف الموقع أن الأسلحة تم تخزينها بطريقة غير آمنة، فى شبه الجزيرة العربية، قبل بيعها، تحت عنوان «متطلبات تشغيلية عاجلة»، ووصفت بأنها أسطوانات معدنية.
3- القتل الحرارى
وفقا للجنة الصليب الأحمر الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، يعد استخدام السلاح الحرارى ضد السكان، نصف جريمة حرب، وقد كشفت وزارة الدفاع البريطانية للمرة الأولى - عن طريق الخطأ، منذ بضعة أشهر فقط - أن طائرات بلا طيار تطلق أسلحة حرارية فى سوريا، وجاء الإفصاح فى استجابة لقانون حرية المعلومات حول حروب الطائرات بدون طيار، التى توضح بالتفصيل استخدام طائرات «ريبر» خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وتعد جرائم القتل غير المعلن عنها فى الشرق الأوسط، بمثابة أمر معتاد للجيش البريطانى، حسب تقرير الموقع، وقبل الهجوم البريطانى الأمريكى على العراق فى 2003، تم فرض نظام عقوبات من قبل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والأمم المتحدة على العراق بذريعة حرمان صدام حسين من المواد الضرورية لصنع أسلحة الدمار الشامل، وشملت المواد المحظورة عددا كبيرا من المواد اللازمة للحياة اليومية، ومنذ ذلك الوقت أظهرت أرقام الأمم المتحدة أن 1.7 مليون مدنى عراقى ماتوا بسبب نظام العقوبات الوحشية الذى فرضه الغرب، نصفهم من الأطفال. وعلى سبيل المثال حظرت الأمم المتحدة المعدات الضرورية لنظام معالجة المياه، ما يعنى أنه فى العراق وحده قتلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة 1.9 مليون عراقى من عام 1991، ثم من عام 2003 قتلت أكثر من مليون عراقى.
4- حروب سرية
فى نفس السياق، كشف الكاتب مارك كيرتس، فى تقرير تحت عنوان حروب بريطانيا السرية، كيف تورطت بريطانيا بشكل غير معلن فى عدد من الحروب، وحسب الكاتب شاركت فى تدريب قوات المعارضة السورية من قواعد فى الأردن عام 2011، كما بدأت الطائرات البريطانية ضربات سرية ضد أهداف داعش فى سوريا فى عام 2015، قبل أشهر من تصويت البرلمان لصالح إجراء علنى فى ديسمبر عام 2015، وتم تنفيذ هذه الضربات من قبل طيارين بريطانيين داخل القوات الأمريكية والكندية.
فى العراق يتواجد المئات من أفراد القوات البريطانية بشكل رسمى لتدريب قوات الأمن المحلية، لكنهم يشاركون أيضا فى عمليات قتالية سرية ضد داعش، ويشير تقرير حديث إلى أن بريطانيا لديها أكثر من 200 جندى من القوات الخاصة فى البلاد، يعملون انطلاقا من قاعدة محصنة داخل مخيم البشمركة الكردستانى جنوبى الموصل، وتم نشر طائرات «ريبر» البريطانية، لأول مرة فوق العراق عام 2014، ويتم التحكم فيها الآن عن بعد بواسطة القمر الصناعى من قاعدة تابعة لسلاح الجو الملكى فى لينكولنشاير.
وأجرت بريطانيا أكثر من 200 ضربة بدون طيار فى العراق منذ نوفمبر 2014.
وحسب كيرتس، تقوم المخابرات العسكرية البريطانية فى ليبيا بمهام لجمع معلومات عن نشاط تنظيم داعش، ووضع أهداف محتملة للضربات الجوية، كما يقال أن القوات الخاصة البريطانية تقاتل وتوجه هجمات على الخطوط الأمامية الليبية، وتقوم بتشغيل عمليات استخبارات، ومراقبة، ودعم لوجستى من قاعدة فى مدينة مصراتة غرب البلاد، وهناك مزاعم ترجع لعام 2016 عن تواجد فريق من 15 جنديا بريطانيا موجود فى مركز عمليات عسكرية متعددة الجنسيات بقيادة فرنسية فى بنغازى شرق ليبيا.
فى أفغانستان تم الإعلان أن القوات البريطانية انسحبت فى نهاية 2014، ومع ذلك بقى جزء من تلك القوات للمساعدة فى إنشاء وتدريب وحدة القوات الخاصة الأفغانية، رغم وجود مستشارين رسميين فقط فى أفغانستان، وفى أغسطس 2015 تم الإعلان أن القوات البريطانية كانت تقاتل داعش ومقاتلى طالبان، وفى عام 2014 صرحت الحكومة بأنها أنهت برنامجها للهجمات الجوية بدون طيار فى أفغانستان الذى بدأ فى 2007، لكن فى عام 2015 ورد أن القوات الخاصة البريطانية كانت تطلق غارات جوية باستخدام طائرات أمريكية بدون طيار.
