خلف الأسوار.. نزلاء دار ما بين ثورة 30 يونيو وذكراها الخمسة

تقارير وحوارات



سور حديدي يبعد عنه باب مغلق بإحكام عليهم، يجلسون في غرفة لا ترى من ضوء الشمس إلا القليل، يتشابهون فيما بينهم في وضعية جلوسهم ويختلفون كل الاختلاف في حكاية كل منهما، فلا يعرف نزلاء دار المسنين عن الدنيا سوى أنهما على قيد الحياة، وينتظر كل منهما موعده لتسدل الستار عن حياته بكل ما فيها من لحظات فرح وحزن.
فتمر ذكرى ثورة 30 يونيو على نزلاء دار المسنين مثل أحداثها قبل خمسة سنوات وكأنهم مسجلون غياب، فهم يعيشون في أمان لا يعلمون مصدره، ولا أن تلك الثورة قامت من أجل الصغير والكبير.

ففي الوقت الذي يتذكر الجميع أحداث ثورة 30 يونيو في ذكراها الخامسة ودورها في خلاص المصريين من حكم الإخوان، يجلس نزلاء دار المسنين متجاورين فيما بينهم يتابعون فيلمًا عبر شاشة التليفزيون، ترتكز عليه أعينهم دون تفاعل من قبلهم تجاه مشاهده، بل يكاد جميعم يشردون في ظروفهم التي دفعتهم للجلوس بمفردهم، لا يؤنسهم شيء سوى أشخاص من نفس حالهم.

لا يختلف المشهد كثيرًا عن توقيت أحداث الثورة قبل خمس سنوات، حينما قرر "أحمد" المسؤول عن النزلاء في دار المسنين أن يبعدهم عن الأحداث منذ البداية ويلهي أعينهم بفيلم أو مسلسل يهديء من روعهم وحالتهم النفسية "كنت ببعد عنهم أى أخبار.. هما نفسيًا تعبانين.. ومش مدركين"، يقولها الشاب الثلاثيني ويلقى بنظره على حالتهم "مفيش مسن سوي هيجي يقعد هنا.. أكيد عنده مشاكل أو تعبان".

وبمجرد أن يتأكد "أحمد" من استغراق المسنين في النوم ليلًا، كان يتابع ما يدور من أحداث خلال ثورة 30 يونيو عبر هاتفه، حتى اطمئن قلبه لإزاحة الإخوان من السلطة "لازم اراعي حالتهم.. أنا حتى لما بتكلم معاهم مش بسألهم عن أى حاجة قديمة.. كفاية اللي هما فيه".

"أكل.. شرب.. نوم".. هكذا يصف الشاب الثلاثيني ملخص اليوم البائس للمسنين داخل الدار، فأعينهم لا ترى الشارع سوى في أوقات محددة وبمعاونة مسؤولين عنهم "بنخرجهم معانا شوية وبنرجعهم.. بس مش كل الحالات ينفع تخرج.. في مسنين مش مؤهلين خلاص إنهم يشوفوا الشارع ولا حابين يخرجوا".

وبمرور 30 دقيقة داخل دار المسنين، حاول النزلاء الابتعاد عن التحدث فما إن نطقت ألسنتهم سقطت نظرة أعينهم إلى الأرض، فيخشون السؤال عن الظروف التي وضعتهم خلف الأسوار، فهم يعلمون جيدًا أنه لا يوجد من يشعر بهم سوى خالقهم، فينتظرون رؤيته بفارغ الصبر.