تفسير قوله تعالى {ألَم نجْعَل الأرضَ كفاتًا}
يقدم لنا الدكتور عصام الروبي- أحد علماء الأزهر الشريف- تفسيراً ميسراً لما تحويه آيات من الكتاب الحكيم من المعاني والأسرار، وموعدنا اليوم مع تفسير الآيات القرآنية {ألم نجعل الأرض كفاتًا، أحياء وأمواتًا، وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا}.. [المرسلات:25*26*27]
كفاتًا: الكفات: اسم للمكان الذي يكفت فيه الشيء. أي: يُجمع ويُضم ويُوضع فيه. يقال: كفت فلان الشيء يكفته كفتًا، من باب ضرب- إذا جمعه ووضعه بداخل شيء معين، ومنه سمى الوعاء كفاتًا، لأن الشيء يوضع بداخله، وهو منصوب على أنه مفعول ثان لقوله نجعل، لأن الجعل هنا بمعنى التصيير.
أحياء وأمواتًا: منصوبان على أنهما مفعولان به، لقوله كفاتا. أو مفعولان لفعل محذوف.
وجعلنا فيها: يعني في الأرض.
رواسي: يعني جبالًا ثابتات.
شامخات: جمع شامخ وهو شديد الارتفاع. وهي المرتفعات ارتفاعًا كبيرا. وقيل: المراد: جبال مشرفات.
وأسقيناكم: يعني: بفضلنا ورحمتنا.
ماء فراتًا: يقال: فرت الماء؛ إذا عذب. والمراد: ماء عذبًا حلو المذاق سائغا للشاربين.
وخلاصة المعنى في هذه الآيات: يمتن الحق تبارك وتعالى على عباده بأن جعل الأرض وعاء ومكانًا تجتمع فيه الخلائق: الأحياء منهم يعيشون فوقها، والأموات منهم يدفنون في باطنها، وهذا من نعم الله على العباد بتسخيره لهم الأرض حياة وموتًا، ومن جزيل نعم الحق تبارك وتعالى على خلقه أنه جعل على تلك الأرض جبالًا ترسيها؛ حتى لا تميد بأهلها، فثبتها سبحانه وتعالى بهذه الجبال الطوال العراض، وجعل سبحانه على تلك الأرض ماء عذبا سائغا شرابه، جاء كالأثر الطيب المبارك المترتب على تذكير الله لهم بنعمة خلق الجبال وإيجادها، وهذا من طرائق استدلاله عز وجل على إمكانية البعث بتلك المخلوقات.