مؤمن المحمدى يكتب : الإلحاد.. لا دين له

مقالات الرأي

مؤمن المحمدى يكتب
مؤمن المحمدى يكتب : الإلحاد.. لا دين له

الخروج من الملة يجتاح المجتمع القبطى والكنيسة تواجه نفس مأزق الإسلاميين

العلمانية ستنتصر. لا شك عندى فى هذا.. والعلمانية كما نعلم لا تسعى إلى هدم الدين أو إلغائه، بالعكس، إن واحدا من أهم أهدافها هو حماية الدين وأن تحفظ له هيبته وقدسيته، وأن تبعده عن معتركات السياسة والاقتصاد وغيرها من الأنشطة التى تتميز أول ما تتميز بنقص فى النزاهة، وقلة فى الأمانة وأزمة فى الضمير.

لكن الطريق إلى العلمانية عادة ما يبدأ بهجوم على الدين، وانتشار لحركات الإلحاد واللادينية كرد فعل طبيعى لسنوات طويلة، وربما قرون من الهيمنة الدينية، وإغلاق أبواب الاجتهاد والتفكير والخيال داخل الدين، أى دين، سواء كان الإسلام أو المسيحية أو غيرهما.

ولأن أغلب سكان مصر مسلمون، ولأن الإسلاميين هم الذين يحكمونها حاليا ومؤقتا، فإن الاهتمام كله ينصب على انتشار الإلحاد بين شباب المسلمين، ولا أحد تقريبا يهتم بانتشار الإلحاد بين الأقباط، رغم أنه لا يقل انتشارا ولا عمقا.

التقرير الذى تنشره «الفجر» يوضح انتباه الكنيسة للأمر، إضافة إلى ذلك نرصد اهتمام المفكر القبطى الدكتور ماهر صموئيل، استشارى الطب النفسى بجامعة القاهرة بالظاهرة، وتنظيمه لعدد من الندوات المخصصة لمناقشة إلحاد المسيحيين، ودعوته المتكررة للتصدى للظاهرة، وقوله: إن الجميع يحاولون العبور من منعطف حاد لم تمر به مصر من قبل، ولا بد من حماية الشباب من الإلحاد، لهذا تحتاج الكنيسة إلى تطوير أسلوبها الروحى والتدريسى، للحفاظ على شبابها.

ويقول ماهر: إن هناك تحولات فكرية، منها الشك فى المسلَّمات، وظهور شهوة جديدة للبحث عن الحق، بدأت فى السيطرة على العقل العربى، وبالأخص فى البلدان التى شهدت ثورات، من بينها مصر.

ما يمر به الشباب القبطى إذًا هو نفس ما يمر به الشباب المسلم، فعدم المرونة التى يتسم بها شيوخ الإسلام الأصوليون هى شقيقة التعنت الذى يلاقيه شباب الأقباط من كهان الكنيسة، ومن متابعتنا لعدد مما يسجله الملحدون الأقباط على صفحاتهم، فإن طقس الاعتراف، وهو أحد أسرار الكنيسة، يشكل إزعاجا ما لدى البعض، خصوصا فيما يتعلق باختراق الحياة الشخصية للمعترف. وبالمناسبة فإن التشدد الإسلامى فيما يخص الأحوال الشخصية وفقه المرأة يقابله تشدد فيما يخص قوانين الطلاق وغيرها فى الكنيسة.

