سامي جعفر يكتب: الطبقة المتوسطة ستدفع "فاتورة الإصلاح" ولن تغضب "الآن"
مع كل موجة ارتفاع فى أسعار الخدمات أو السلع، تزيد نبرة رفض برنامج الإصلاح الاقتصادى على وسائل التواصل الاجتماعى، وفى أحاديث المواطنين فى المواصلات العامة وفى المناقشات العائلية فى البيوت، رغم أن هذه الزيادات معروفة ومتوقعة منذ وقعت مصر على اتفاق قرض الـ12 مليار دولار مع صندوق النقد الدولى عام 2016.
شعور المواطنين بالغيظ من برنامج الإصلاح منطقى جداً وطبيعى للغاية، لأن الفارق بين كل موجة غلاء وأخرى، أسرع بكثير من قدرة أبناء الطبقة المتوسطة، على التكيف، وخفض نفقاتهم وتوديع نمط معيشتهم الذى يتضمن تطلعات بمستوى تعليم متميز لأبنائهم ورحلات مصيف وشراء سيارات جديدة بالتقسيط والانتقال إلى أماكن أفضل للسكن وغيرها، وكل هذه الأشياء تتطلب حالياً الاستغناء عن عشرات المتطلبات للاحتفاظ بالبنود الأهم.
من السهل على أى حكومة أن تضغط على الطبقة المتوسطة لتنفيذ أى برنامج لهيكلة الاقتصاد وكلما زاد الضغط يستغرق الإصلاح وقتاً أقل، لكنه كاف جداً لتحويل فئات كثيرة إلى فقراء، سواء بخفض قيمة مدخراتهم بعد تحرير سعر الصرف أو بزيادة النفقات بجرة قلم توقع قراراً بزيادة الضرائب على السلع والخدمات وخفض الدعم الموجه للوقود والطاقة بوجه عام.
كان هناك اتفاق ضمنى طيلة سنوات عهد الرئيس الأسبق، محمد حسنى مبارك، قائم على رضا المواطنين بطريقة الحكم، مقابل توفير الحد الأدنى للحياة والتدرج فى أى خطوات لزيادة أسعار الخدمات والوقود، وغيره، خصوصاً أن الدولة لم تنس أحداث 18 و19 يناير 1979، والتى شهدت مظاهرات احتجاجية زلزلت البلاد من الإسكندرية إلى أسوان، وأضعفت القوة الاستراتيجية لمصر التى كانت مقبلة على استلام سيناء وتحريرها من الاحتلال الإسرائيلى، وذلك لمجرد رفع أسعار بعض السلع بنسبة 15% على الأكثر.
فى تسعينيات القرن الماضى قال مبارك فى إحدى خطبه فى إشارة إلى رفضه لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادى فى وقت قصير،: "عايزين نعمل زى روسيا ؟"، حيث كانت صور طوابير الروس الحاملين لبطاقات التموين تمتد لعدة كيلو مترات أملاً فى الحصول على أى كمية من الخبز أو السلع، وقبل أن يمر عقد واحد على هذه المقولة نهضت روسيا وأصبح اقتصادها قوياً فيما استمر الاقتصاد المصرى مجرد اقتصاد صغير ينمو بالفعل لكنه ليس قوياً بالمقارنة مع حجم مصر وقدراتها الافتراضية، وظل مبارك محتفظاً بمكانه حتى أنهت مظاهرات يناير حكمه.
وبعد ثورة 25 يناير 2011، لم تأت أى حكومة إلا وكانت تحمل بين ملفاتها تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادى، بداية من حكومة الدكتور عصام شرف، فى عهد المجلس العسكرى مروراً بحكومات كمال الجنزورى وهشام قنديل وحازم الببلاوى، إبراهيم محلب وأخيراً شريف إسماعيل، الفارق أن حكومات شرف وقنديل كانت تتفاوض مع صندوق النقد للحصول على 4.8 مليار دولار، فيما اتففقت حكومة محلب على 12 مليار دولار.
كما حملت جميع هذه الحكومات مسألة خفض الدعم وزيادة الضرائب ضمن أولوية مهامها، بعضها تراجعت عن قرار زيادة الأسعار وسحبت قوانين بفرض ضرائب على غرار مع حدث فى الشهور الأولى لحكم المعزول محمد مرسى، خشية انتفاض المواطنين ضده، الذين تخيلوا أن مصر ستدفع فاتورة 25 يناير، وأنهم "مش هيحاسبوا عليها".
مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، كان الأمر مختلفاً ماكينة البناء تمضى أسرع من المتوقع، والأسعار تزيد بشكل أكبر من المأمول، وحنق المواطنين على الحكومة والمعيشة التى أصبحت مرة، يتضخم، وتخشى التوقعات اندلاع غضب شعبى يمكن أن يدمر معجزات السنوات الـ4 الأولى من حكم السيسى، إلا أن خبرة السنوات القليلة الماضية تؤكد أن الطبقة المتوسطة أجلت غضبها وأنها أخذت قراراً بتحمل فاتورة الإصلاح بشرط أن تعرف حدود خط النهاية لأنه لا يوجد شعب ينتظر طيلة الوقت.