عبدالحفيظ سعد يكتب: الحلف العربى و"عودة الثقة" بين مصر وإثيوبيا
"الثقة"، كلمة السر فى العلاقة المصرية الإثيوبية، وما وراءها مياه النيل وسد النهضة.. فحافظت مصر على علاقة جيدة ومتينة مع إثيوبيا لعدة عقود، عندما كانت الثقة متبادلة، خاصة فى فترة حكم جمال عبدالناصر والذى جمعته علاقة صداقة مع الإمبراطور الإثيوبى هيلا سيلاسى، وهو ما دفع عبدالناصر أن يدعم، وجود مقر الاتحاد الإفريقى فى أديس أبابا، بالإضافة للعمل على تدعيم العلاقة بين الكنيسة الأرثوذكسية القبطية والكنيسة الإثيوبية، وتم دعوة زعيم إثيوبيا للمشاركة فى افتتاح مقر الكاتدرائية بالعباسية عام 1968، وذلك رغم انفصال الكنيسة الإثيوبية عن «المصرية» قبلها بـ9 سنوات.
ولكن بعد رحيل سيلاسى بالانقلاب ضده بقيادة مانجستو مريام، لم تعد العلاقة بين مصر وإثيوبيا على ما يرام، نتيجة فقدان الثقة بين الطرفين.
صحيح أن العلاقة بين مصر وإثيوبيا بعد الإطاحة بـ»سيلاسى»، وعلى مدار أربعة عقود من الزمن، لم تشهد منعطفات خطيرة، لكن لم يمنع ذلك من وجود نار تحت الرماد، بخاصة أن العلاقة «المصيرية» بين مصر وأثيوبيا، كانت إحدى الأوراق التى سعى كل أعداء مصر للعمل على توتيرها ومحاولة فتح علاقة معها على حساب علاقتها مع مصر.
وظلت العلاقة على هذا الوضع حتى اتخذت إثيوبيا قراراً ببناء سد النهضة على مجرى نهر النيل. وبدأت فى التنفيذ مع الأحداث التى أعقبت ثورة 25 يناير، ورغم أن مصر لم تمانع فى أن تستغل إثيوبيا إمكانياتها فى تحقيق التنمية، إلا أن الخطوات الإثيوبية المتسارعة وربطها بظروف مصر السياسية، زادت من حالة عدم الثقة والتوتر بين القاهرة وأديس أبابا.
ولكن التحول السياسى الداخلى الذى حدث فى إثيوبيا مع صعود آبى أحمد، والذى ينتمى لعرقية الأورومو، لرئاسة الوزراء فى إثيوبيا، أدى لانفراجة فى العلاقة المصرية الإثيوبية، خاصة بعد زيارته التاريخية للقاهرة فى 9 يونيو الماضى، وهو ما برهن عليه التعهد و»القسم» الذى أداءه رئيس وزراء أثيوبيا بعدم الإضرار بمصالح مصر فى مياه النيل، ورغم من أنه يعد أمرا شكليا، إلا أنه كان دليل على الثقة المتبادلة.
ونجد أن التقارب بين القاهرة وأديس أبابا، لم يكن الخطوة الوحيدة التى قام بها رئيس وزراء أثيوبيا الجديد آبى أحمد، والذى لم يكتف بمحاولة المصالحة الداخلية بين المكونات العرقية فى أثيوبيا، بل سعى أيضا لفتح علاقة للتهدئة وفتح علاقات جديدة مع الجيران خاصة أرتيريا، والتى شهدت مواجهات عسكرية بينهم على مدار عدة سنوات.
ولذلك جاء اتفاق السلام بين رئيس وزراء إثيوبيا أبى أحمد ورئيس إرتيريا أسايس أفورقى، والذى تم فى العاصمة الإماراتية أبوظبى، الثلاثاء الماضى، عقب القمة الثلاثية مع عهد أبو ظبى الشيخ محمد بن زايد، وجهود سعودية إماراتية لتوقيع الاتفاق، كما أشار البيان المشترك لقادة إثيوبيا وإرتيريا والإمارات، والذى نقلته (وام) الإماراتية، والذى أوضح أن الاتفاق كان بجهود ودعم سعودى إماراتى.
وبالتأكيد فإن هذا الاتفاق والذى تم برعاية من شركاء وحلفاء لمصر، يعزز الثقة أكثر فى العلاقة بين القاهرة وأديس أبابا، بما يحافظ على حقوق مصر التاريخية والمشروعة فى مياه النيل، وحقوق إثيوبيا فى تحقيق التنمية على أرضها، والعمل على حل الخلافات مع جيرانها، خاصة أن منطقة القرن الإفريقى، بما تمثله من قيمة استراتيجية للمنطقة العربية، كانت محور لتحركات إقليمية عديدة فى محاولة التأثير عليها، ولم يكن الأمر مقتصرا على إسرائيل، بل ظهرت تحركات تركية-قطرية، بالإضافة لتحركات إيران فى تلك المنطقة.
وهذه التحركات لا يخفى نواياها السيئة، ومحاولة ضرب المصالح العربية، خاصة لمصر أو السعودية أو الإمارات، فى المنطقة التى تطل على جنوب البحر الأحمر وامتداد الخليج العربى، لذلك جاء اتفاق السلام الأخير بين إثيوبيا وإرتيريا فى أبوظبى، ليعيد الثقة فى تلك المنطقة وليثبت النوايا الحسنة فى العمل على مصالح هذه الشعوب، ويحجم الأيادى الخبيثة فى التلاعب فى تلك المنطقة الحيوية، سواء لمصر وكل العرب.