مسيرة العودة تنطلق من بوابة معبر رفح.. "الفجر" تحاور المصور الفلسطيني محمود أبو سلامة

تقارير وحوارات



مشاهد مُفجعة تتلاحق مُسرعة أمام عدسته التي لم تخش خط النار طيلة سبع سنوات، لاسيما أيام فعاليات مسيرات العودة الذي انطلقت في الثلاثين من مارس المنصرم في عدة مواقع قرب السياج الفاصل بين قطاع غزة المحاصر- الذي ترعرع فيه- والأراضي المحتلة، يحاول توثيقها لفضح جرائم المحتل الغاصب وتعريته أمام العالم؛ لتنتصر لقطات المصور الصحفي "محمود أبو سلامة" في تجسيد الأحداث التي صنعتها آلة العدوان.

 

لطالما ظلت المواجهات من جانب الاحتلال الإسرائيلي، بما أن فلسطين دولة محتلة، ما كان على المصور الصحفي ذو الثمانية والعشرون ربيعًا والذي واجه الموت بجسارة، سوى أن يكونوا متأهبًا طيلة الوقت لمقاومة هؤلاء بسلاحه-الكاميرا- "لولا الكاميرا ما عرف العالم بما يحدث في غزة والضفة من انتهاكات"، لذا كان مُستهدف من قبل المُحتل خلال مسيرات العودة الكُبرى، وتم إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع نحوه، وطلقات الرصاص الذي ينجو منها بفضل الرحمن، فأكثر من مرة اكتشف اختراق "بنطاله" عقب عودته لمنزله، لكنه أصيب ثلاثة مرات في إحدى الهجمات ما بين شظايا صواريخ كانت تقصف وبين الرصاص الحي.


كان يُوقن أن دوره في أرض الأحداث غير عاديًا، فرغم أنه كان يصور تحت وابل من الرصاص والنيران ليلتقط أهم المشاهد التي تعبر عن الموقف بكل دقة ووضوح، إلا أنه كان يتحول في بعض الأوقات إلى مُسعف، ويحاول إنقاذ بعض المصابين، وحمل الشهداء "هاد الوقت ليس بحاجة لتوثيق صورة لأن حينها لم يكن في مسعفين متواجدين.. وحياة المواطنين أهم"، كما أنه كان يحاصر لعدة ساعات مع المدنيين ولا يشفع له مهنته كمصور صحفي "قوات الاحتلال لا تفرق بين صحفيين وشباب وسيدات وأطفال"، وهو ما يتذكره في "جمعة الكاوتشوك" بمسيرة العودة الكُبرى، توثيق استهداف الطفل عبد الفتاح عبد النبي، البالغ من العمر سبعة عشر عامًا، بشكل مباشر بطلق قناص في الرأس، أثناء حمله إحدى إطار "الكاوتشوك"، وانتشرت الصورة على نطاق واسع في أكبر الصحف العالمية، وكان لها صدى وخرجت العديد من التظاهرات في بعض العواصم العربية والأوروبية تندد بذلك، وهذا الدور الذي يرده في توصيل قضية فلسطين للعالم برمته.



كان طريقه مُشبع بالسعي وراء رسالته، لذا كان حريص على أن يكون في الصفوف الأولى في أرض الميدان، فبادر بتنظيم معرض جسد فيه جرائم الاحتلال الإسرائيلي، على الحدود الفاصله ما بين قطاع غزة والأراضي المحتلة، والتي تبعد عن قناصه الاحتلال الإسرائيلي ما يقرب من 300 مترًا، وكان يضم نحو أربعين صورة تم اتخذها في الجمعة الثلاثة من مسيرة العودة،  وجاء تحت عنوان "إن إليه راجعون"، إشارة إلى أن الشعب مستحيل يتنازل عن أرضه، بالإضافة إلى تصوير فيلم وثائقي "ثائر من المخيم"، الذي عبر فيه الشباب الفلسطيني عن رفض قرار نقل السفارة الامريكية للقدس، وجميع قوانين الاحتلال الإسرائيلي.



