الكاتب محمد شعير: "الإخوان" تآمروا على أنفسهم.. وهكذا خدعونا في 25 يناير (حوار)

تقارير وحوارات



25 يناير و30 يونيو موجتين لثورة واحدة

كتاب "الثورة العميقة" يدعو لاتباع طريق رابع في الشارع السياسي

5 خمسة أعوام غير كافية لتجني مصر ثمار 30 يونيو

كان مشهدًا مهيبًا تحولت فيه الضوضاء المزعجة إلى محببة، حيث الإقبال يتزايد بكثافة، والازدحام صنع صوتًا مميزًا للأقدام وهي تخطو إلى الميادين، لتصحبها حناجر كادت تقفز إلى الخارج من شدة الصياح بالهتافات التي عبرت عنها لوحات وصور دُونت عليها شعارات وطنية تطالب باسترداد أرض الكنانة.

 هذه الأصوات المختلطة أعادت إلى ذهن الكاتب الصحفي بجريدة الأهرام، محمد شعير، ذكريات 30 يونيو التي لا تنسى، حيث حفرت في ذاكرته طوال الأعوام الماضية، ليقرر تأريخها في كتابه "الثورة العميقة"، والذي احتضن تفاصيل الأحداث التي عايشها أثناء مشاركته في هذه الثورة، والتي تكشفت خلالها العديد من الحقائق التي أسقطت الأقنعة لتغير أفكاره وتشكل رؤيته بوضوح.

"الفجر" حاورت الكاتب "شعير"، ليستعيد معنا ذكرياته عن ثورة 30 يونيو، والتي شكلت فكره الخاص الذي يدعو إلى طريق رابع يقود إلى مصلحة مصر، حيث يتسم بالحياد والموضوعية بعيدًا عن الانحياز السياسي والتعصب الديني الذي فرضه الإخوان طوال عام حكمهم المُظلم والذي أسقطه الشعب بقوة الإرادة.

◄ في البداية.. حدثنا عن تفاصيل مشاركتك في أحداث 30 يونيو
كان يومًا مثيرًا للاهتمام، توقعت أن يكون أكثر دموية بسبب الاشتباكات مع جماعة الإخوان، وهو ما دفعني لتدوين عبارة "ربما أموت غدًا" قبل موعد انطلاق الثورة بيوم عبر صفحتي على "الفيسبوك"، وبالرغم من توقعاتي بوقوع أحداث شغب وعنف من شباب الجماعة للتمسك ببقايا دولتهم التي حاولوا السيطرة عليها خلال عام حكمهم المظلم، إلا أنني لم أبالي كثيرًا بمصيري بقدر ما كان اهتمامي منصبًا على الدفاع عن مصر واستردادها من بين أيديهم.

حينها توجهت مع مجموعة من زملائي الصحفيين وتوجهنا إلى نقابة الصحفيين، حيث كان المشهد مؤثرًا للغاية، فلأول مرة أخوض تجربة الهتاف بصوت مرتفع "يسقط يسقط حكم المرشد"، ثم حاولنا أن نتحرك باتجاه ميدان التحرير إلا أن العائدين من هناك أخبرونا أنه لايوجد متنفس لقدم أخرى بسبب الحشود الهائلة، فاضطررنا للذهاب إلى قصر الاتحادية، واستقليت ميكروباصًا من منطقة الإسعاف، والذي توجه من طرق مغايرة تمامًا بسبب شدة الزحام، فتوجه من منطقة شبرا التي كنت أتأمل تفاصيل ما يحدث بها من نافذة العربة، حيث شرفات المنازل البسيطة التي تزينت بأعلام مصر، والسيدات اللواتي هتفن في الشوارع، بعباءاتهن السوداء البسيطة، حينها أكد لي هذا المشهد إن الثورة أقامها مصريون صادقون، ليسوا أهل ثورة ولا ناشطين يتفاعلون على "الفيسبوك"، بل هؤلاء كانوا قد شعروا بالخطر على أرضهم فانتفضوا على الفور للدفاع عنها.


اضطر الميكروباص للتوقف عند بداية طريق صلاح سالم، حينها كانت المسافة طويلة، فاضطررنا للمشي كثيرًا إلى جوار أشخاص بسيطة تسير متحدية الإرهاق في سبيل الدفاع عن مصر، حتى وصلنا إلى الاتحادية حيث المزيج المذهل بين كل طبقات المتجمع، والذي استشعرته حينما اختلطت روائح عطور الأغنياء بالبسطاء الذين وقفوا إلى جوارهم متفقين بشأن قضيتهم التي تمس بلدهم بعيدًا عن التحليلات السياسية العميقة، وهو ما حدث في ثورة يناير أيضًا بالرغم من عدم مشاركتي بها.

