خلال رحلتهم لحصد الرزق.. كيف مرت ثورة 30 يونيو على "الفواعلية"؟

تقارير وحوارات



بينما يختبئ المارة من أشعة الشمس الحارقة أسفل الأشجار وداخل المقاهي؛ اتخذوا هم من رصيف توسط الشارع مقرًا للجلوس طوال النهار، غير مبالين بارتفاع درجات الحرارة التي تشبع بسخونتها، حيث جاءوا من طرق مختلفة من شمال الصعيد وجنوبه، ليجمعهم هدف واحد وهو البحث عن رزق أبنائهم.

وأثناء انتظارهم لمصدر لقمة العيش، لم يجد عمال "الأرزقية" وسيلة يمضون بها ساعات الانتظار سوى بتبادل الهموم والحكايات، ليمر أمامهم شريط ذكرياتهم، حينما كان هذا الرصيف فارغًا، فتكدسوا في غرفة اقتسموا إيجارها الشهري الذي يبلغ مائة جنيهًا، يترقبون أمام شاشة التلفزيون أحداث ثورة 30 يونيو قبل خمسة أعوام.

"وقتها مكانش فيه شغل فكنا بنتابع كل حاجة على التلفزيون"، هذه الكلمات الأولى التي تلفظ بها "خلف" المسن الذي تجاوز عامه الستون، ليفتتح النقاش حول أيام الثورة،  حينما غادر محافظته المنيا، بعدما يئس من الحصول على عمل مناسب بها، عله يستكمل عمله على الرصيف الذي اعتاد الانتظار عليه منذ سنوات عديدة، ليفاجأ بانتفاضة الشعب التي أوقفت سير العمل في كافة أنحاء مصر والتي جعلت عودته صعبة إلى منزله في الوقت نفسه.



قرر الرجل الستيني وشركاء رحلته الشاقة أن يستسلموا إلى الأمر الواقع، فجلسوا في سكنهم الضيق بالقاهرة، يتابعون تفاصيل ما يجري عبر شاشة التليفزيون التي اجتمعوا أمامها، بينما تلمع أعينهم من هول المنظر الذي لم يتوقعوا أن يتكرر بعد 25 يناير:"إحنا في الصعيد كنا رافضين حكم الإخوان طول الوقت.. بس مكناش متوقعين إننا هنقدر ننقذ البلد منهم بالسرعة دي".


وبالرغم من انقطاع رزقهم بعدما تسببت الثورة في شل حركة العمل؛ إلا أن حماس العامل الخمسيني "صالح"، ابن محافظة الفيوم، لما يجري في مصر بهدف استعادة كرامتها من براثن الإرهاب، كان أكبر من "اليومية" التي خسروها خلال هذه الفترة، حيث أن أمل المستقبل الأفضل عاد يسيطر على تفكيره:"الرزق بيروح وييجي بس لما تقوم ثورة زي دي لازم نهتم بيها.. لأن جيلنا خلاص عاش حياته المهم الجاي لولادنا يكون أحسن".


دقائق من الحديث عن ذكريات ثورة يونيو، أعادت البسمة إلى شفاه "صالح"، الذي تذكر تلك اللحظة التي تمنوا فيها النزول والمشاركة بين صفوف الشباب الثائر، إلا أن كبر السن والأمراض التي تصحبه كانت حائلًا بينهم وبين الميدان، فما كانت وسيلتهم سوى الهتاف أمام شاشة التليفزيون والدعاء أثناء الصلوات لينجي الله مصر وشبابها الوطني المخلص:"إتمنينا لو كنا في عز شبابنا وبصحتنا عشان نبقا معاهم.. بس الجاي أحسن طول ما فيه شباب قوي في بلدنا".