تباين وجهات نظر دول جامعة الدول العربية تجاه العملات الرقمية المشفرة
لقد كان تبني العملات الرقمية في الشرق الأوسط موضوع جدل ساخن خلال الفترة الماضية لكن يبدو وكأن اثنين من أكثر الكيانات نفوذاً وقوة في المنطقة قد اتخذوا خطوات نحو التحقق من صحة هذه التكنولوجيا ومكانتها في الإطار النقدي الإقليمي والدول، ففي 13 كانون الأول 2017 وردت تقارير صحفية مفادها أن اثنين من القوى العظمى في الشرق الأوسط يتعاونان لإنشاء وإصدار عملة رقمية واحدة، هاتان القوتان هما الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وسيكون البنك المركزي لكل منهما من سيضع أطر العمل في هذا المشروع، ووفقاً للتقارير فإن العملة الرقمية التي هذه ستعتمد على تقنية بلوك تشين وأنها مصممةفي المقام الأول كأداة من شأنها تسهيل المعاملات عبر الحدود بين الدولتين.
ومن الجدير بالذكر ما تتمتع بهالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من علاقات تجارية واسعة النطاق،حيث يبلغ إجمالي صادرات المملكة العربية السعودية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة 6.74 مليار دولار سنوياً، والصادرات من الإمارات العربية المتحدة إلى المملكة العربية السعودية تبلغ 8.5 مليار دولار.
كما وتداولت الصحف منذ فترة وجيزة خبر منح مركز دبي للسلع المتعددةDMCC ترخيصاً حكومياً لتداول العملات الرقمية المشفرة لشركة استثمارات تتخذ من دبي مقراً لهالتكون بذلك أول سابقة من هذا النوع في منطقة الشرق الأوسط لجهة التراخيص الحكومية، ووفقاً لبيان صحفي صادر عن موقع مركز دبي للسلع المتعددة فإن الرخصة ستتيح للشركة تخزين العملات الرقمية مثل البيتكوين والإثيريوم والعملات الرقمية البديلة في مرفق تخزين غير متصل بالإنترنت في دبي، وهو ما يعبر عنه بمستودع التخزين البارد الأول في العالم للعملات الرقمية، ومن المفترض أن يوضع التخزين غير المتصل بالإنترنت إلى جانب مخزون الشركة من الذهب المادي وذلك ضمن واحد من أكثر مرافق المعادن الثمينة أمناً في العالم كما سيتم تأمين مرفق تخزين العملات الرقمية هذا بشكل كامل لحمايته من السرقة والاختراق والكوارث الطبيعية.
أما بالنسبة لما يتعلق بالاعتراف بالعملات الرقمية في دولة الإمارات العربية المتحدة فإن هذا الأمر لا يزال متقلباً ما بين القبول والرفض، فقد أعلنت هيئة تنظيم الخدمات المالية في أبو ظبي مؤخراً عن عملها لوضع أنظمة للعملات الرقمية المشفرة وعمليات الطرح الأولي وكذلك بورصات العملات الرقمية التي لم تنظم في جميع أنحاء الدولة بعد، مما قد يشير إلى سماح السلطات في الدولة تطوير التداول في العملات الرقمية مثل عملة البيتكوين، وتعد إمارة دبي في طليعة إمارات الدولة من ناحيةنهجها في التعامل مع العملات الرقمية حيث أعلنت في أكتوبر عام 2017 أنها ستطلق عملتها الرقمية الخاصة والمدعومة من الحكومة المحلية وهي باسم (إم كاش).
وبالرغم من التراجع الحاد الذي تشهده العملات الرقمية المشفرة وتحذير البنوك من شراءها وتداولها فقد بدأت العملات الرقمية وخاصة "بتكوين" تنتشر بصورة كبيرة في الوطن العربي، ففي الإمارات بدأ الأفراد يستغنون عن الدرهم كعملة وطنية معترف بها ويتجهون إلى شراء العملات الافتراضية، كما وأكد خبراء اقتصاديون أن زيادة الإقبال على شراء العملات الافتراضية سيؤثر بالسلب على الاقتصاد الوطني في المستقبل القريب حيث إن استبدال العملة الوطنية "الدرهم" بالعملة الرقمية يعد استنزافاً لموارد وثروات البلاد لأنها تؤثر بالطبع على الاستثمارات الحقيقية بالإضافة إلى أنها ستكون سبباً في تراجع المدخرات المجتمعية وتراجع الادخار القومي وانخفاض المشتريات من الذهب والمعادن الثمينةوأوضحوا أن هناك خمس مخاطر تهدد الاقتصاد الوطني جراء الاندفاع نحو شراء العملات الرقمية، فالمتعارف عليه أن العملات يجب أن تتمتع بثلاث خصائص أساسية وهي أنها رمز لسيادة الدول فلابد أن تصدرها جهة رسمية في الدولة وأن تتسم بالندرة فلا يتحكم بها سوى البنك المركزي وأن تكون لديها قوة إبراء قانونية يعترف بها الجميع وكل هذه الخصائص لا تنطبق على العملات الرقمية المشفرة، وهوس البعض بشراء العملات المشفرة يأتي على حساب المشتريات من الأصول المعروف عنها أنها مخزن للقيمة مثل المعادن والفضة والذهب والتي تعد مؤشراً إلى ثروة الأفراد الحقيقة والتي بدورها تعكس ثروة الدولة نفسها.
ويذكر بالمقابل أن دار الإفتاء المصرية كانت قد أصدرت مطلع يناير/كانون الثاني الماضي بياناً تحرم فيه تداول العملات الرقمية المشفرة والتعامل معها بالبيع والشراء والإجارة والاشتراك فيها، وقال مفتي مصر، شوقي علام، إن السبب يعود إلى عدم اعتبارها كوسيط مقبول للتبادل من الجهات المختصة ولما تشتمل عليه من الضرر الناشئ عن الغرر والجهالة والغش في مصرفها ومعيارها وقيمتها، فضلاً عما تؤدي إليه ممارستها من مخاطر عالية على الأفراد والدول وفق تعبيره.