من السودان لمصر.. أسرة "أحمد" على رصيف الرزق: نشعر أننا في وطننا
منذ قرابة أربعة أشهر، حزم "أحمد" حقائب السفر مودعًا موطنه السودان، التي قرر الهجرة منها إلى جارتهم "أم الدنيا" بحثًا عن لقمة العيش التي يسد بها رمق أبنائه الستة، حينما اكتشف أن نشاط البيع أكثر رواجًا في مصر.
"أجمل هدايا الأطفال للبيع"، هكذا تعلم
السوداني الذي تجاوز الأربعين ربيعًا، من المصريين كيف ينادي للترويج إلى بضاعته التي
تضمنت ألعابًا بلاستيكية و"أنعلة"، يفترشها كل صباح على أحد الأرصفة المجاورة
إلى غرفته الصغيرة التي حصل عليها بعد قدومه إلى القاهرة، لتحتضن بالكاد أسرته المكونة
من ثمانية أفراد.
يدرك "أحمد"
جيدًا أهمية موقعه النشط إلى جوار أحد المساجد، حيث يلفت الانتباه بسهولة إلى المصلين،
ممن يحرصون على تشجيع أبنائهم بالمواظبة على الصلاة، عن طريق شراء هذه الألعاب، بينما
يحتاج مصلون آخرون لشراء "الأنعلة" التي يترددون بها على المسجد بسهولة وراحة.
ولأن ساعات انتظار
الرزق تمر على الرجل السوداني وحده ببطء شديد، قرر اصطحاب طفليه "محمد القتيبي"
ذو الأربعة أعوام، و"محمد المصطفى" الذي لم يتجاوز الثامنة من عمره، مستغلًا
إجازتهما قبل بدء عامهم الدراسي الأول في القاهرة، ليونساه في رحلة انتظار الزبائن،
ويشاركاه طعام الغداء الذي عادة ما يكون "الكشري":"فهو الأكلة الشعبية
المصرية الأرخص والأشهى".
وبالرغم من انخراط الأسرة في مجتمع يختلف عن عاداتهم وتقاليدهم السودانية بسرعة كبيرة، تعود إلى حسن استقبال المصريين، إلا أن "أحمد" ظل حريصًا طوال الوقت على الحفاظ على هوية بلده وعاداتها، من خلال التحدث بلكنته الخاصة مع المواطنين، وارتداء الزي السوداني الشعبي، والذي يتمثل في جلباب أبيض فضفاض وقبعة بيضاء، سرعان ما تلفت أعين القادم والذاهب من أمامه.
وبمجرد أن يلتئم
ضوء القمر معلنًا غياب الشمس، يجمع الرجل السوداني بمعاونة طفليه كل ما تحمله الفرشة،
ليعود برزق يومه إلى المنزل، ويبدأ في تفقد المنطقة لتلبية نواقص ومتطلبات الأسرة بمساعدة
جيرانه من المصريين الحريصين على تقديم الواجب لأشقائهم في كل وقت وحين: "المصريين
عاملونا بحب هنا حتى شعرنا أننا على أرضنا".