كفاح "عِيدَة".. طفلة تخلت عن رعاية الغنم لطلب العلم.. رغم فقر أسرتها (صور)
"اطلبوا العلم ولو في الصين"، مقولة اختلف الكثيرون عنها بين حديث منسوب للنبي صلى الله عليه وسلم، أم جاءت على لسان غيره، لكنها توضح لنا أهمية طلب العلم حتى وقتنا الحالي، لتظهر فتاة صغيرة، وتضرب لنا مثلًا جديدًا عن مدى أهميته.
عِيدَة محمود عواد، طفلة تبلغ من العمر، 13 عامًا، ولدت بقرية لا تعترف بتعليم الفتيات في أقصى جنوب محافظة الأقصر، لخوف أسرهن عليهن، من بعد المدارس، ليقوم والدها بتشغيلها في رعاية الغنم منذ نعومة أظافرها، لما يمرون به من ظروف مادية صعبة.
وبدأت عيدة في رعاية الغنم، منذ خروجها للحياة، لتفوت عليها فرصة دخول المدارس كنظرائها الصغار الذين يبلغون عمرها، لحرمانها من ذلك الأمر.
وكانت تعيش الطفلة الصغيرة حياة روتينية، تبدأ في الصباح الباكر، بإخراج الغنم لرعايتها في الحقول مع والدها، حتى نهاية النهار، لتعود إلى منزلها قبل حلول الظلام، وتظل به حتى النوم، لتستيقظ مبكرًا، وتكرر ما تقوم به يوميًا.
وبعد سنوات من بلوغها سن التعليم، دون حوصلها على هذا الحق، قامت مؤسسة خيرية بعمل فصول في القرى الفقيرة للمتسربين من التعليم، فما كان على الطفلة إلا التقديم فيها، دون علم والدها، قبل أن يفوتها قطار التعليم.
وعند بدأ اليوم الأول في الدراسة، لم تستيقظ الطفلة كعادتها مبكرًا، حيث تقول لـ"الفجر"، إنها قامت بالكذب على والدها، بادعائها المرض، نية في عدم خروجها لرعاية الغنم، حيث قامت عقب خروج الوالد، بالذهاب في أول يوم بالتحاقها بالتعليم، وعادت قبل عودته، دون أن يعلم لتخفي عليه ووالدتها وأشقاها هذا الأمر.
وكررت "عيدة" هذه الكذبة لليوم الثاني على التوالي، واستمرت في ادعائها المرض، لمدة 10 أيام، مما جعل الأب يستعين بشقيقها في رعاية الغنم مؤقتًا، لحين شفائها.
وفي اليوم العاشر، ترك الوالد ابنه لرعاية الغنم في الحقل، وهم بالذهاب إلى احدى الصيدليات لشراء دواء لابنته الصغيرة، وعاد إلى البيت، ليكتشف عدم وجودها به، مما جعله يتساءل عن اختفائها.
وتقول "راعية الغنم"، اضطراري للكذب على والدي، والتهرب من العمل، جاء من منطلق رغبتي في التعليم، ورفضه لذلك، بحجة راعية الغنم، من أجل لقمة العيش، ولا أعلم ما كانت ستسفر عنه الأيام المقبلة، حين اكتشافه هذه الكذبة، ولكنه حين سأل والدتي في المنزل لم تستطع الرد عليه، ليقوم أحد أشقائي بالرد عليه، واخباره بحقيقة الأمر.
وتابعت، بعدما علم ذلك، انتظر عودتي، وجلس معي، وسألني عن رغبتي في التعليم، وأجبته صراحة أني أرغب في ذلك، فوافق قائلًا: طالما وصل هذا الأمر لادعائك المرض، فلك ما تتمنين".
وأشارت إلى قيام والدها بعد ذلك، بإعادة الغنم إلى مالكها، لأنه لم يجد ما يعنيه في رعايتها، رغم احتياجهم للمال الذي يتقاضوه من هذا العمل، لعدم حصول رب الأسرة على وظيفة أو عمل آخر.
والتقطت معلمة "عيدة"، طرف الحديث، قائلة، إنه بدخولها الصف الأول الابتدائي، كانت ترغب في تعلم الأرقام، لتستطيع عد الغنم الذي ترعاه، وفي الصف الثاني بدأ تميزها في الحساب، والقراءة والكتابة، وأصبحت من بين الطلاب المتميزين في المدرسة، حتى وصلت الصف الخامس الابتدائي، وفي طريقها للصف السادس.
وأوضحت المعلمة، أن تميز "عيدة" جعلها تدخل في برنامج "اليوسي ماس"، المصمم خصيصًا لتنمية مهارات العقل للأطفال، باعتماده على الجمع بين المفاهيم الصينية القديمة والأبحاث العلمية الحديثة التي تساعد على إجراء العمليات الحسابية بسرعة كبيرة.
وعادت الطفلة للحديث مجددًا، لتكشف عن أمنيتها باستكمالها مراحل التعليم، والحصول على شهادة جامعة، وامتهان مهنة "معلمة"، حتى تتمكن من تعليم الأطفال الصغار، أسوة بما عانته من ظروف.
وعن الظروف العصيبة التي تعيشها عيدة وأسرتها، أوضح والدها، أنه بعد إعادة الغنم لصاحبها، لم يجد عملًا له، سوى العمل كأجري رغم كبر سنه وعدم تحمله هذه المشقة، إضافة إلا أنه عمل غير دائم، متمنيًا حصول زوجته على معاش من وزارة التضامن الاجتماعي، ليساهم مع مبلغ الـ400 جنيه الذي يتقاضاه كمعاش، حتى يتمكن من تربية أطفاله واستكمالهم التعليم.
وحصلت "عيدة" على العديد من شهادات التميز والتقدير، عن قصة الكفاح التي بدأتها وما زالت مستمرة، كان آخرها تكريمها من قبل جمعية مصر المحروسة، في حفل لتكريم المتميزين والمبدعين من محافظة الأقصر.