 بالرغم من ابتعادك عن أحداث 25 يناير.. لماذا قررت المشاركة في ثورة 30 يونيو ؟
بالرغم من حبي لثورة 25 يناير حتى وصفت نفسي بأنني "ينايري الهوى" إلا أنني اكتفيت بمراقبة الأوضاع من نافذة جريدة الأهرام، حيث أن الحقائق لم تكن واضحة والأمور كانت مشوشة بالنسبة لي، فلم أتوجه إلى الميدان إلا يوم 29 يناير فقط، على عكس ثورة يونيو التي كنت قد أدركت خلالها أن الإخوان يعملون لمصلحتهم الخاصة وليس لمصلحة مصر وشعبها، حينها اتضحت الأمور وتغيرت وجهات النظر، خاصة بعد الإعلان الدستوري الذي أصدروه في نوفمبر الذي تضمن قرارات غير منطقية مثل تحصين قرارات الرئيس وتعيين نائب عام تابع لهم، وهو ما أظهر نواياهم الحقيقية في الاستئثار بكل شيء.

 إلى أي مدى تشابهت أهداف 25 يناير مع 30 يونيو؟
أهداف الثورتين غير متشابهة، ففي ثورة 25 يناير كان الشعب يسعى لإسقاط نظام الدولة بحثًا عن نظام أكثر حكمة وحرية وعدالة بعد 30 عامًا من الحكم الذي اختنق المصريون منه فبحثوا عن التغيير، أما عن ثورة 30 يونيو، فقد خرج الشعب لاستعادة دولته التي حاول الإخوان أن يسيطروا عليها بأخونة كل شيء، والاعتماد في المناصب على أهل الولاء لهم وليس أهل الخبرة والكفاءة.

ولكن بالرغم من هذه الاختلافات، إلا أنه يجب ان نعترف أن كلاهما ثورة واحدة قامت على موجتين لأجل مصر، وهو ما أقر به الدستور المصري بعدما أطلق على أحداث كليهما اسم "ثورة 25 يناير 30 يونيو".

 ما السبب الذي دفعك لإصدار الكتاب بعد مرور عدة سنوات على الثورة؟
لا أرى أنني تأخرت في إصدار كتابي الذي انتهيت منه في أواخر عام 2016 وأصدرته في نهاية 2017 الماضي، فحدث كبير مثل 30 يونيو كان يجب أن أنتظر وأتريث لفترة بعده، لأتمكن من عرض تطور الرؤية والأحداث بصدق وموضوعية، لذلك فالتأخر كان أمرًا إيجابيًا لأن التأريخ لهذه المناسبة من الصعب أن يتم بهذه السرعة، خاصةً أن محتوى الكتاب كان قائمًا على مادة استمريت في تحديثها وكتابتها على مدار السنوات الماضية، وفي حال قررت إصدار عمل جديد لن يكون خلال الفترة الحالية إطلاقًا، ففي الوقت الراهن أستمع وأراقب وأسجل كل ما يدور لأدون خلاصة كل ما يجري على المدى البعيد، بدلًا من السقوط في براثن التسرع الذي يتسبب في عدم دقة المعلومات.

 لماذا أطلقت على الكتاب اسم "الثورة العميقة"؟
لم أقصد بمصطلح الثورة العميقة ثورة 30 يونيو في حد ذاتها، بل كنت أعني بها الطريق الرابع، فالشارع السياسي اليوم يحمل ثلاثة طرق، الأول وهو المعارضة الدائمة والذي ينحاز مؤيدوه لثورة يناير فقط وهم الأقل عددًا، أما الطريق الثاني فينحاز أطرافه إلى 30 يونيو فقط ولا يعترفون بيناير، والطريق الثالث فهو للإخوان ممن تشبثوا بأفكارهم وقناعاتهم بالرغم من اختفاء دورهم السياسي اليوم، لذلك فالحل الأنسب في رأيي هو الطريق الرابع الأكثر عقلانية وموضوعية، والذي يمارس لعبة السياسة الحقيقية بالتوقف عن النزول إلى الميدان بعدما نجحنا في ثورتين متتاليتين، والبدء في تغيير سلوكياتنا كأفراد، وتحمل الصعوبات والأزمات التي ليس سهلًا أن تتغير في غضون عام أو خمسة أعوام، بعد فساد استشرى لمدة 30 عامًا، لذلك فالثورة العميقة يقصد بها ثورة إصلاح الأفكار ومنظومة العمل والمفاهيم:"لأن حكامنا مش جايين من كوكب تاني".

