بهدف الحد من الاعتذارات عن المناصب الوزارية.. حلول من رجال الأعمال لظاهرة «الأيدى المرتعشة»
إضافة فقرة بقانون العقوبات تُعفى المحافظ والموظف العام من المسئولية الجنائية عند تحقيقه المنفعة العامة للدولة
انتشرت ظاهرة الأيدى المرتعشة بين مسئولى الحكومة، عقب ثورتى 25 يناير و30 يونيو، حيث لجأوا إلى تأجيل الكثير من القرارات المهمة، تحسباً لاعتبارات المساءلة القانونية، والخوف من اتهامات الأجهزة الرقابية بالفساد.
ونتيجة لتهديد تلك الظاهرة لمصالح الدولة، فكرت الحكومة أكثر من مرة منذ عام 2013، فى إصدار قانون يحمى تصرفات كبار المسئولين، التى تتم دون قصد جنائى، إلا أن القانون لم ير النور، بسبب حالة الجدل التى أثارها.
تسببت الظاهرة فى مشكلة أخرى، تتمثل فى اعتذار الكثيرين عن عدم قبول المنصب الوزارى، خوفا من الملاحقات القانونية بتهم فساد، ما أدى لظهور مطالبات برلمانية بتشريع يحمى المسئولين بالدولة، بهدف حل المشكلة، وعدم خسارة الحكومة لشخصيات ذوى خبرة وكفاءة.
وبدأ مجلس النواب، فى فبراير 2017، فى الإعلان عن مشروعات قوانين بهذا الخصوص، بدأت بالنائب أحمد حلمى الشريف، وعلاء عابد، ثم ياسر عمر، بنهاية العام الماضى، وأكد الأخير على ضرورة تبنى لجنة الخطة والموازنة مشروع القانون.
فى السياق ذاته أصدر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، الذى يموله مجموعة من كبار رجال الأعمال، دراسة مؤخراً، شملت عدة توصيات لمواجهة الظاهرة التى تؤثر على حركة الاقتصاد والاستثمار.
الدراسة من إعداد رضا فرحات، محافظ الإسكندرية السابق، وأحمد داود، الباحث بالمركز، وأوضحت أن «الأيدى المرتعشة» ظاهرة ينتج عنها تأجيل القرارات، وتفشى الروتين، وكثرة الإجراءات والتصاريح، ما يفتح الباب أمام ممارسات الفساد.
وسعت الدراسة إلى ايجاد حلول قانونية من خلال مقارنة حدود المسئولية الجنائية للموظف العام، بالمسئولية المدنية لأعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة «الخاصة».
وأشارت إلى أن المشرع رأى ضرورة الحد من مسئولية أعضاء مجلس إدارة الشركة المساهمة، وتقييد إمكانية تقديم دعوى جنائية ضدهم فى بعض الجرائم بقيود استثنائية، بهدف
استقرار المعاملات التجارية، وطمأنة أعضاء مجلس الإدارة بعدم استمرار ملاحقتهم بدعاوى المسئولية.
وأوضحت الدراسة أن الهدف من المقارنة، هو ايجاد نصوص مماثلة، تخص حدود المسئولية الجنائية، ولدعم روح المبادرة والإبداع للموظف العام، وتشجيعه على اتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب، وعدم تعطيل مصالح الجمهور.
وذكرت أن أسباب تفاقم ظاهرة الأيدى المرتعشة، تعود إلى مشاكل مؤسسية وهيكلية، وتعدد وغموض الإجراءات القانونية، لافتة إلى أن أبرز الأسباب تتمثل فى أن بعض مواد قانون العقوبات بشأن جرائم التربح والإضرار بالمال العام، تنطوى على امتداد العقاب للموظف العام، حتى لو لم يحصل على منفعة شخصية.
وشملت الأسباب: البلاغات الكاذبة بسوء قصد، وعدم وجود إطار تشريعى منضبط بشأن المحاسبة الجنائية فى جرائم الأموال العامة والفساد السياسى، وبالتالى يتم اللجوء لأحكام قانون العقوبات، خاصة المتعلقة بالعدوان على المال العام.
وتضمنت الأسباب: المحاكمة الجنائية للموظف العام فى قضايا المنازعات التعاقدية، وهو ما يتعارض مع المعاهدات والاتفاقات الدولية، ما يدخل المنازعات التعاقدية ضمن دائرة القانون الجنائى.
