عادل حمودة يكتب: رانيا المشاط وزيرة إنقاذ السياحة لا تجيد السباحة
خبيرة اقتصادية عالمية لكن إدارتها لملف السياحة مثل احتراف محمد صلاح لعب الشطرنج
الإهمال الطبى تجاه طفلة ألمانية هز الصحافة الأوروبية وأكبر شركات سياحة تعيد النظر فى برامج مصر
أزمات "ميركل" و"أردوغان" دفعت ألمانيا لتشجيع السياحة إلى مصر ونحن نبدع فى التطفيش
تعرف عارضات الأزياء أن نحافتها الشديدة رأسمالها الذى تتهدده شريحة لحم بها ذرات من الدهن أو قطعة جاتو تغطيها طبقة رقيقة من شيكولاتة.. ولكن.. إلينا فريتز بانيش نجمة العارضات فى ألمانيا التى لا يزيد عمرها على 28 عاما غامرت بشهرتها ومستقبلها ورأسمالها وتمردت على نصائح وكلائها وقررت الإنجاب.
وما أن بلغت طفلتها ستة أشهر حتى أخذتها وطارت إلى شاطئ مشمس على البحر الأحمر فى مصر ولكن من سوء حظها أن الطفلة أصيبت بسخونة مفاجئة وتجاوزت درجة حرارتها الأربعين.
حسب مجلة جالا المتخصصة فى أخبار المشاهير فإن أطباء الطوارئ الذين فحصوا الطفلة شخصوا حالتها بأنها التهاب فى اللوز وعدوى من لبن الرضاعة ولكن لم يكن فى العيادة ترمومتر دقيقا لقياس درجة الحرارة ولم تكن هناك أجهزة طبية مناسبة لعلاج الأطفال الرضع كما أن الطبيب الملتحى أثار فزع الرضيعة وأصابها بتشنج حاد.
وفى تلك اللحظات ندمت إلينا على أنها أصبحت أما وندمت أكثر على أنها اختارت مصر لقضاء أيام فيها وسعت جاهدة للعودة بطفلتها إلى ألمانيا لتنقذها من الموت.
قرأت ألمانيا هذه القصة فى الأسبوع الأخير من شهر يونيو الماضى فى الوقت الذى كانت وزيرة الصحة الدكتور هالة زايد تدعو فيه لفرض السلام الجمهورى على المستشفيات دون أن تفكر فى حلول مناسبة لما تعانى منه.
وما إن نشرت القصة حتى أعلنت شركتا توى وتاى عن إعادة النظر فى برامج الترويج السياحى فى مصر خلال الشتاء المقبل ولأنهما الأكثر تأثيرا فى السياحة الألمانية الوافدة إلينا ليس علينا الاستهانة بقرارهما.
كانت شركة تاى تخطط لرحلات طيران من فرانكفورت إلى البحر الأحمر تبدأ فى 5 نوفمبر المقبل بينما كانت شركة توى تخطط لإعادة الرحلات النيلية بين الأقصر وأسوان.
لقد كان السياح الألمان الأكثر إقبالا علينا خلال الموسم الماضى خاصة أن الحرب الباردة بين برلين وأنقرة جعلت ميركل تشجع مواطنيها على مقاطعة تركيا والسفر إلى مصر ولكن تعاملنا بإهمال واستهتار معهم يهدد ذلك الإقبال الذى نحتاجه بشدة.
فى 15 يوليو الماضى قتلت سائحتان ألمانيتان طعنا بسكين فى الغردقة وأصيبت أربع سائحات من جنسيات أخرى.
جاء المعتدى سباحة من شاطئ آخر وانهال طعنا على النساء الست ونجح الأمن فى القبض عليه ولكن كالعادة وصف الرجل بأنه يعانى من متاعب نفسية.
طوال عام بأكمله لم تكشف جهات التحقيق عما انتهت إليه الواقعة الجنائية وهو ما جعل الصحف الألمانية تستدعى تفاصيل الحادث من جديد متسائلة عن مصير الجانى.
حسب موقع إن دبليو زد وموقع فيستفاليش روندشاو فى 10 مايو الماضى فإن سكان منطقة بينا التى كانت تعيش فيها السائحتان وقعوا على طلب للسلطات الألمانية لمعرفة مصير التحقيقات فى مقتلهما وطالبوا بمقاطعة مصر سياحيا ومقاطعة حزب ميركل سياسا ما لم يعرفوا النتيجة.
إننا نشتهر بالنسيان وسرعة فقد الذاكرة ولكن ذلك ليس من صفات تلك الشعوب التى لا تترك ملفا مفتوحا دون إغلاقه ولا تترك جريمة وقعت دون أن تعرف ما انتهى الحكم فيها.
ولا شك أن إعادة التذكير بما حدث جعل الكثير من السياح هناك يعيدون النظر فى خطة السفر إلى مصر خلال الشتاء المقبل.
ولو كنا تعاملنا مع الواقعة باهتمام يناسبها ما وجدنا أنفسنا فى هذا المأزق السياسى قبل السياحى خاصة أن جيوب تركيا فى الميديا الألمانية لا يستهان بها وتستغل ما يقع تحت يدها من حوادث للتشهير بنا ودفع المواطنين بعيدا عن السفر إلينا.
فى منتصف يونيو الماضى نشرت صحيفة فرانكفورت الجماينة خبرا يصعب تصديقه خاصة أننا لم نكذبه.
حسب الصحيفة الشهيرة فإن هناك رافعة للسيارات تزن 48 طنا ولا يقل ثمنها عن 200 ألف يورو وتمتلكها شركة متعددة الجنسيات اختفت من مدينة شتوتجارات فى شهر مارس الماضى ولكنها ظهرت فى مصر.