باكستان والصومال، هما دولتان أخريان حيث تقوم بريطانيا بحروب سرية، ويسهل مركز مينويث هيل البريطانى للتجسس ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار ضد الجهاديين فى كلا البلدين، حيث قامت بريطانيا بتقديم معلومات حول المواقع للقوات الأمريكية.
وقالت الحكومة البريطانية إن لديها 27 فردا عسكريا فى الصومال، يقومون بتطوير الجيش الوطنى، ودعم بعثة الاتحاد الإفريقى، ومع ذلك أفيد فى عام 2012 أن القوات الخاصة البريطانية كانت تقاتل سرا ضد حركة الشباب الإرهابية فى الصومال، وتعمل مع القوات الكينية من أجل استهداف قادة التنظيم، وشارك فى هذا الأمر ما يصل إلى 60 جنديا من قوات الأمن الخاصة، أى سرب كامل تقريباً، بما فى ذلك وحدات التحكم فى الأجواء الأمامية، التى استدعت ضربات جوية ضد أهداف لحركة الشباب بواسطة القوات الجوية الكينية.
كانت حرب الطائرات بدون طيار السرية، التى نفذها أسطول سلاح الجو الملكى، والتى تتضمن أسطولا من 10 طائرات من دون طيار، تعمل بشكل دائم فى أفغانستان سراً منذ أكتوبر 2007، وبدأت العمل خارج أفغانستان فى 2014، وتلاحظ منظمة ريبريف غير الحكومية أن بريطانيا توفر شبكات اتصالات لوكالة المخابرات المركزية، بدونها لن تكون الولايات المتحدة قادرة على تشغيل برنامج الطائرات بدون طيار.
ولدى بريطانيا العديد من الأصول العسكرية والاستخباراتية الأخرى فى المنطقة العربية، وتظهر الملفات التى تسربت من قبل إدوارد سنودن، أنها تمتلك شبكة من 3 قواعد تجسس تابعة لمقر الاتصالات الحكومية البريطانية «منظمة استخباراتية وأمنية مسئولة عن توفير معلومات استخبارية ومعلومات» فى عُمان - تحمل الاسم الرمزى «تيمبانى»، و»قيثارة»، و»كلارنيت»-، والتى تستعين بالكثير من الكابلات تحت البحر التى تمر عبر مضيق هرمز إلى الخليج، وتقوم هذه القواعد باعتراض ومعالجة كميات هائلة من رسائل البريد الإلكترونى، والمكالمات الهاتفية، وحركة الويب نيابة عن وكالات الاستخبارات الغربية.
حسب تقرير مايكل كيرتس، تقول الحكومة إن لديها سبعة عسكريين «معينين بشكل دائم فى قطر»، وعدد إضافى من «الأفراد المؤقتين» العاملين فى قاعدة العديد الجوية بالدوحة، ومن المرجح أن تكون هذه القوات سرية، وتقول الحكومة «إننا لا نناقش أرقاما محددة لأسباب تتعلق بحماية الأمن التشغيلى».
وتستضيف كينيا ثكنات كهاوا غريشون البريطانية، وقاعدة لايكبيا الجوية، حيث يمكن نشر الآلاف من الجنود الذين يجرون تدريبات عسكرية فى الأراضى الوعرة فى كينيا.
كما قدمت تركيا قاعدة للتدريب العسكرى البريطانى فى 2015، على سبيل المثال نشرت بريطانيا العديد من المدربين العسكريين إلى تركيا كجزء من برنامج التدريب الذى تقوده الولايات المتحدة فى سوريا، حيث قدمت الأسلحة الصغيرة، وتكتيكات المشاة، والتدريب الطبى للقوات المتمردة.
ويشير مايكل كيرتس، إلى أنه عند سؤال وزارة الدفاع البريطانى عن هذه الأنشطة السرية، فإن لديها ردان، أحدهما هو عدم التعليق على عمليات القوات الخاصة، والآخر هو الكذب الذى أصبح روتينيا، وسياسية شبه رسمية.
على سبيل المثال تم الإبلاغ لأول مرة فى مايو 2016، عن تورط القوات البريطانية سرا فى القتال فى ليبيا، وجاء هذا الخبر بعد يومين من إخبار وزير الدفاع البريطانى للبرلمانيين، بأن بلاده لا تخطط لأى دور قتالى، لمحاربة داعش فى ليبيا.
تحدث الكاتب عن السياسة الخارجية البريطانية، ووصفها بأنها فى وضع متطرف، حيث لا يعتقد الوزراء أنهم يجب أن يكونوا مسئولين أمام الجمهور، مؤكدا أن هذا الوضع تطبيق عملى للديكتاتورية، كما يؤكد أن على الرغم من أن حروب بريطانيا السرية استهدفت محاربة الإرهاب، إلا أن العديد من التدخلات البريطانية شجعت هذه القوى نفسها، وساهمت فى إطالة مدة الحروب، وكان ذلك كارثيا لشعوب المنطقة.