صياد مصري يروي لـ"الفجر" كواليس ساعات الرعب التي قضاها لإنقاذ ضحايا حرائق اليونان

تقارير وحوارات



لم يكن صباحًا عاديًا، فتحول الشروق إلى غروب بفضل الدخان المتصاعد من ألسنة النيران المشتعلة، وفي لحظة استيقاظه لم يشتم رائحة الهواء النقي التي اعتاد عليها، فكان الرماد ممزوجًا بكل ما يحيط به، من أثر ما حدث في منطقة "ماتي" التي يستغرق الوصول إليها من القرية التي يقطن بها ما يقارب الـ 20 دقيقة.

فمع إشراقة شمس يوم جديد باليونان التي يعيش بها الصياد المصري محمد المسافر، ابن محافظة دمياط، منذ أربعة وعشرون عامًا، كان يرتدي ملابسه كالمعتاد، استعدادًا للاحتفال بعيد ميلاد صديقه الذي يعمل معه بقاربه الصغير:"اتفقنا نتقابل عالمغرب عشان نحتفل مع بعض".

وبحلول السادسة مساءا، كان هاتفًا غير متوقعًا على موعد معه، حينما اتصل صديقه يطلب حضوره مسرعًا إلى المركب لإنقاذ بعض العالقين على الشاطئ في القرية المجاورة بعد نشوب الحريق: "فروحت ولقينا إن الريح خدت النار اللي حرقت الشجر في ناحية معاكسة ونزلت ولعت في البيوت.. واللي كانوا بيستحموا على البلاجات اتحبسوا هناك يا يتحرقوا يا يغرقوا".

هول المنظر وسط الأدخنة المتصاعدة، لم يخيف الصديقان ممن أخذ كل منهما بيد الآخر، في سبيل نجدة هؤلاء الضحايا ممن تعالت صرخاتهم التي كادت تمزق قلوبهم من شدتها:"كنا عارفين إننا ممكن نتخنق.. كانت عملية فدائية بالنسبة لينا".

وبتكبيرات امتزجت بصوت صرخات النجدة في الجهة المقابلة، اقتحم "مسافر" وصديقه الدخان، وبدأوا على الفور في انتشال الضحايا وسط عرض البحر، فحاولوا التهدئة من روعهم ثم قاموا بنقلهم على الفور إلى البر، ليعودوا لانتشال بقية الضحايا بنفس الطريقة:"طلعنا 23 نفر في الأول وبعد كده بقينا نطلع تاني من غير ما نعد.. واكتشفنا إنهم حوالي 150 واحد كان متعلق في النص".

لم تكن لحظات انتشال الضحايا من البحر هي الأكثر تأثيرًا فقط في نفس الصياد، فكانت لحظة حمله لأطفال ومسنين هي الأصعب: "حتى لقينا 3 كلاب وقتها في المية طلعناهم هما كمان"، وبالرغم من محاولاتهم لنجدة المستغيثين في أسرع وقت، إلا أن الجروح تركت آثارها على العديد منهم:"في مرة وإحنا بنطلع الناس كان فيه ست دراعها كله محروق وأنقذناها في اللحظة الأخيرة".

قلق محمود المسافر في تلك اللحظات لم يكن من الموت المحتوم وسط عرض البحر الذي عشقه منذ السادسة عشر من عمره واعتاد عليه، بل كان خوفه الأكبر من أن تفشل محاولات تضحياته هو وصديقه في سبيل اللحاق بإنقاذ كافة المستغيثين دون أن تسقط منهم ضحية:"فالحمدلله محدش مات.. كل اللي ماتوا كانوا عالبر بعيد عننا ومكانش بإيدنا ننقذهم للأسف.. واتأكدنا من دا بعد ما فضلنا ننقذ في الناس من 6 ونص لحد 2 بليل".