ولعل انتشار الإلحاد بين المسلمين فى جزء منه امتداد لموجات إلحادية قادمة من الشرق، من إيران غالبا، والسعودية أحيانا، حيث يقول استطلاع شهير أجرته جامعة ميتشجن الأمريكية إن نحو نصف الشعب الإيرانى دخل دائرة الإلحاد، بينما تحتل السعودية المركز الأول فى الإلحاد على قائمة الدول العربية. وإذا كان ذلك كذلك فإن الإلحاد فى الكنيسة يعتبر بشكل ما امتدادا لحركة إلحادية قادمة من الغرب، تحديدا من الولايات المتحدة التى انتشر فيها الإلحاد عقب صعود بوش الابن. هذه الحركة الإلحادية فى بلاد العم سام ارتبطت بسوق النشر فى معظمها، حيث انتشرت بالأسواق الأمريكية موجة جديدة من الكتب الإلحادية وحقق بعضها انتشارا وضعه على قوائم أفضل الكتب مبيعا فيما يراه مؤيدوها ردا على الطريقة التى يتم بها ربط الدين بالسياسة. وبحسب سام هاريس مؤلف كتاب «رسالة إلى أمة مسيحية» الذى جاء رقم 11 على قائمة صحيفة نيويورك تايمز للكتب غير الروائية الأكثر مبيعا، فإن هناك انتشارا لمقولة إن «الدين يمزق المجتمع الإنسانى».

واعتبر أن الاستقطاب الدينى جزء من كثير من الصراعات العالمية بما فى ذلك تلك الصراعات المرتبطة بإسرائيل وإيران.

كتاب «رسالة إلى أمة مسيحية» تفوق فى الترتيب على قائمة نيويورك تايمز على كتاب آخر شهير هو «وهم الإله» كتبه المفكر ريتشارد داوكينز الباحث بجامعة أوكسفورد والذى يتبنى الإلحاد منذ فترة طويلة.

وإلى جانب ذلك يحتل كتاب «نهاية الإيمان» الذى صدر عام 2004 المرتبة الثالثة عشرة على قائمة نيويورك تايمز للكتب غير القصصية ذات الغلاف الورقى. وكان هاريس ألف كتابه «رسالة إلى أمة مسيحية» ردا على منتقدى كتابه «نهاية الإيمان». وقالت مؤسسة ويكلى للنشر إن ساحة النشر شهدت «عددا كبيرا للغاية من الكتابات الناقدة للدين.. أى دين.. وبصفة خاصة المسيحية» وهو ربما كان تطورا حتميا بالوضع فى الاعتبار «التشبع الهائل للسياسة والثقافة الأمريكيتين بالدين خلال السنوات الأخيرة».

هذا الرواج فى سوق الكتب الأمريكية التى تتبنى الإلحاد له تأثير مباشر على شباب الأقباط فى مصر، خصوصا أن جميعها مترجم إلى العربية ترجمات ممتازة. هذه الكتب تؤثر فى الأقباط على نحو أكبر من المسلمين، لأنها بالأساس مكتوبة لعقلية مسيحية، حتى إن عنوان الكتاب موجه إلى “أمة مسيحية”، ومن ثم فإن جميع ما يقدمه من أمثلة واستشهادات وارتكازات موجه إلى الكتاب المقدس وفكرة الصليب.

ولا يمكن أن يتجاهل الإنسان، وهو يتحدث فى هذا الشأن، مواقع التواصل الاجتماعى التى أصبحت بديلا عن المجتمع الواقعى، حتى إن هناك نكتة منتشرة على فيسبوك، إن أحد مستخدمى الموقع ذهب إلى المطبخ ليشرب فتعرف هناك على أبيه. مواقع التواصل الاجتماعى تعج بالصفحات الداعية للإلحاد، ومنها انتشر الحديث بكثافة عن نظرية التطور ومدى صحتها، وكما تؤثر هذه الصفحات على المسلمين، تؤثر على الأقباط، بل بالعكس ربما تزيد، لأن الاصطدام بنظرية داروين فى الكتاب المقدس أعنف منه فى القرآن الكريم.

ما يطال المسلمين إذا من هزات فكرية ليس كله ناتجا من الصدمة فى عدم نصاعة التاريخ الإسلامى، وإنما له تأثيرات أخرى كبيرة، وهذه التأثيرات تطال المسيحيين بالقدر نفسه، وهكذا فإن كل شيء حولنا يثبت أن مسلمى مصر وأقباطها نسيج واحد حتى فى الإلحاد!