يتذكر موقفًا من إحدى مسيرات العودة الكبرى، كان الأصعب خلال الفعاليات "كنت واقف لمرة وجنبي شاب فكان تم إطلاق طلق قناص عليه ففي لحظة فكرت إن هاد الطلق استهداني بشكل مباشر بسبب انه قريب مني، وامسك بكتفي من قوة الألم وضل يصرخ.. فاكتشفت أنه  هو المصاب"، بينما ظلت لحظات توديع صديقه الشهيد "ثائر رابعة" ذو الثمانية والعشرون ربيعًا، من مخيّم جباليا، الذي استشهد متأثرًا بإصابته في قمع الاحتلال بمسيرة العودة، عالقة بذاكرته حتى هذه اللحظة، "كنت اصور ودموعي على وجهي.. وقلبي ينزف لكن كان لازم اضمد جراحي وامسك حالي.. خاصة أن مر علينا مشاهد انتهاك حق الاطفال وذوي الإعاقة وهم الأبشع على الإطلاق".



ومع دخول فلسطين أسبوعها العاشر من مسيرات العودة الكبرى؛ للتأكيد على حق الفلسطينيين في الرجوع إلى وطنهم، سافر "أبو سلامة" إلى القاهرة كبداية لاستكمال رسالته إلى العالم "بوابتنا إلى العالم هي مصر ومن خلال وجودي ابحث عن إقامة معارض تتضمن صور لأول مرة تعرض لمسيرة العودة، وتساعد على تعريف المجتمع المصري بقضية قطاع غزة ومنها إلى أوروبا".

 

جاءت رحلته إلى مصر عقب معاناة، لاسيما أنه حاول ما يقرب من ثماني مرات الوصول إلى مصر عن طريق معبر رفح البري، لكنه كان يشكل عائقًا كبيرًا أمامه، فحرم من المشاركة في العديد من المعارض التي تقام للمصورين الفلسطينيين خارج مدينتهم المغلقة، كما حرم من حصوله على العديد من الجوائز آخرها جائزة "لحظات" للتصوير الفوتوغرافي والتي تنظمها قناة "ناشونال جيوغرافيك"، وجسدت الصورة طفلين من مخيم جباليا شمال قطاع غزة وهم يلعبون على الحبل في يوم عطلتهم الأسبوعي معبرين عن الفرح ومحاولة لرسم الحياة بطريقتهم.


"وبرغم بياتي يومين في معبر رفح للإجراءات الأمنية إلا أن كل اشي يهون"، معللًا أن ذلك أمرًا طبعيًا في الوقت الراهن، تزامنًا مع العملية الشاملة للقوات المسلحة، والتي أسفرت عن تطهير سيناء من البؤر الإرهابية بشكل كبير وملحوظ "كنا زمان يعلن عن فتح المعبر وعقب تجهيز أمتعتنا يغلق لأسباب أمنية ويضل 3 شهور ويفتح أيام.. الحين مفتوح من قبل رمضان بشهر بشكل متواصل لأول مرة منذ 12 عاما يصير مثل هيك.. وهادا يرجع لعدم سماع أنباء عن وقوع عمليات إرهابية في الفترة الأخيرة بسيناء والشيخ زويد.. بالإضافة إلى أنه بطل أنه حدا ينام بالصالة المصرية اعتقد آخر ليلة كانت بيات للفلسطينيين الليلة اللي أنا فيها بعد هيك صار تسهيلات أكتر".



ومثله كبعض الفلسطينيين الذين يخرجون من قطاع غزة الجريح، يخطط "أبو سلامة" لطلب اللجوء لإحدى الدول الأوروبية، لكي يستطيع استكمال مشوار المبادرات الفلسطينية التي بدائها لتوصيل رسالة بلده، وتحقيق طموحاته نحو مستقبل أفضل.