 وصفت أحداث 30 يونيو بـ"الملهمة" في كتابك.. فماذا قصدت بهذا المصطلح؟
لأن ثورة 30 يونيو غيرت أفكار قطاع عريض من المصريين وأنا من بينهم، فبعد يناير ارتكبت خطأ الإدلاء بصوتي إلى محمد مرسي، وتملكتني السعادة بفوزه، إلا أن عام واحد من حكمهم كان كفيلًا لندرك كم أخطأنا في منحهم هذه الفرصة التي أضاعوها بغبائهم حينما تآمروا على أنفسهم بربط الحكم السياسي بالدين، وعدم وضوح أهدافهم ورؤيتهم، لذا كانت هذه الثورة هي حجر الأساس لإسقاط المشروع السياسي الإسلاموي وإرشادنا إلى الصواب بعدما تكشفت أمامنا الحقائق وتبلورت رؤيتنا للأحداث.

 كيف خدعنا الإخوان بأن اختيارهم هو الحل المثالي؟
حينها كنا في زخم 25 يناير، والأسباب كانت مختلفة وقتها، فهناك فريق ينتمي لجماعتهم فتعاطف معهم وهم الذين صوتوا للقوة السياسية المعبرة عنهم، أما الشق الآخر فكان فريقًا معارضًا للإخوان ولكنه لم يجد بديلًا عنه ليشعر بالتغيير بعيدًا عن توابع النظام السابق، أما القطاع العريض من المواطنين فهم من استغل الإخوان نواياهم الطيبة، فصوروا لهم أنهم الأفضل للتغير، ولأننا لم نتعلم لعبة السياسة فوجدنا أن هذا الفصيل لم يملك فرصته في تجربة الحكم، بالإضافة إلى أنهم حاولوا اللعب على مشاعرنا كمصريين باسم الدين، ومع تفوقهم في إظهار مظلوميتهم، توجهنا جميعًا لمنحهم الفرصة دون تفكير.

 في رأيك.. هل نجحنا اليوم في القضاء على الوجود الإخواني بشكل كامل؟
نجحنا في القضاء على نشاطهم السياسي ولكننا لازلنا لم نقضي على أفكارهم بشكل جذري، والتي تفشت كالسرطان الذي يسعى لهدم البلد، فبالرغم من أن المصريين أدركوا حقيقتهم خلال العام الذي استولوا فيه على الدولة، خاصةً بعدما فضحوا علاقتهم بالعمليات الإرهابية في سيناء، والتي كشفتها تهديدات محمد البلتاجي بضرورة عودة "مرسي" إلى السلطة ليتوقف نشاط الإرهاب، إلا أن هناك عددًا من المنتمين إليهم لايزالوا حاملين لأفكارهم، ولكن هذا الأمر بدأ يقل تدريجيًا بعدما انشق العديد من الأعضاء عنهم.

 كيف يمكن أن نقضي على هذه الأفكار السرطانية بصورة نهائية ؟
يجب أن تتجه الدولة لمحاربة الفكر الإرهابي ولانكتفي بالقضاء على العناصر الإرهابية فقط، حيث يجب أن يتم تفنيد أفكارهم من خلال التخلص بصورة عميقة من أنشطتهم وثقافتهم التي يبثها الإعلام الإخواني ويحاول الترويج لها.

هل ترى إن 30 يونيو بدأت تؤتي ثمارها بعد مرور خمس سنوات؟
بدأنا بوضع قدمنا على أول طريق التغيير الشامل في مصر، وهو مايمثل إنجازًا كبيرًا في حد ذاته، ولكن يجب أن نتريث ولا نتعجل، لأن المصريون يظنون أن الإيجابيات يجب أن تظهر بين يوم وليلة بعد الثورة، ولكن هذا لايعد أمرًا منطقيًا وليس تاريخيًا بالمرة، لأن ما فسد في عشرات السنين من الصعب أن نتوقع إصلاح حاله في عام أو خمسة.

لذا أرى أننا لم نحصد حتى الآن ثمار الثورة ولكننا بدأنا في زرع الشجرة التي ستثمر في مكانها الصحيح، فهناك الكثر من المنظومات التي تعدمها الدولة بالتدريج، وهو ما يجب أن نتعامل معه بحكمة وصبر.