وقالت الدراسة إن من الأسباب المهمة أيضا، التداخل بين الأجهزة الرقابية والمحاسبية، وضربت مثالا لذلك قائلة: إذا لم يقم المسئول بسحب الأرض من المستثمر حال تعثره، فقد يؤدى ذلك إلى إحالته لمحكمة الجنايات، حتى لو كان المستثمر قد سدد 80 % من المديونية بالفعل، ولو كان تعثره راجعا لقوة قاهرة كأزمة مالية عالمية أو كساد.
ولفتت إلى مؤشرات تفشى الظاهرة بالجهاز الإدارى للدولة، وعلى رأسها الخوف من استخدام سلطة الشراء، أو الإسناد بالأمر المباشر، رغم وجودها بقانون المناقصات والمزايدات، واللجوء للطرح من خلال المزايدة، حتى لو أدت إلى بطء تنفيذ المشروعات.
المؤشر الثانى، يتمثل فى لجوء غالبية المسئولين لطرح أصول للدولة من خلال المزايدة أو المناقصة، بزعم تحقيق الشفافية، رغم أنها إجراءات لا تأتى فى الغالب الأعم بأفضل العروض، ولا تخلو من ممارسات فساد.
وذكرت الدراسة أمثلة على نزاعات تم اتخاذ قرار حاسم بشأنها بين شركات المقاولات ومؤسسات الدولة، وأبرزها النزاع الذى استمر 11 عاماً بين إحدى شركات المقاولات ومستشفى بنها التعليمى، وأدى إلى قيام المقاول بالحجز على المستشفى، وإغلاق عدد من طوابقه، وتسلمت هيئة المستشفيات التعليمية المستشفى عام 2016 بقرار من محافظ القليوبية، شمل إخلاء المستشفى بالقوة الجبرية للصالح العام، وجرد متعلقاته، والبدء فورا فى عمليات تطويره ولم يرضخ المحافظ لتهديدات شركة المقاولات، ودعواها بأنه ستلجأ للنيابة العامة.
المثال الثانى، هو النزاع بين محافظة الإسكندرية، والشركة المالكة لمشروع أليكس ويست، الذى استمر لمدة قاربت 10 سنوات، وتم حله عن طريق اللجنة الوزارية لفض المنازعات.
واقترحت الدراسة عدة حلول، أولها وجود نص قانونى لحماية المسئولين والموظفين العموميين، طالما كان تصرفهم مشروعاً، وليس به شبهة انحراف أو فساد، وذلك بإضافة فقرة تحت بند «ثالثا» بالمادة 63 من قانون العقوبات، تنص على: يعفى كل من الوزير، والمحافظ، والموظف العام من المسئولية الجنائية عن العمل الذى قام به وفقا لمقتضيات وظيفته، إذا كان مشروعاً ويحقق المنفعة العامة للدولة».
وأشارت الدراسة إلى أن معظم القضايا، التى تعقبت المسئولين السابقين، تتعلق بتربيح الغير، وليس المسئول نفسه، موضحة أن محكمة النقص نقضت عدة أحكام بنيت على المادتين 115 و116 مكرر من قانون العقوبات، بعد قضاء المتهمين سنوات بالسجون، بغير حق، وطالبت بتعديل المادتين.
شملت الاقتراحات أيضاً، تشديد عقوبة البلاغ الكاذب، حال ارتكابها بهدف هز الثقة فى الوظيفة العامة، بحيث تتضمن المادة 305 من الباب السابع من قانون العقوبات، على سجن مرتكب جريمة البلاغ الكاذب، وبالسجن المشدد إذا صاحب البلاغ مستندات، أو تقارير، أو أوراق مزورة.
وأكدت الدراسة على ضرورة ايجاد نص قانونى يُمكن الموظف العام من الحصول على نسخة معتمدة من أى مستند، قد يساعده فى إثبات حسن نيته، وطالبت بضرورة خضوع الدعوى الجنائية ضد الموظف العام، إلى نظام خاص يضمن عدم ملاحقته قضائياً لمدة طويلة.
وأوصت بتقييد حق رفع الدعوى ضد الموظف العام فى بعض الحالات، لتلافى البلاغات الكيدية، مثل ضرورة الحصول على موافقة رئيس الحكومة فيما يخص الوزراء ونوابهم والمحافظين والدرجات العليا والممتازة، وموافقة الوزير المختص لباقى الدرجات الوظيفية.
وطالبت بتدعيم تلك الإصلاحات القانونية، بعدد من الإصلاحات الهيكلية، مثل: تطوير منظومة التخطيط والمتابعة، والتحول من موازنة الأداء، إلى موازنة البرامج والمشروعات، وتطوير منظومة إدارة الموارد البشرية، وتحديث معلومات الجهاز الإدارى للدولة، وميكنة الخدمات المقدمة للمواطنين.