د. بهاء حلمي يكتب: سياسات اللجوء تهدد وحدة الاتحاد الأوروبي
تواجه أوروبا تهديدات وتحديات معقدة نتيجة سياسات اللجوء واختلاف الرؤى سواء على مستوى الدول الأوروبية وبعضها أم على مستوى الأحزاب داخل بعض هذه الدول مثل «إيطاليا، بولندا، النمسا، ألمانيا» التى يتصاعد الغضب الشعبى بها نتيجة صعود اليمين الشعبوى الذى يرفض فكرة قبول اللاجئين ويناهض وجودهم داخل مجتمعاتهم.
فعلى مستوى الاتحاد الأوروبى تظهر الاختلافات بين الدول الأوروبية وبعضها بعد فشل سياسات اللجوء والحلول التى سبق للاتحاد تبنيها مثل «اتفاق دوبلن، الاستيعاب وإعادة توزيع حصص اللاجئين، أمن الحدود» والذى تعارضه بعض الدول بشدة مثل المجر التى قامت ببناء جدار عازل لحماية حدودها وعدم عبور أراضيها، وإيطاليا التى قامت بغلق حدودها البحرية أمام المهاجرين ورفضت استقبال السفن التى تحمل المهاجرين العالقين فى البحر والمهددين بخطر الغرق بالرغم من مناشدات الدول الأوروبية الأخرى، واتخاذها موقفا صارما حيال تصريحات فرنسا التى نددت برفض استقبال سفينة اللاجئين وتحويلها إلى إسبانيا.
ويزيد الأمور تعقيداً محاولات دخول الرئيس الأمريكى ترامب على خط الأزمة مؤيداً الموقف المناهض لقبول اللاجئين والذى يتفق مع وعوده السابقة واعتقاده بأن الجرائم قد زادت فى ألمانيا وأوروبا وأن الشعب الألمانى ينقلب على قادته وذلك على حد تعبيره، وربما يحاول استثمار ذلك لتعزيز موقفه ضد اللاجئين ومحاولته تبرير تصرفاته الأخيرة التى قام فيها بفصل الأطفال عن عائلتهم من المهاجرين.
لقد سبق لنا فى شهر يناير الماضى تناول إجراءات الاتحاد الأوروبى تجاه مشكلة الهجرة غير الشرعية والمطالبة بالسعى نحو إحلال السلام ومساعدة دول شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط على الاستفادة من الموارد الطبيعية لديها وإنهاء النزاعات المسلحة والحد من عمليات بيع السلاح لجميع الفرقاء وعدم التدخل فى شئون تلك الدول والاستفادة من الدروس السابقة التى أفرزت تلك المشكلات.
لقد فشلت دول الاتحاد الأوروبى وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا فى محاولتها لاستيعاب المشكلة، وأدى ذلك إلى صراع سياسى داخل ألمانيا حول مسألة اللاجئين، وتوجهت المستشارة الألمانية ميركل إلى كل من الأردن ولبنان لإعلان المساندة والدعم السياسى والمالى وبغرض خلق منطقة آمنة لأن عدم الاستقرار بتلك البلاد أو بأى من دول شمال أفريقيا المُطلة على البحر المتوسط بالضرورة سينعكس سلباً على أوروبا والعالم.
إن عدم اتفاق القادة الأوروبيين وغياب دور منظمة الأمم المتحدة والمفوضية السامية للاجئين التى أعلنت إفلاسها وعدم قدرتها على تمويل برامج اللجوء أو مساعدة الدول التى تستضيف اللاجئين، وكذلك غياب الرؤى والحلول المطروحة لأزمة المهاجرين وعلى الأخص اللاجئين السوريين أمر يُشير إلى افتقاد المجتمع الدولى إلى إرادة حقيقية لحل أسباب هروب الملايين من الناس من دولهم تجاه دول أخرى عبر المتوسط دون رغبتهم.
ويُثار التساؤل عن طبيعة الإجراءات التى تتخذها دول الاتحاد الأوروبى تجاه النازحين السوريين الهاربين من الحرب خوفاً على حياتهم وبين الإجراءات الخاصة للمهاجرين وطلبات اللجوء السياسى أو الدينى أو الإنسانى؟ وهل استمرار الحرب فى سوريا سيؤدى إلى المزيد من اللاجئين؟ ولماذا لم يسع الاتحاد الأوروبى حتى الآن لتبنى حل الأزمة السورية سلمياً وإعادة اللاجئين السوريين عودة آمنة وكريمة لإعادة بناء وطنهم وتخفيف الأزمة على الدول الأوروبية؟
يبدو أن سياسات اللجوء الحالية التى تختلف عليها الدول الأوروبية ومحاولات بعض تلك الدول تصدير أزمات النازحين إلى بعضها، وإقامة البعض منها جداراً عازلاً لحمايتها أو التهديد بالخروج من برنامج الاتحاد الأوروبى لتوطين طالبى اللجوء
وتهديد البعض بالخروج من منطقة (شنغن) التى تسمح بحرية الانتقال بين دول المنطقة، وإقامة معسكرات ومخيمات لعشرات الآلاف من المهاجرين وترحيلهم، هى إجراءات تهز عرش الاتحاد الأوروبى وتعمق الانقسام بين الأعضاء مما يهدد وحدته وربما تستمر المعاناة من تداعيات وتكلفة استقبال اللاجئين على كافة الأصعدة طالما لم يتخذ الاتحاد الأوروبى موقفاً إيجابياً لعلاج أسباب تفاقم مُشكلة النازحين واللاجئين تنسيقاً والأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة فى الأزمة السورية.