نسبت الصحيفة للشرطة أن شاهدا رأى الرافعة فى ميناء الإسكندرية ويعتقد بأن الرافعة أخذت طريقا بحريا إلى مصر فى الوقت الذى كان أصحابها يبحثون عنها فى ألمانيا.
إن السياحة امرأة متجبرة مصابة بحساسية من سوء الاستقبال فى المطار وسوء الخدمة فى الفندق وسوء الاستغلال فى التاكسى أو المطعم أو مراكز التسوق وشركات الصرافة وسوء الرعاية الصحية فى مستشفيات الطوارئ وسوء الأمن الذى يحمى حياتها وربما تدخلت فى الشئون السياسية مطالبة بمزيد من حقوق الإنسان وحرية التعبير وحماية الأطفال من التشغيل المبكر وحماية الحيوان من العبث معه.
لكنها فى الوقت نفسه تدفع مالا وفيرا فى أشياء غير مكلفة.. شمس دافئة تعوض برودة الطقس والمشاعر.. بحر طيب لا يغضب من السباحة فيه بالبكينى.. سهرات رومانسية تحت ضوء القمر.. وصور تذكارية تعيش عليها سنوات طوال وتورثها لأحفادها.
ونحن نمتلك كل ما يغريها للسفر إلينا ولكننا لا نستفيد مما نملك فى إقناعها بإنفاق الكثير مثلما تفعل فى فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرازيل مثلا.
لقد دفعت الأزمة التى تعرضت إليها السياحة بسبب الإرهاب إلى التسابق على تخفيض الأسعار لتنحدر إلى ما تحت تكلفة الخدمة وعندما بدأ الانتعاش لم تتغير الأسعار كثيرا فزاد عدد السياح ولم يزد الدخل الذى يحققونه إلينا.
ولابد أن نعترف بأنه فى ظل صناعة لا تقوى على شد ظهرها وزراعة تتراجع ثمارها المصدرة للخارج وخدمات عاجزة عن المنافسة ليس لنا سوى السياحة نعتمد عليها فى الحصول على العملات الصعبة التى نحتاج إليها لدعم الاقتصاد وتقوية العملة وتوفير نسبة أعلى من التشغيل.
لكن على رأس السياحة وزيرة لم تفكر يوما فى منصبها وكان صعودها المهنى فى اتجاه آخر مخالف تماما.
إن الدكتورة رانيا المشاط موهبة اقتصادية متفجرة بخبرات أكاديمية مذهلة جعلتها متميزة فى مجال الإصلاح المالى البعيد تماما عن النشاط السياحى.
حصلت على بكالوريوس الاقتصاد فى الجامعة الأمريكية وواصلت دراستها العليا (الماجستير والدكتوراة) فى جامعة ميريلاند (كوليج بارك) وكانت أبحاثها فى السياسة النقدية قبل أن تحصل على شهادة فى السياسات العامة فى جامعة هارفارد.
وليس فى سيرتها المهنية كلمة واحدة تشير إلى خبرة فى السياحة.
كانت وكيلا لمحافظ البنك المركزى وتخصصت هناك فى تحليل السياسات النقدية ولعبت دورا فى الإصلاح المصرفى وكانت عضوا فى مجلس إدارة البورصة وبنك الاستثمار العربى وشاركت بجهد مميز فى منتدى البحوث الاقتصادية وتولت التنسيق بين البنك المركزى وصندوق النقد الدولى ومؤسسات التقييم والتصنيف الائتمانى وكانت ضمن فريق التفاوض على برنامج الإصلاح المالى والاقتصادى بين عامى 2011 و2013 ورشحت لتلك المهمة بعد أن كانت ممثلة لكبير الاقتصاديين فى صندوق النقد الدولى الذى سبق أن عملت فيه.
حسب ما أعرف ليس لدينا مثلها فى تخصصها الذى يصعب تكراره بمستواها بجانب رقة شخصيتها التى تقترب كثيرا من الخجل مما لا يفيد كثيرا فى علاج أزمات السياحة وإخراجها من عثراتها.
إن مانوس كارلسن بطل العالم فى الشطرنج لا يصلح رغم ذكائه الحاد ليلعب كرة القدم مكان محمد صلاح فى ليفربول ومارك زوجريبرج مؤسس فيسبوك رغم عبقريته المبكرة لن ينجح لو فكر فى منافسة أم كلثوم ومن الظلم لموهبة رانيا المشاط أن نهدرها فيما اجتهدت فيه سنوات طوال ثم نحاسبها على فشلها لا قدر الله.
والسؤال المحير: لم يقبل شخص ما منصبا يعرف أنه لا يصلح له؟ أم أن منصب الوزير يصعب رفضه فى مصر؟ أم لا أحد يجرؤ على الرفض؟.
لو كانت الصناعة طوق النجاة الدائم فإن السياحة طوق النجاة العاجل ولكن ما الذى يفعله طوق النجاة إذا كان مسئول الإنقاذ لا يعرف العوم فى هذا اليم؟.
لو شئنا وزيرا للسياحة يقدر على إنقاذها فابحثوا عن شخص بمواصفات الدكتور ممدوح البلتاجى.. خبرة هائلة فى التعامل مع الميديا العالمية وقت الأزمات الصعبة.. سهولة فى حل مشاكل أهل الكار رغم تنافرهم من بعضهم البعض.. ونتائج ملموسة سجلت له فى التاريخ.
أما رانيا المشاط فنحن فى حاجة إليها فى الملف الأهم الذى تفهم فيه.. ملف الاقتصاد.. وتلافى الآثار الجانبية المؤلمة لروشتة صندوق النقد الدولى.