بعد 5 سنوات.. نكشف الستار عن شهامة مستشفى الرخاوي وإنقاذه ثوار "٣٠يونيو" من أمام مكتب الإرشاد
من وراء نافذة صغيرة بالحائط الخلفي لمركز دار المقطم للصحة النفسية، المُطِل على مقر جماعة الإخوان، تابع أحد العاملين بالمستشفى أحداث سقوط مكتب الإرشاد- التي كانت تدار منه أم الدنيا إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي - في الثلاثين من يونيو عام 2013، مُرْغمًا على ذلك حائرًا لا يعي أين يتجه حتى اعتراه الضعف وخارت عزيمته، لاسيما مع إطلاق وابل من الرصاص على المتظاهرين من إحدى شرفات التنظيم، وهو المشهد المحفور في ذاكرته ولن ينساه الرجل الذي على مشارف الخمسين عامًا، ما دام حيًا "كنت خايف يشوفوني ويقتلوني ومستقبل عيالي الخمسة يضيع".
أمضى الرجل الصعيدي
ذو البشرة السمراء، فترة عصيبة في ظل الأحداث المتلاحقة والمباغته له، "أيام كالجحيم"،
جمعته مع رفيق العمل الذي كان يتناوب على مراقبة الأوضاع من النافذة وهو ينتحب ويشهق
مثل الأطفال "كنت بشوف إيه اللي بيحصل شوية وهو شوية.. وكنا بنحاول نطمن بعض رغم
أن الوضع كان خطير"، صمت بُرْهة ثم عاد للحديث مجددًا وهو يتطلع لمبنى المقر المتهالك
والمهجور الذي أصبح كبيت الأشباح "المقر كان مليان ببني أدمين كتير وقفوا في الشبابيك
والبلكونات وفي ايديهم أسلحة وفضلوا يطلقوا الرصاص على المتظاهرين وكل اللي يعدي في الشارع.. والناس بدأت تجري وفي اللي
يستخبى لحد ما الناس اللي في المكتب هربت بعربياتها وفي اللي بقى يجري بسرعة"،
غير متعرفًا على قيادات جماعة الإخوان ، والشخصيات التي هرولت من المقر "معرفش
القيادات ولا أعرف أسامي حد".
منذ أن جاء أحمد
يوسف-اسم مستعار- من عروس الصعيد "المنيا" إلى قاهرة المعز، وهو لن يعيش
لحظات مثل السالف ذكرها، فالمنطقة التي مكث فيها منذ ستة وعشرين عامًا من خلال عمله
كسائق بمؤسسة "الرخاوي" للطب النفسي وعلاج الإدمان، حتى مع بداية نقل
"الجماعة" إلى مقرها الجديد الكائن أمام المستشفى -المقر الثالث للجماعة
منذ نشأتها وهو عبارة عن فيلا ملحق بها مبنى إداري، تحمل رقم 5، وتتكون من ثلاث طوابق
على مساحة 600 متر، وبها العديد من الغرف، وملحق بها ساحة انتظار ضخمة- كانت تتسم بالهدوء
ولن يشوبها العشوائية والخوف "فرق كبير بين الفترة دي ودلوقتي.. يكفي إننا عايشين
بأمان ومش بنتابع الدنيا من ورا الشباك.. أيام لا ترجعها".
وبالدخول من الباب
الرئيسي للمركز، يخيّم الهدوء على المكان بما يتلاءم مع حالة المرضى، وهو ما حاولت
أن تحافظ عليه إدارة المؤسسة في ظل توتر الأوضاع بداية من يوم الثامن والعشرين من يونيو
عام 2013 "المرضى كانت على وعي بما يحدث في الشارع.. وكانوا عارفين أن في ثورة
وكانوا بيتكلموا في اللي بيحصل والبعض كان بيتفاعل ببعض الكلمات الوطنية فقط.. ولكن
كان صعب يأخذوا موقف جماعي وده بيرجع لطبيعة المرض النفسي.. ومع تطور الأحداث خاصة
مع ارتفاع صوت ضرب الخرطوش بدأ يظهر عليهم الخوف.. لذلك حاولنا فصل المرضى عن المبنى
الذي كانوا يمكثون فيه والقريب من الأحداث إلى مبنى آخر موازي للمركز.. وظل هذا المبنى
مغلق لمدة يومين حتى انتهت الأحداث"، هكذا وصف الدكتور عماد شكري سليمان، مدير
المستشفى، كيف حاولت المستشفى الحفاظ على راحة المريض- خلال أحداث "مكتب الإرشاد"
في الثلاثين من يونيو، والتي بدأت باشتباكات بين أنصار الرئيس المعزول، محمد مرسي،
والمطالبين برحيله من الحكم، أمام المكتب، ما أسفر عن مقتل تسع أشخاص وإصابة واحد وتسعون
آخرين، يُحاكم بها خيرت الشاطر، نائب المرشد، وسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب السابق،
ومحمد البلتاجي، وعصام العريان، وآخرين- لاسيما وأنه يعيش حالة خاصة.
وبالرغم من اكتِظاظ
الشارع بسيارات الإسعاف، وتخصص المستشفى في الطب النفسي، إلا أنها كانت تستقبل المصابين
من المتظاهرين؛ لتقديم لهم المساعددات الطبية "إصابتهم كانت سطحية ناجمة عن طلقات
الخرطوش.. وكان عددهم تقريبًا عشرة أشخاص.. لكن المستشفي كانت في حالة طوارىء"،
وفق ما تذكر مدير المستشفى والذي كان حينها ليس بهذا المنصب، مرددًا والابتسامة تملأ
وجهه "أيام عدت.. وقدرنا نسيطر على هدوء المركز ونرجع الأمان للمرضى والفضل للأطباء
المختصين الذين بذلوا قصارى جهدهم لذلك في آن واحد مع إسعاف المتظاهرين"، وقبل
أن يستكمل حديثه قاطعه صوت هاتفه المحمول، ولكنه لا يجيب وظل يتراءى في شاشته بضع ثوان،
ربما كان يتذكر المشهد "الموقف كان صعب علينا خاصة في الأيام اللي بتسبق 30 يونيو
فكان في تظاهرة كبيرة بالمقطم وحينها كان صعب دخول المستشفى بسهولة بالعربية وكنا بنعاني
للوصول لها".
ومن المواقف الذي
لا زال يتذكرها "سليمان" منذ أن نقل جماعة الإخوان بالحي الذي يتسم بالهدوء
كونه بعيدًا عن ازدحام وتلوث القاهرة التقليدي بجوار المستشفى هو زيارة إسماعيل هنية،
رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الثامن والعشرين من يوليو عام 2012، فهذه الزيارة
كانت لها طابع خاص عند الجماعة "فاكر اليوم ده كويس جابوا أعلامهم الخاصة بهم
ووزعوها على الناس في الشارع والعاملين في المستشفى لاستقباله".